أرشيف - غير مصنف
قمــــر عمــــان
بقلم : القاصة : عدلة الكوز
كما الصقر .. متأهب .. متحفز في إحدى السيارات التي تجوب شوارع العاصمة عمان .. كما يجوبه الحزن دائما خلف المقود .. بزيه العسكري .. فتي الملامح رغم بلوغه الخامسة والثلاثين من العمر .
يضحك كثيرا بل ويسخر من الزمن .. تحسب عليه السنوات هكذا بلا لون ولا ومعنى .. وأحيانا يبكي ..
وكيف لمتعب عمان أن يهدأ وقد غادرته السكينة منذ وقت طوبل .. عدنان .. ضابط وسيم .. يحافظ على الأمن وتتباهى به سيارات “النجدة” حين يداهم مواقع الشر ..
وهو بمن يتباهى .. وداخله قوافل من الحزن والتعب .. يسارع دائما باتجاه ” وادي الدير ” إلى تلك البقعة من “جرش” يشتم فيها عبق الأمومة ويلمس عظمة الأبوة .. لا ينتظره أحد سوى والده المقعد . بعد أحداث معركة الكرامة ..
وأمه الأصيلة من زمن العصايب .
وثروت .. رائحتها لا زالت في المكان .. تلك التي تنفست في صدره رعونة الصبايا … وجالت وصالت داخل مجال رجولته .. ونهلت من ربيع إنسانيته الشفافة حتى الثمالة .
ودعته مسافرة في طريق بلا عودة .. يدعوها للبقاء حتى اللحظة الأخيرة .
– كيف تطاوعك نفسك على الفراق .
– لا بد من ذلك .
– والزمن الذي عشناه معا .
– أترك الزمن لك وأرحل .
– إلى أين ؟!
– إلى زمن جديد ورجوله جديدة بلا ضجر .
عدنان – يا سيد أقمار عمان المتفانية في حمايتها وإنارة المظلم من زواياها انتحي جانبا .. وخذ نفسا عميقا .. وتهيأ لوقت قادم بلا خذلان …
يطير من “جرش” لا يطيق البقاء فيها .. ليوزع صرخة في سماء عمان .. كيف أزرع فيك الأمان يا عمان ؟ وأنا من تقاسمته الأيام وإرادة امرأة بلا رصيد من الحب والإخلاص ..؟ لم تخلف لي سوى هذا الضياع وهذه الضوضاء التي تحتل رأسي .
ينتحب .. ثم يمسح على شاربيه وقد أضاءت نفسه الطيبة تفاصيل وجهه الحزين .
خلف زيه العسكري الذي يهابه عامة الناس ويتطيرون من لقائه والاقتراب منه يختبئ عدنان الإنسان المجروح .. الجارح بكبرياء وعزة نفسه .
يمنح عمان الحب .. وهو من فقد الحب .. يجول جغرافيتها نهارا – ويعانقها ليلا يسامرها …
ويلملم بقاياه من جديد .. ويحاول دائما القبض على لحظات الفرح العابرة بإصرار شديد …
حتى كانت هذه اللحظة ..
الهاتف الجوال بين يديه ..
تنقر أصابعه على رقم ما .. يلهث ويلهث ..
ينصب في أذنيه صوت انثوي هامسا:-
– آلو .. آلو .. ينتفض .. يرتعش صارخا ..
– النجدة – النجدة