أرشيف - غير مصنف

الإحتفال بالمناسبات الوطنية بين الملهاة والمأساة والواقع

محمود عبد اللطيف قيسي
كم هي مناسبة سعيدة ذكرى استشهاد القائد الفلسطيني الرمز ياسر عرفات عند الفلسطينيين ، لأنهم فرحوا باختياره شهيدا ، خيارا لا يناله إلا الخلص من عباد الله ، ولأنهم علموا بمنزلته في الجنة التي لا يرثها إلا عباده الصالحين ، كما وتلمسها مناسبة حزينة عندهم لأنه تركهم قبل أن يكمل وعده لهم بإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس ، وما زال ينتظر وهو في لحده أن يأتي اليوم الذي يرفع به شبل من أشبال فلسطين أو زهرة من زهراتها علم فلسطين الوطني بألوانه ودلالاته ومعانيه فوق أسوار القدس ومآذن القدس وكنائس القدس ، كما وتلمسها حزينة عندهم ولسان حالهم يقول ما كانت الأفاعي والخفافيش والعث لتخرج من جحورها لتحاول التهام الحكاية الفلسطينية ووثيقة الاستقلال الفلسطيني وإعلان إقامة الدولة الفلسطينية ، وللدغ أو تشويه صور أبناء وقيادات وشعب حركة فتح ، وما كانت سواطير الهدم الراغبة بسرقة المال العام أو الرافضة لإنجازات غيرها أومحاولة التعتيم عليها لتتجرأ أن تنهش بجسد فتح ، كاللئام التي تلتهم قصعتها ثم تبصق فيه وعلى مضيفهم بعد انصرافهم ، أو كبخلاء الجاحظ الذين ما عاد همهم المرق بل كل منهم همه لحمته أوعظمته التي يربطها بخيط ويقول ، اللّهم لحمتي لحمتي ، اللهم عظمتي عظمتي .
وأينما كان الشعب الفلسطيني داخل الوطن أو خارجه ومعه جميع العرب وأحرار العالم فإنهم يحتفلون بهذه المناسبة فرحين برمزيته ونضاله ، ويحيون ذكراها إخلاصا ووفاء له ولقسمه ووعده ، وحزنا على مصيرهم الذي حشروا به حتى قبل استشهاده ، بعد أن وجدوا أنفسهم وحيدين يصارعون عدوا لدودا أمل قبل سنة 1948م بطردهم من فلسطين بعيدا إلى المنافي والشتات ، وبعد وفاته أمل بقفل الحكاية الفلسطينية والخروج منها بلافتات كتبت عليها بالخط واللهجة الفلسطينية العربية وحملها بعض ابناء الشعب الفلسطيني الأرعن الجاهل ( بأرادتنا اخترنا النهاية وقبلنا بها : دولة يهودية لدعاة اليهودية : أمارة ظلامية لدعاة الدين  جماعات وحزم فتحاوية متصارعة بعد غياب الختيار ،  ممالك متنافرة بالضفة الغربية الحكم فيها والبقاء للأقوى ، ولا للدولة الفلسطينية الواحدة الموحدة) .
وما أخاف ودفع للخوف من المستقبل السياسي الذي ينتظر الفلسطينيين ، مثال الإحتفال تحديدا الذي نظمه نادي الجليل في مخيم إربد بهذه الذكرى مساء الجمعة العظيمة 14 / 11 / 2009 م والذي يعتبر المثال السيء لغيرو أو كغيره في الساحات والأقاليم  غير المنسجم والمتعاون ، بعد أن خالف الله بين وجوه أهله والمنظمين ، حيث الجمهور بالخطين الأول والثاني وربما بالثالث هم من الحضور الجالس الراغب بسماع ما يطيق أوالمتمني أن لا يسمع ما لا يطيق ، وكل حسب موقفه أوالتزامه الممبرمج الذي ارتضاه تواقفا مع برنامجه أو معتقده ، مع أنّ غالبية الحضور هم من عوام الفلسطينين الذين أحبوا عرفات فأرادوا أن يسمعوا كلمة تذكرهم به وبمواقفه ، وتطمئنهم على مستقبل قضيتهم ، واللذين كانت قلوبهم تسمع دقاتها مع كل حركة أو جلبة بالصفوف الخلفية من الخيمة التي تتسع لو امتلئت عن آخرها لحوالي المئتين ، فقد كان الجميع متوترا قبل بداية الحفل وخلاله  لأنّ كل المؤشرات ومنذ البداية تشير وتؤكد أن الأوضاع بالخلف ستكون منفلتة ، ربما خوفا من أجندة خفية لمتسلل يريد شق الصف الوطني ، الذي هو بالأصل مفكك ومتصارع ، أو من آخر مستهتر يسعى لإثارة الفوضى والفتن ، أو آخر مرتزق يريد النباح والشتم والتخوين لفتح قادة وكوادر .
فالمفاجأة والمغضب أن تجد من بين جموع الحضور بالخلف مجموعتين متخاصمتين لا متكاملتين مع أنهما ترفعان الاعلام الصفراء الفتحاوية ، وهو ما أخاف أكثر أن تصل النهاية ألا ما لا تحمد عقباه وقد وصلت ، وقُهر الرائي أكثر وأكثر لأنه فشل برؤيتة الأيادي تتشابك وتكاتف وتسمع الناس الهتافات الوطنية لتعيد الأمل للأنفس الفلسطينية وحبها لماض تليد اشتاق الناس لمعايشته ، فالأولى الناظرة بشر وحقد للأخرى إن هتفت مثلا ( فتح ثورة حتى النصر ) ، تحاول أن تقاطعها الأخرى الحانقة على الأولى لتخرسها وتهتف مثلا ( العاصفة ثورة حتى النصر ) ، وما لفت الأنظار وقهر الأغلبية الصامتة من الحضور هو غصن الزيتون الأخضر الذي أهين من مجموعة طالبت بإسقاطه وتكسيره ، والبندقية التي تمرغت بالتراب فطالبت الآخرى بتركها ، وكلها التي كان يحملها عرفات بيديه بعزة وفخر وشموخ ، وهو الأصدق من تمثال الحرية الأمريكي الذي يحمل الشعلة بيد والدستور بالأخرى ، وما زال يجل ويحترم من الأمريكي قبل الفرنسي .
 وما أن  تقدم راعي الحفل عضو اللجنة المركزية لحركة فتح الأخ عزام الأحمد المتحدث اللبق والمستمع الجيد والمدافع عن أبناء فتح ممن بفتح وممن بغيرها ليقول كلمته بذكرى استشهاد القائد والرئيس الرمز ياسر عرفات ، حتى حدث هرج واقتتال بالأيادي ، إلا أنّ حنكته ومقدرته السياسية والخطابية ولحصوله على الاحترام الجماهيري ، أربكت المندسين وأقعدتهم مذهولين حتى نهاية خطبته العصماء الغنية بمادتها ومعانيها ومرتكزاتها ، ولكن وما إن انتهى من كلمته وبدأت فرقة فلسطينية تصدح بأول أغنية وطنية لها من ضمن وصلة غنائية كان مقررا لها تأديتها ، حتى رمى الطرفان الأعلام الفتحاوية وحملوا الكراسي وانهالوا على بعضهم ضربا وشتما وقدحا وتخوينا ، التهمة التي أتقن صناعتها الكثير الفاسد المتسلق المتشدق والمزاود المستهتر من أبناء الفلسطينيين عامة والمخيم خاصة ضد الآخر الفلسطيني ، وخاصة من قبل من هم بفتح ضد أبناء فتح الذين هو في غير صفهم أو على غير هديهم وخطاهم ، بدفع ووسوسة من أقطاب سلبت وضعها التنظيمي أو الجماهيري فهان علهيا الأخوة كما هانت عليهم فتح وفلسطين وأنفسهم ، فما جرى في ساحة إربد ومخيمها هو نموذج حي ومعبر عن الحال والإنحطاط الذي وصلت إليه ثقافة العيب الوطنية الفلسطينية ، ومؤشر صادق على تغير القيم والمفاهيم الوطنية حسب الهوى والحدث وقوة المال والتأثير له ، ولقوة الإعلام المفبرك المضلل ، ولكن النهاية قد لا يسدل عليها الستار قبل أن تتوضح حقيقتها ، التي صدحت أنّ لا هؤلاء ولا اؤلئك المتخاصمين المتجهزين للانقضاض على بعض ممن حملوا الأعلام الصفراء الفتحاوية هم  بفتح ، ولا جالبيهم ودافعيهم للفوضى هم من أبناء فتح ، وإلا لما انهالوا شتما وتخوينا للرئيس أبو مازن حتى وإن مدحوا الشهيد عرفات ، فقد نطقت الأعلام الصفراء بصوت فتح يوم لا يريد أن ينطق غيرها ، وأخبرت أنّ المشاغبين بأكثريتهم مدفوعين من أعداء فتح ومن أشخاص متسلقين اخترقوا فتح للتخريب والإساءة ، إلا أنّ الأغرب والمستغرب أنّ المنظمين اللذين أقنعوا أنفسهم وغيرهم أنّ لهم تنظيما سليما يسعى للرقي والنهوض بفتح توارى عن الوجود لأنه بالأصل غير موجود ، فكل منهم وكما هي العادة حشد أبيه وكان وأخواتها وأبناءه وإخوانه ، ويقول للمهتمين بأمر التنظيم من قادة فتح نحن وأنتم وفتح بخير هاكم هو تنظيم فتح يصفق ويزغرد ويهاهي وكل من سواه حضر أم لم يحضر فرح أن لم يفرح حزن أم لم يحزن خائن عميل مشبوه ، وهم إن كانوا فرحوا قليلا بإنجازهم الذي أساء للرئيس أبو مازن شخصيا ولراعي الحفل ، وأغضب عرفات الرمز الذي لم يقلل يوما من أهمية أبناء شعبه ولم يخون أحدا منهم ، وحتى إن امتعضوا من رافعي الأعلام الفتحاوية اللذين خذلوهم بعد ان اعتقدوا أنهم جاءوا لنجدتهم ، فوجئوا بالتأكيد كما راعي الحفل وكل الكادر الفتحاوي الزائر القادم من عمان وجوارها ، اللذين أيقنوا جميعا أن دنيا مخيم إربد السياسي والمسلكي وعقده الاجتماعي ليس بألف ألف خير ، تماما كما هي حقيقة أغلب الساحات والأقاليم المتنافسة المتخاصمة فيما بينها وبداخلها .
أما ما جرح وآذى ونشر الغم في القلوب المعمورة بحب فتح وفلسطين وطأطأ الرؤوس الشامخة المعتزة بقيادة عرفات وسلفه أبو مازن ، فهو الشتم والتخوين الذي طال سلف من نُظم الحفل لذكراه ، فمحاولة الفصل بين مرحلة قيادة عرفات ومرحلة قيادة أبو مازن إن جاء من أعداء فتح فهو واقع مستساغ مع أنه غير مقبول ، أما إن جاء من عناصر بفتح أو إن كانت من فتح فهو أمر غير مستساغ وغير مقبول ، سيان يبعثان الأسى والمرارة ويثيران الحزن والألم بالنفوس ، فمرحلة ما بعد استشهاد ياسر عرفات لا فاصل ولا حد يبعدها عن سابقتها ، إلا اللهم رفض ومحاولة انتقام من أعداء فتح للمرحلتين ، فيتباكوا على السابقة مع أنهم هاجموها وهاجموا قائدها الشهيد عرفات في حياته ، واعترفوا بوطنيته وقوميته ومدحوه بعد وفاته ، وهم يستهزؤا بالحالية إمتدادا لحالهم المتخبط ونفسياتهم المريضة ، فيهاجموا ويشتموا ويخونوا القائد إن شتمه غيرهم ، أو حسب قائد الجلسة وميوله ، مضافا لجموعة الكلاب الضالة الحاقدة المدفوعة من رؤوس الشياطين الخبيثة الماكرة التي تنظر كل الفرص للإساءة لفتح ، مجموعة المسيئين لها في هذه المرحلة من بعض أبناء فتح المتضررة بالرتب والراتب ، الذين ارتضوا أن يكونوا شوكا مسمما ينغرس في جسدها ، لا شوكا سلاحا نارا يحميها وينطلق لينغرس في أجسام أعدائها ، مرحلة عصيبة تحتاج لإعادة صياغة وتحليل ولقرارات شجاعة ولتوجيه إعلامي وثقافي ومعنوي جبار  ( وكما يقول المثل الفلسطيني وضع الأصبع فوق الجرح لوقف النزيف أسلم ، وربما اللجوء للآخر الأصعب الذي يقول الإصبع المدمل قطعه هو الأسلم ) فالدمامل في جسد فتح باتت كثيرة ، ويجب أن لا يستهان بها أو تركها دون علاج أو قطع ، لأنها ستكبر وتتقرح كما كرة الثلج المتسخة بالعوالق ، وقد تصل لمرحلة السرطان الذي لا علاج له ولا شفاء منه ، مرحلة يتمنى كل أعداء فتح رؤيتها تعاني آلامها وتحتضر ، لكنها مرحلة لا يتمنى كل المخلصين الطيبين أن يروا فتح تمر بها أوتصل إليها .
وفي اليوم التالي كان الحدث التصادمي الذي ختم به الحفل الشغل الشاغل والحديث المتواصل لأبناء المخيم ، اللذين وإن أساءهم الحدث لم يتفاجئوا به لمعرفتهم بمدى الإنحطاط الذي وصلت إليه ثقافة العيب الوطنية فيه التي تجذرت ، ومدى الانحطاط بالعلاقات الوطنية وتأزمها بين أبناءه التي انبلجت سوءا ، فالحالة التنظيمية المصطنعة وغير الحقيقية الجديدة بدأت من حيث انتهت سابقتها الضبابية بأخطائها  بل أشد منها تفكيكا ودفعا بالعقد الاجتماعي الشعبي والتنظيمي للتراخي ، واستخفافا بالانسان الفلسطيني وكرامته ووطنيته ، لأن من أخطئوا ممن مرضوا وشاخوا ومعهم حقدهم الذي استصعى حله ولم يتوبوا ، استحضروا أشباها مستنسخة ظلوا أمتدادا لهم بالطريقة والخط والهدف .
 اما الأكثر غرابة فهو النقاش الخاص بعد المأساة بين المتلحفين بفتح ممن قتلوا كل عطاء أو مشاركة لغيرهم مع راعي الحفل الأخ عزام الأحمد ، حول ما تمخض الإحتفال عنه من مآساة وجرح ، حيث رمي التهم جزافا أو ربما حقيقة على أشخاص بفتح على صراع معها واتهامها بالوقوف وراء الفوضى ، الوضع الذي لو صح سيكون السؤال المشروع المطروح منذ سنوات جوفاء ، أين التنظيم الذي ذهب البعض منهم للمؤتمر على اساس وجوده ؟؟؟، ولماذا الإصرار على الأخطاء والإرتكاز على قاعدة أنا الشريف الوحيد بينكم ؟؟؟ لماذا لا ينصلح حال الأخوة لتنصلح الأفعال والأحوال ؟؟؟ ، ولماذا لا ينتهي عصر الفساد والأنانية والكذب والاستهتار بسمعة الآخرين الوطنية استسلاما لمرض النرجسية والشهرة ، ولماذا لا يدفن قول لويس التاسع عشر مع جسده القائل ( أنا الدولة الدولة أنا ) فقال الأجوف المريض ومن استنسخه وعلى شاكلته  وعلى ذات القاعدة ( أنا فتح وفتح أنا ، وكل من لا يمر من تحت إبطي خائن عميل ) ، شعار ألزم زبانيته الذين يستحضربصورهم وشخوصهم  شبابه الفاشل الخائب للعمل به .   
وبالطريق صادفت عجوزا إقترب من الثمانين ، خبر الحياة وعاصر ذهبية فتح قال بحسرة  بعد حضوره الحفل المأساة ، نحن بعصر بات الحليم فيه حيرانا ، فالقدس تحترق والعرب نائمون ،  والأقصى موشك على ينهدم بسبب الحفريات اليهودية من تحته وهم غافلين عنه ويتصدى بعضهم لبعض ، والمستوطنات تأكل الأخضر واليابس والأبناء يتقاتلون ويخونون بعضهم البعض ويشتمون ويلعنون أنفسهم وغيرهم ، وإسرائيل ستدمر كل شيء والكل جميعا ملتهون   ولا أدري ماذا بعد ؟؟؟  
 

زر الذهاب إلى الأعلى