أرشيف - غير مصنف
الحكومة العراقية تتخلـّى عن اللاجئين وتنفق فقط 22 مليون دولار من أصل مليارات الدولارات تنفقها (دول متبرّعة)!
يرى رئيس “شعبة العراق” في وكالة اللاجئين الدولية أنّ من المهم لحكومة العراق، وللدول “المتبرّعة والمعنية والمضيّفة ومستقبلة اللاجئين” في المجتمع الدولي، أن لا تظن أو تفكر أن “وضع اللاجئين” العراقيين المنفيين بسبب النزاعات في بلدهم، قد انتهى. وحذر مسؤولو “شؤون اللاجئين” في الأمم المتحدة، وفي الخارجية الأميركية من أن “موجة نزوح” جديدة تنتظرهم، إذا ما تدهورت أحوال الوضع الأمني في العراق قبل الانتخابات البرلمانية وفي أعقابها. ويشير تقرير نشرته صحيفة أميركية الى أن أزمة ملايين اللاجئين العراقيين “تشتدّ”، ويمكن أن يهدد انفجارها لأسباب كثيرة، بنشوب أزمة خطيرة في منطقة الشرق الأوسط. وكشف التقرير عن مآس متعددة في جوانب حياة ملايين اللاجئين في سوريا ولبنان والأردن وغيرها من دول المنطقة، مؤكداً أن “الدعارة” و”عمل الأطفال” و”الزواج بالإكراه” هي أعنف مظاهر مآسي اللاجئين في هذه الدول. وأوضح تقرير الصحيفة الأميركية المسند بشهادات مسؤولين كبار في الأمم المتحدة والخارجية الأميركية، أن الحكومة العراقية، إذ تنفق فقط 22 مليون دولار من أصل مليارات الدولارات، تنفقها الدول المضيفة، والمتبرّعة، والمنظمات الإنسانية، إنما تتخلى عن اللاجئين الذين لم يغادروا بلدهم بمحض إرادتهم، إنما بدوافع النزاعات الطائفية والإثنية والأيديولوجية، وأيضا بسبب استمرار الأزمة الأمنية، وتواصل سياسات التمييز الطائفي، وعدم قدرة الحكومة العراقية على توفير فرص العمل لملايين العاطلين عن العمل. بعد أكثر من ست سنوات على غزو العراق، لايزال هناك اكثر من مليوني لاجىء مقيمين في الدول المجاورة، وقد زادت المخاوف، من أن الدعم الدولي للاجئين العراقيين بدأ بالتلاشي، الأمر الذي يهدد بعدم استقرار إقليمي طويل الأمد. وفي هذا الأسبوع قام مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون اللاجئين والهجرة أريك شوارتز، بجولته الإقليمية الأولى منذ تسلمه منصبه في شهر تموز الماضي، وعرض تقييمات متجهمة حينما كان في دمشق. وقال شوارتز في لقاء أجرته معه صحيفة الكريستيان ساينس مونيتور: ((هذه لحظة حاسمة وأنا قلق بعمق بسبب عدم التجاوب الكافي والملائم مع نداءات الأمم المتحدة بتقديم مساعدات إنسانية الى العراقيين)).ولسنة 2010، فان وكالة اللاجئين التابعة للأمم المتحدة في سورية-حيث يوجدأكثر من مليون لاجىء عراقي مسجّل- تحتاج الى ميزانية عملياتية مقدارها 166 مليون دولار، وقد ضمنت الوكالة فقط مبلغ 55 مليون دولار كهبات دولية وهذا المبلغ انخفض عن أصل 83 مليون دولار في سنة 2009. والقصة هي ذاتها في أماكن أخرى في المنطقة العربية. وتقريبا فان كل الدعم للاجئين تم توجيهه من خلال وكالة الأمم المتحدة للاجئين. ويبدي المراقبون قلقهم من أن انخفاض المساعدات يمكن أن يتسبب في إشعال الكثير من المشاكل الاقتصادية والاجتماعية، والتشدد والعنف بين مجموعات اللاجئين. وقال أحد الدبلوماسيين الغربيين في سورية بشرط عدم الإفصاح عن شخصيته: ((يريد المجتمع الدولي الاعتقاد بان الأمور تتحسن في العراق، وبسبب عدم وضوح ذلك، يبدي اهتماما اقل باللاجئين خارج العراق)). وحتى مع الكلام عن أنّ عودة الاستقرار الى العراق يجد له صدى دوليا، فان اكثر من ألف لاجيء جديد يستمرون في التسجيل مع وكالة اللاجئين التابعة للأمم المتحدة في المنطقة شهريا،وتقريبا يقل عدد اللاجئين الذين يعودون الى العراق أو الذين يعودون الى الاستقرار في بلد ثالث. ومع قرب الانتخابات الوطنية العراقية التي ستجرى في كانون الثاني المقبل فان احتمالات تجدد عدم الاستقرار في العراق يمكن أن “تخلق” زيادة جديدة في أعداد اللاجئين الى الخارج.وفي مقر قيادة وكالة اللاجئين في دمشق ، تستمر في تجميع طلبات الساعين للحصول على المساعدة، ويقول أبو علي الذي وصل الى سورية من بغداد قبل ثلاثة اشهر هاربا من العنف الطائفي: ((لا أملك شيئا واحتاج حقيقة الى المساعدة، ويجب أن أعيش، انهم يقولون بان هناك أمنا، ولكن على الأرض القصة مختلفة فلا زالوا يقتلون على الهوية)). ومثل الكثير من اللاجئين المبعثرين في المنطقة العربية -الغالبية منهم في سورية والأردن- فان أبا علي لا حول له ويبدي قلقا متزايدا من التزاماته، وهو ممنوع من السلطات المحلية في السعي الى الحصول على العمل وغير راغب في العودة الى الوطن بسبب استمرار العنف، وتدعم وكالة اللاجئين التابعة للأمم المتحدة أساسيات حياته فقط، كما يقول أبو علي الذي رفض تقديم اسمه الكامل. ولكن وكالة اللاجئين تقول بان الاهتمام والتمويل الدولي للدعم يبتعد عن المشكلة، ويتركها غير قادرة على التعامل مع احتياجات اللاجئين المتخلفين. ويقول أندروز هاربر رئيس وكالة اللاجئين – وحدة العراق: ((الحقيقة إن هناك تاريخا منقضيا في وقت حاسم، ولكن الناس يجب أن لا يفكروا بان وضع اللاجئين قد انتهى)).واستنادا الى السيد هاربر فان زيادة الإفقار للعديد من اللاجئين بعد حوالي الخمس سنوات يعيشون فيها ببلد لا يسمح لهم قانونيا بالعمل يجعل احتياجاتهم ضاغطة اكثر عن ذي قبل ، والعديد يعتمدون على الطعام والأموال المقدمة لهم وهي الان يتم تقليلها بسبب القصور في الميزانية. وفي سورية والأردن ولبنان ، فان الحكايات عن الدعارة وعمل الأطفال والزواج بالإكراه منتشرة بصورة واسعة إذ يسعى اللاجئون بفقدان الأمل إلى الخروج من أزمتهم . وتقول الحكومتان السورية والأردنية إن اللاجئين الذين يحصلون على علاج طبي وتعليم مجاني، يكلّفونهما اكثر من مليار دولار واشتكوا من محدودية الدعم الدولي، وتشارك بغداد فقط بمبلغ 15 مليون دولار الى سورية وسبعة ملايين الى الأردن.ويقول السيد شوارتز: في هذا الوقت، فإنه يعود للدول الأوروبية للمضي قدما الان والاشتراك في تحمل عبء اللاجئين من خلال الدعم المالي الأكبر والإرادة بقبول المزيد من اللاجئين. وتبقى الولايات المتحدة الدولة المنفردة بتقديم اكبر دعم مالي لعمليات وكالة اللاجئين التابعة للأمم المتحدة والمتعلقة بالعراق، وشاركت بـ 80 % من ميزانية سنة 2009. ودول مثل سورية والأردن هي بشكل اعتيادي موطن للمئات من الآلاف من اللاجئين الفلسطينيين وتمر بتحديات اجتماعية واقتصادية، وتقولان بأنهما غير راغبتين بإقامة طويلة الأمد وتمنعان النشاطات التي تؤدي الى التكامل.ولكن في الوقت الذي فيه حالات تتعلق بعراقيين تم إخراجهم من دول مضيفة، فان أياً منها لم تعرض إخراجا كليا للاجئين يتم عن قريب، واوضح الرئيس السوري بشار الأسد أثناء المشاحنة الأخيرة بين بغداد ودمشق بان الاختلافات السياسية لن تؤثر على مصير العراقيين الذين يعيشون في سورية. وفرص اعادة التسكين هي أيضا محدودة جدا، وتمثل قطرة في بحر من المجموع الكلي. وفقد تم اعادة تسكين 33 ألف عراقي منذ سنة 2007، والعديد منهم في الولايات المتحدة . وبالنتيجة، فان شوارتز ووكالة اللاجئين التابعة للأمم المتحدة ووكالات دولية أخرى تعمل مع اللاجئين، وكلها تتفق بان عودة العراقيين الى وطنهم العراق، هو الحل الوحيد الحقيقي للمشكلة، ولكنهم يقولون بأنه ليس هناك مسألة إجبار اللاجئين على العودة الى أن تتحسن الظروف في العراق .
وخلال السنة الماضية، بدأت أعداد صغيرة بالعودة الى وطنهم العراق على أعتاب التحسن الأمني وتقول بغداد اليوم إن الظروف ملائمة للعودة، وأعلنت في هذا الأسبوع زيادة 250 % في ميزانية مساعدة اللاجئين الذين يعودون الى مكانهم وتقول إنها سوف تعيّن منسقاً لتسهيل العملية. مع ذلك-بحسب الكريستيان ساينس مونيتور-فان أغلبية اللاجئين يقولون إن الظروف لم تتحسن في العراق الى الان بما هو كاف لتأمين عودتهم وبأنهم يفضلون البقاء كلاجئين في الخارج. ويقول مزهر الذي هرب قبل ثلاث سنوات بعد تعرضه للخطف واطلاق النار ويعيش اليوم ويعيل عائلته في دمشق بالعمل بصورة غير قانونية: ((لا تعتقدوا باني سأعود إذا استطعت، ولكن أين الأمن؟)).