رفض التطبيع من أبجديات السياسة السورية
أكاذيب إسرائيلية ومغالطات عربية
بقلم: زياد ابوشاويش
لم يكن المرء في حاجة لسماع بيان الخارجية السورية ليعرف أن خبر لقاء مراسل صحيفة “معاريف ” الصهيونية جدعون كوتز مع وزير خارجية سورية العربية وليد المعلم هو خبر مفبرك وعار عن الصحة.
المحاولات الاسرائيلية تتكرر بين الفينة والأخرى لتمرير بعض التسريبات الكاذبة حول لقاءات تزعم الصحف وبعض الشخصيات في تل أبيب بوقوعها بين مسؤولين صهاينة ورموز سياسية سورية دبلوماسية وغيرها بهدف التشويش على حقيقة الموقف المبدأي للقيادة السورية تجاه الحقوق العربية والأسس التي أعلنتها سورية لإجراء المفاوضات من أجل الوصول للسلام في المنطقة والتي تتلخص في استعادة كامل الحقوق العربية. وكما هو واضح فإن خلطاً متعمداً يجري بين موقف سورية من عدم وضع شروط مسبقة لعودة المفاوضات غير المباشرة مع إسرائيل وموقفها تجاه الأسس التي يجب أن تبنى عليها عملية السلام بحيث تظهر سورية كما لو كانت متساهلة في مسألة التطبيع ومنها مسألة اللقاءات التي أشرنا إليها آنفاً.
إن ما تحاول ترويجه وسائل إعلام إسرائيلية وأخرى عربية حول خطوات سورية باتجاه تخفيف الحصار والمقاطعة للعدو الصهيوني يخالف الواقع تماماً ذلك أن سورية هي أكثر دولة عربية لا زالت متمسكة باتفاقية المقاطعة العربية لاسرائيل وتحتضن مكتب المقاطعة الذي ترأسه لسنوات طويلة أحد رجالات سورية المعروفين وكان يحرص دوماً على إبقاء جذوة المقاطعة مشتعلة وقد واجه في ذلك الكثير من الصعوبات والعرقلات لعمله من أكثر من بلد عربي في المشرق والمغرب لا يتسع المجال هنا لتعدادها.
مغالطات مكشوفة وتزوير واضح
لقد جرى وبطريقة قصدية تؤيل أحاديث لمسؤولين سوريين وكذلك للسيد الرئيس بشار الأسد حول عملية السلام والحرص الذي تبديه سورية من أجل هذه القضية. وعلى سبيل المثال فقد تم ترديد ما قاله الرئيس الأسد حول الوساطة التركية كما لو أنه يحث تركيا على تحسين علاقتها مع إسرائيل لتلعب دور الوسيط بين الطرفين في الوقت الذي تدعو فيه سورية إلى تشديد الحصار والمقاطعة للعدو وكشف ألاعيبه ومراوغته بخصوص العودة للمفاوضات، والحقيقة أنه برغم كل التوتر والجفوة بين تركيا وإسرائيل فإن علاقة البلدين ما زالت توصف بالاستراتيجية، وقد قال الرئيس وصفاً لهذا حين أشار إلى أن وساطة تركيا تعني أنه من الطبيعي وجود علاقات جيدة بينها وبين إسرائيل لتلعب مثل هذا الدور ولم يقل كما زعم بعضهم بأن على تركيا تحسين علاقتها مع إسرائيل لتلعبه أو كما روج بعضهم كذباً بأن سورية ستطلب تغيير مقر المفاوضات غير المباشرة مع إسرائيل من تركيا إلى فرنسا.
وفي عنوان آخر يتعلق بالاستيطان الذي كان حديث الرئيس الأسد أمام قمة الكومسيك شديد الوضوح بخصوصه حين قال أن وقف الاستيطان ليس هو الحل بل خطوة على طريق الحل وأنه ليس المشكلة الكبرى بل الاحتلال هو المشكلة وأن الأهم من وقف الاستيطان إزالة المستوطنات القائمة….الخ ليجرى اقتطاع أو اجتزاء الحديث بالقول أن الرئيس الأسد لا يجد في موضوع الاستيطان مشكلة تعرقل المفاوضات. وبمعنى أكثر وضوحاً فإن من تناول الأمر قد وضعه بشكل متعمد في إطار يدين سورية باتخاذ مواقف ترفض أن يتخذها الآخرون وهذه مغالطة مكشوفة لأن السياسة السورية تحمل وجهاً واحداً في هذا الشأن ولم يسبق أن ظهرت أعراض شيزوفرينيا سياسية عليها كبعض مروجي السياسة الأمريكية في المنطقة.
هجوم السلام السوري..مكاسب أغاظت البعض
منذ وصول حزب الليكود الصهيوني بقيادة نتنياهو للسلطة في إسرائيل عمدت سورية لتسليط هجوم سياسي مركز عليها على خلفية فهم سوري صحيح لطبيعة هذه الحكومة ومرتكزاتها الفكرية واستراتيجيتها السياسية وخاصة تجاه السلام في المنطقة وقد اتخذ هذا الهجوم من عملية المفاوضات المجمدة بين البلدين وكذلك تعثر المفاوضات ومن ثم توقفها بين الفلسطينيين والاسرائيليين بسبب تعنت هذه الحكومة وعنصريتها مرتكزاً ومادة لهجومه حين تقدمت سورية باقتراحات عملية لاستئناف المفاوضات وأبدت مرونة ملحوظة في مجال التمهيد لعودة هذه المفاوضات بإعلان أن لا شروط لها بهذا الخصوص وأن الأمر يعود لقضية حقوق يجب أن تستعاد كاملة نتيجة هذه المفاوضات وأن هذا أساس وليس شرطاً لاستئنافها، وكما نلاحظ فهذه لغة ذكية ومرنة لكنها لا تتجاوز الطلب السوري بعودة الجولان كاملة.
في ظل هذا الهجوم الإيجابي نحو السلام ولمحاصرة إسرائيل دبلوماسياً وبعد أن جرى حصارها على أكثر من جبهة بما فيها تقرير غولدستون والإدانة الدولية لاستمرار الاستيطان ورفض التجاوب مع المطالب الدولية لوقفه حققت سورية عديد المكاسب السياسية والدبلوماسية تجلت في انفتاح أوروبي كامل عليها وإشادات عالمية بمواقفها وتعزيز لعلاقاتها ومصالحها مع الكثير من دول العالم، وكذلك لجمت هذه السياسة كل الادعاءات الإسرائيلية والأمريكية حول الدور السوري ودعمها للمقاومة.
أزعجت هذه الانتصارات بعض الحاقدين وآخرين ترتبط مواقفهم وأقلامهم بالسياسة الأمريكية، وبعد فشل المشروع الامبريالي الصهيوني بتخليق شرق أوسط جديد على مقاس الأجندة الصهيو- أمريكية والذي قابله نجاح كبير للسياسة السورية والإقرار الدولي بصوابية مواقفها، وبعد أن ثبت للجميع أن الثبات على الحق والمبدأ في وجه الغطرسة الأمريكية يعطي ثماراً طيبة وأن المثل السوري يحرج بعض المندلقين على سياسة أمريكا بعد وصول باراك أوباما لسدة الرئاسة، وجدنا أقلام إن لم نقل خناجر تطعن في المواقف السورية، وبعض أبواق تتناغم مع الدعاية الصهيونية فيما يخص حملة تخاض اليوم بشراسة من أجل زعزعة الثقة بالموقف السوري القومي والشجاع تجاه مواجهة إسرائيل ومخططات أمريكا في المنطقة، وقد كان من أبرز تجليات هذا الموقف المبدأي إعادة التأكيد على لسان السيد الرئيس بشار الأسد أمام رؤساء الدول الإسلامية بتركيا أن سورية ستبقى داعمة للمقاومة وأن هذا موقفها الذي تفاخر به وقوله في مؤتمر الأحزاب العربية أن المهمة الأبرز في الفترة اللاحقة هي تعميم نهج المقاومة وإسناد المقاومين.
المرجح أن تستمر سورية في نهجها وخطها الذي ثبت جدواه على غير صعيد وخصوصاً في السعي لصنع السلام والاستقرار في المنطقة على خلفية استراتيجيتها المبدأية الثابتة وبتكتيك محاصرة العدو ووضعه في موقف حرج دون أدنى إشارة لمرونة تتعلق بالتطبيع.
Zead51@hotmail.com