هل هي الوجه الأخر للديمقراطية أم الوجه الأخر للديكتاتورية
هانيبال
هذا سؤال مسكون بالسؤال وكل سؤال مسكون بالسؤال سؤال حي ، والإجابة على هذا السؤال مسكونة بالسؤال وكل إجابة مسكونة بالسؤال إجابة حية ، والإجابة هنا تتوقف على أهداف الانتخابات ومعايير الانتخابات ونزاهة الانتخابات ، فإذا كانت أهداف الانتخابات هي التعبير عن مبدأ الشعب هو مصدر السلطات ، وحق الشعب في اختيار الحكام ، وتسوية الخلافات والاختلافات ، وتوفير المشروعية السياسية أو تجديد المشروعية السياسية للحكام ، ومحاسبة الحكام ، وإذا كانت المعايير الانتخابية تقوم على احترام مبدأ حكم القانون ، ومبدأ التنافسية في إطار القانون ، ومبدأ حرية المعرفة والإعلام والاجتماع ، ومبدأ حرية تشكيل الأحزاب السياسية المستقلة عن سلطة الحكومة ، وإذا كانت نزاهة الانتخابات تقوم على حق الناخبين في الاقتراع العام ، وعلى تسجيل الناخبين بشفافية ، وعلى الحياد السياسي للقائمين على الانتخابات ، وعلى قانون انتخابي عادل وفعال ، وعلى احترام دورية الانتخابات ، إذا كانت الانتخابات تسير وفق هذه المعادلة نظريا وسلوكيا فهي سوف تكون الوجه الأخر للديمقراطية ولكن إذا كانت الانتخابات لا تسير وفق هذه المعادلة نظريا وسلوكيا ، أو إذا كانت تسير وفق هذه المعادلة نظريا وعكس هذه المعادلة سلوكيا فهي سوف تكون الوجه الأخر للديكتاتورية ، وللأسف نحن نسير وفق هذه المعادلة نظريا وعكس هذه المعادلة سلوكيا بسبب أنانية الطبقة السياسية الفلسطينية وعدم إيمانها بالرأي الأخر وحقوق الإنسان والديمقراطية في اى شكل من أشكالها ، وقد عرفت الإنسانية خلال مسيرتها التاريخية ثلاثة أنواع من الديمقراطية ، الديمقراطية المباشرة وقد ظهرت لأول مرة في أثينا في القرن الخامس قبل الميلاد وتعني حكم الشعب نفسه بنفسه بشكل مباشر ، ولكن ونظرا لصعوبة تطبيق هذا النموذج من الديمقراطية ، ولأن تطبيقه يتطلب درجة عالية من الوعي لذلك لا يطبق إلا في بعض الكانتونات السويسرية وبعض الولايات الأميركية وخاصة من خلال المبادرة الشعبية والاستفتاء الاختياري ، والشكل الثاني من أشكال الديمقراطية هو الديمقراطية شبه المباشرة ، وهو نظام وسط بين الديمقراطية المباشرة ( النقية ) والديمقراطية البرلمانية ( التمثيلية ) لأن الشعب في هذا الشكل من الديمقراطية ينتخب برلمان يمارس السلطة التشريعية نيابة عن الشعب صاحب السلطة وباسمه ، ولكن الشعب في هذا الشكل الديمقراطي يحتفظ لنفسه بحق ممارسة السلطة في حدود ينص عليها الدستور ، وذلك من خلال الاستفتاء لمعرفة رأي المواطنين الذين يتمتعون بحق الانتخاب من قضية معينة قبل البت فيها ، والاقتراح الشعبي في تشريع قانون جديد أو تعديل أو إلغاء قانون سابق ، والاعتراض الشعبي على اى قانون صادر من البرلمان خلال فترة زمنية وعلى أن يصل عدد المعترضين الى الحد الذي يحدده الدستور ، والحل الشعبي وهو حق الناخبين في حل البرلمان على أن يصل العدد الى الحد الذي يحدده الدستور ، وعزل نائب أو عدد من النواب أو رئيس الجمهورية قبل انتهاء مدة رئاسته ، والشكل الثالث من الديمقراطية هو الديمقراطية التمثيلية ( البرلمانية ) وهو نظام يعني أن يقوم الشعب باختيار حكامه وتفويضهم بممارسة السلطة نيابة عنه لفترة زمنية معينة ، ولكن السؤال الذ يطرح نفسه ألان هو
هل وجود انتخابات في بلد اى بلد دليل على ديمقراطية هذا البلد ؟
هذا سؤال كنت انتظر الإجابة عنه من منتدى غزة للدراسات السياسية والإستراتيجية الثاني الذي نظمه مركز التخطيط الفلسطيني بالتعاون مع مؤسسة فريدريش الألمانية في غزة في صالة المتحف على شاطئ بحر غزة في 24/11/ 2009 ولكن انتظار ذلك وفي مناخ كهذا كان فوق ما يحتمل الخيال لأنه انتظار يلامس حدود الحرام ، لأنه من الحرام أن تتحدث عن الديمقراطية في صالة خمس نجوم ولكل مقام مقال ، وهذا حديث لا يجب أن يكون في صالة خمس نجوم لأنه يخدش حياء النجوم ، ولأنه يتجاوز المكان وحدود المكان والمكان يفرض تفكير معين وسلوك معين ، والحديث في هكذا موضوع في صالة خمس نجوم يعني حقد طبقي لا يقبله الكبار ولا يجب أن نستفز الكبار، ولذلك لم يسقط هذا الحديث سهوا من مداخلات مؤسسة فريدريش ولا من مداخلات منتدى غزة ولا من مداخلات مركز التخطيط ولا من مداخلات المحاضرين ، لأن الحديث عن الانتخابات لا يمكن أن يستقيم بدون الحديث عن الانتخابات التي سبقتها ، والسياقات التي سوف تأتي في سياقها هذه الانتخابات ، وهم جميعا لا يريدون أن ينكئوا الجراح لأن الجراح كبيرة والفتق اكبر من الرتق ، ولأن هذه الانتخابات لو قدر لها أن تجري فسوف تكون ابن شرعي لأزمة سياسية تمتد في الزمان والمكان ، وقد بلغت ذروتها في الحسم العسكري في حزيران 2007 الذي كان نتيجة طبيعية ومنطقية لضعف الحركة الوطنية الفلسطينية والأحزاب والفصائل والمجتمع وأسلو والفساد السياسي والمالي والإداري ، وأدى الى إبراز ملامح طبقة سياسية إسلامية في غزة وانحسار الطبقة السياسية السابقة في الضفة الغربية ، وإفراز منظمات سياسية متناثرة وغير متجانسة ولا تحكمها منظومة فكرية أو رؤى سياسية ، ولذلك وفي هكذا مناخ ربما يحتاج الرحم الدستوري الفلسطيني الى تدخل علماء الجينات لتوليد نظام سياسي لا يحمل مورثات المجتمع السياسي السابق أو مورثات المجتمع السياسي الحالي ، حتى لا تكون الانتخابات القادمة إذا ما تمت تجليا من تجليات الأزمة والتزوير وتكريس الانقسام والصراع بين تيارين احدهما ينظر الى ما حدث في حزيران على انه حركة تصحيحية وحسم عسكري وخطوة موفقة لإنقاذ البلاد من وضع خطير ، والأخر ينظر الى ما حدث في حزيران على انه انقلاب على الشرعية الدستورية ، وبغض النظر عن صواب أو خطأ أي من الرأيين فقد كشف ما حدث في حزيران وما سبقه من تطورات أدت إليه وما يحدث ألان وما سوف يحدث بعد الانتخابات إذا ما تمت عن عجز الطبقة السياسية والأحزاب والفصائل والمجتمع في التعاطي مع الأزمة السياسية ومعالجتها ، والى ضعف رسوخ الهوية الوطنية لدى الطبقة السياسية ، والترحال السياسي المتواصل ، وتراجع دور الأحزاب والفصائل لصالح ظاهرة المبادرات التي شوهت المشهد السياسي وحولته الى مظاهر فلكلورية مناسباتية ، وحتى وصل الأمر الى أن يلقى الملف الفلسطيني في أيدي رجال المخابرات العربية ، وان تعين المخابرات العربية ما يسمى بالمستقلين الفلسطينيين في مؤتمرات الحوار الفلسطينية ، وأخيرا يخرج علينا السيد صائب عريقات بعد ثمانية عشر سنة من المفاوضات ويقول لنا لقد فشلت المفاوضات ، هكذا وبهذه البساطة تقول فشلت المفاوضات ، نحن يا سيدي لا نهتم كثيرا بالمعيار النظري في الاعتراف في الفشل ، ولكن ما يهمنا هو المعيار العملي ، والمعيار العملي في الاعتراف بالفشل هو استقالت كل الطبقة السياسية التي كانت تدير هذه المفاوضات الفاشلة التي كلفت شعبنا ارض وقدس وجدار ودم وكيان ، وأن تضع نفسها في تصرف الشعب ، وهذه هي الديمقراطية أن كنتم حقا حريصون على الديمقراطية كما تدعون .