أرشيف - غير مصنف

الفساد وتجارة الأطفال العراقيين في الإمارات .. مؤشر السقوط السريع للدولة!

خبر بيع الأطفال العراقيين انطلاقا من دولة الإمارات العربية المتحدة، وتسويقهم الى دول الخليج العربي ودول العالم، شكّل نكسة بكل المقاييس لمفهوم النهضة الاقتصادية الذي تعمل الدولة الخليجية على جعله المبدأ الأساس لخصوصيتها ما بين دول الخليج العربي خاصة.
 
فقد عبّرت الإمارات، سياسة وثقافة ونخباً، على أن جوهر قيام الدولة يقوم على تفعيل أقصى للنشاط الاقتصادي. وحدث بالفعل هذا التفعيل، وتحولت دبي إلى عاصمة اقتصادية عالمية. إلا أن وقوع هذا المبدأ في الفساد، وعلى أكبر المستويات، يجعل، منطقيا، قيام الدولة مهددا بالسقوط، كأول دولة خليجية معرضة للتفكك والانهيار.
 
واللافت أن خبر بيع الأطفال تم إعلانه من قِبل جهات مسؤولة في الدولة. ذلك أن التقارير الدولية كانت قد سُلّمت الى الجهات المعنية بالأمر، بحيث يصبح التكتم على هذا الخبر ضربا من الوهم غير المفضي الى أية نتيجة. فقد قامت السيدة عفراء البسطي، وهي مسؤولة في مؤسسة خيرية إماراتية، بتأكيد خبر بيع الأطفال العراقيين انطلاقا من الإمارات، وأنه تم ضبط قضايا محددة بالفعل.
 
وعلى الرغم من محاولة البسطي التخفيف من حدة هذه الظاهرة، عبر إشارتها أن الأطفال العراقيين قد تم بيعهم أصلا على أراضي الجمهورية العربية السورية، وجلبهم بأوراق مزورة الى الإمارات، إلا أنها لم تستطع إخفاء أن المشترين موجودون على الأراضي الإماراتية، وقد اشتروا بالفعل أطفالا عراقيين، وقد تم بيعهم مرة ثالثة داخل الدولة، ومرة رابعة خارج الدولة، هكذا الى ما لا نهاية.
 
وتكشف هذه الحادثة هشاشة القوانين المعمول بها داخل الدولة العربية الخليجية التي تطبق إجراءات صارمة على دخول وخروج المواطنين والمقيمين، وتحديدا العمالة. فكيف يمكن أن يتم استقبال أطفال بدون آبائهم؟ وكيف يمكن أن يتم تأمين موافقات إقامة طبقا لأوراق مزورة، كانت تفشل دائما في السابق.. فما الذي جرى ليتم قبول الأوراق المزورة هذه المرة؟
 
الإجابة يختصرها خبير قانوني خليجي بأن سهولة دخول الأطفال العراقيين الى الدولة، لم يكن ليتم لولا تواطؤ جهات نافذة في أمن الحدود؛ لأنها المولجة بالتحقق من هوية الداخلين العرب بالدرجة الأولى. خصوصا أن الإمارات ترحّل في هذه الفترة كثيرا من المقيمين العرب لعلمها الدقيق بحيثياتهم المناطقية والطائفية. فكيف يمكن للجهة العارفة بتلك التفاصيل أن تُدخِل الأطفال دون تحققٍ من أصولهم الأسرية المباشرة كالأب والأم؟ ولو كان هذا الكلام ممكنا لامتلأت الدولة بأعداد غفيرة من المقيمين المزوّرين. يضيف المصدر بأن الأمن القادر على معرفة قاتل سوزان تميم قبل أن يبرد دم الضحية، يجب أن يكون قادرا على منع بيع الأطفال العراقيين من أراضيه!
 
حادثة ثانية يتم التطرق اليها كثيرا في وسائل الإعلام، وأيضا في ما يمت بصلة الى الشأن الاقتصادي في الدولة الطموحة؛ الإمارات. وهي حادثة شركة “تعمير” للاستثمارات التي تغرق الآن في قضايا فساد عالمية، وصلت الى حد قيام أحمد الراجحي، شريك في الشركة، بتقديم بلاغ ضد عمر عايش، شريك آخر في الشركة، بجُرم الاختلاس وخيانة الأمانة في الإمارات والأردن.
 
مسألة العمالة في الإمارات العربية المتحدة تأخذ حيزا كبيرا من النشاط الاقتصادي في ذلك البلد. وعلى الرغم من أن التنمية الاقتصادية هناك تحقق قفزات اقتصادية ضخمة على كل المستويات، إلا أن الوضع القانوني للعمالة الآسيوية هناك في أسوأ حالاته. وهذا يتناقض مع ما تحقق من مكاسب مالية عالية تفترض في الحد الأدنى تحسين ظروف العمالة وزيادة دخلها. إلا أننا رأينا النقيض، فقد قامت العمالة الآسيوية في الفترة الأخيرة بعدد من المظاهرات الاحتجاجية ضد ظروف العمل؛ راغبة بتحسينها وزيادة دخلها.
 
وأدت بعض هذه التظاهرات الى أعمال شغب أساءت الى صورة الدولة، ودفعت بكثير من المنظمات الدولية المعنية بشؤون حقوق الإنسان، إلى توجيه انتقادات حادة إلى السلطات الإماراتية التي تمتنع عن تحسين ظروف العمل، وكذلك لا تعمل على رفع الأجور برغم ارتفاع الأسعار.
 
حوادث تظاهرات العمالة الآسيوية في الإمارات تكشف جانبا مضمَرا من الفساد في الدولة. وهو الفساد الإداري والقانوني. إذ يتبين أن أغلب المؤسسات الاقتصادية في ذلك البلد حققت ريعية عالية جدا، من كل المشاريع التي قامت على أراضي الدولة في العقد الأخير، بالأخص. وبرغم ذلك لم تقم الشؤون القانونية والإدراية بالعمل على تحسين ظرف العاملين، أو منحهم علاوات تتساوى مع قيمة الريعية العالية. وهو حق طبيعي تلجأ الى منحه المؤسسات الاقتصادية الكبرى تشجيعا أو تحفيزا.
 
إلى هنا، فإذا كان مبدأ قيام واستمرار مفهوم الدولة في الإمارات العربية المتحدة، يقوم على مبدأ الاقتصاد والاستثمار، فإن العبث بهذا المفهوم عبثٌ بقيام الدولة نفسها. ما يشي بتعرضها– إذ يتعرض أساسُها للتفكك– للتفكك والانهيار وانعدام أسباب الوجود.
 
ولهذا الأمر خطورته المضاعفة، خصوصا أن الإمارات تعاني من وجود أراض لها محتلة من قبل إيران، وكذلك الأطماع الإيرانية المتصاعدة في ذلك البلد. فإذا لم تتخذ السلطات هناك إجراءات قوية وحاسمة وسريعة؛ فإن ما كان يسمى “الإمارات العربية المتحدة” سوف يصبح الإمارات العربية المحتلة قريباً.
 
إلا أن أكثر نقطة في ما يتعلق بموضوع الفساد في الإمارات، هو موضوع الفساد السياسي، من جهة ما. إذ يستغرب المراقبون كيف تقلق الدولة الإماراتية من حدودها مع السعودية مطالبة ببعض أراض تدّعي ملكيتها، وفي الوقت نفسه تترك الإمارات جزرها محتلة بيد الجانب الإيراني؟!
 
سؤال حيّر المراقب السياسي العربي، خصوصا أن جزر الإمارات محتلة من قبل الإيرانيين، إلا أن الحدود التي تتحدث عنها الإمارات مع السعودية، هي مجرد تنازع قانوني ذي صبغة تاريخية وجغرافية.
 

زر الذهاب إلى الأعلى