أرشيف - غير مصنف

بياعــــو الكذب

عبد النبي حجازي
في العشرين من تموز/يوليو1969هبطت المركبة الفضائية (أبوللو11) على سطح القمر تحمل رائد الفضاء آرمسترونغ فوطئ القمر ورفع العلم الأمريكي وتركه يرفرف فاضطرته الجاذبية أن يمشي على منعرجات بيضاء قاحلة قفزاً كالعصفور الدوري , ثم عبّأ كيساً من التراب والحجارة وقفل راجعاً .. وفوق الأرض انهال على العالم بقاراته الخمس ضجيج إعلامي جعل الناس يفغرون أفواههم أمام شاشات التلفزيون والرهبة تملأ قلوبهم .
في تلك الأيام كنت في مجلس بين عدد من الناس أبرزهم شاب ملتحٍ يعمل في التعليم ويحمل إجازة جامعية ، ورجل دين بلحية كثة بيضاء والكلام يدور بكثير من الدهشة والمهابة عن ذلك الحدث . كان الشيخ يهتز ويستنكر حتى بدا موقفه نشازاً لكنه عندما ضاق صدره وجه سؤالاً صارماً للمعلم الملتحي: ماذا تقول أنت , هل صحيح أن ذاك الأمريكي نزل على سطح القمر؟ قال المعلم : صحيح ياشيخي صحيح فانتفخت أوداج الشيخ وحملقت عيناه وهبّ واقفاً واتجه إلى القبلة قائلاً: “يشهد الله أنكم جميعاً كفرة مارقون” وغادر المجلس .
في التسعينات زرت مركز الفضاء بلوس انجلوس في أمريكا ورأيت الواقعة مجسدة ، ومازلت كلما التقيت بأحد ممن كانوا في ذاك المجلس نتندّر ببساطة الشيخ و(جهله) حتى منتصف هذا العام عندما اكتُشف أنها كانت تمثيلية محكمة أخرجها ستانلي كوبريك باستوديو (MGM) في بريطانيا بمصورين وفنيين من (CIA) وقّعوا جميعاً على تعهد بحفظ السر ، بيد أن أحد علماء الفضاء أمسك بخيط تلك الكذبة التي عاشت في الناس أربعين عاماً من رفرفة العلم في مكان ليس فيه هواء ، ثم توالت اعترافات من شاركوا بها.
يكذب الزوج على زوجنه وهو يعرف أنها تعرف لكنهما يتواطآن تلقائياً على الصمت إيثاراً للسلامة مثلما يتواطأ مؤيدو أمريكا وأتباعها على أكاذيبها . 
بدأت الحرب الباردة في العام 1945 بعد أن ألقت أمريكا قنبلتيها الذريتين على
هيروشيما وناغازاكي في اليابان ، وتحولت إلى حرب في الجاسوسية والإعلام ، وأخذ
 
الكذب الأمريكي يشكل ذرائع لطغيانها فقد غزت فييتنام في العام 1964 بحجة أن زورقاً فييتنامياً أطلق النار على بارجة أمريكية في خليج تونكين . لكنها في العام 1968 تلقت في فييتنام هزيمة كبرى ، وفي العام 1969خلال شهر نيسان/أبريل تلقت ضربتين, الأولى: فشلها بغزو كوبا في خليج الخنازير ، والثانية: إطلاق الاتحاد السوفياتي مركبة فضائية دارت حول الأرض تحمل رائد الفضاء يوري غاغارين . وعندما فاز ريتشارد نيكسون بمنصب الرئاسة في العام 1969 وحواليه كيسنجر ورامسفيلد وريتشارد هيلمز مدير المخابرات لم يجدوا مايرفعون به معنويات الشعب الأمريكي سوى (تمثيلية) آرمسترونغ . ومازالت الأكاذيب الأمريكية حتى غزو أفغانستان بحجة القضاء على القاعدة وطالبان؟ إلى غزو العراق وتدميره بحجة أسلحة الدمار الشامل …
في الولايات المتحدة نوعان من الرؤساء: رئيس يناطح حتى لو ضُرب بالحذاء مثل دبليوبوش ، ورئيس يبذل معسول الكلام وخلبيّ الوعود مثل باراك أوباما , والحاكم الحقيقي هو الشركات وفي مقدمتها شركات بيع الأسلحة .

زر الذهاب إلى الأعلى