أرشيف - غير مصنف

الميليشيات تعود الى البصرة ثانية للانتقام ممن ساعد على (طردها) أو تعاون مع البريطانيين

عادت الميليشيات – التي كانت قد هربت الى إيران، وأماكن أخرى داخل العراق- إلى الظهور ثانية في مدينة البصرة. وثمة مؤشرات على أنها عادت من أجل الانتقام ممن حاربها أو ساعد على “طردها” أو تعاون مع البريطانيين. ومنذ شهور سُجّلت مؤشرات عديدة على تنفيذ عمليات “قتل سياسي” لم يعلن عنها، فيما يقوم مسلحون على دراجات نارية بفتح النار ضد “أشخاص بعينهم” خاصة أولئك الذي عملوا مع القوات البريطانية. وتزداد مخاوف الأقليات الدينية والطائفية في البصرة بعد أن هوجم العديد من أفرادها، ولاسيما محلات المشروبات الكحولية. ويؤكد محللون سياسيون في البصرة أن التخوفات تشتدّ بعد أن يعود من يساعدها” الى السلطة الذي سيوفر الحماية حتماً لميليشياته من جهة،ومن جهة أخرى فإن الكثيرين في البصرة يؤكدون أن الشرطة المحلية مخترقة من قبل الميليشيات، وعندما أوقف باسم راضي – حسب أوليفر أوغست مراسل صحيفة تايمز في البصرة- سيارته أمام إشارات المرور الضوئية، لاحظ أن دراجة بخارية يعتلي متنها رجلان، كانت تتعقّبه. وفجأة، استدارت الدراجة، فشعر باسم أن ثمة خطراً يحيق به، وحاول الابتعاد قدر الإمكان، لكنه قبل أن يستطيع فعل شيء، وجد أن الرجل الثاني الذي كان على متن الدراجة قد سحب بندقيته من تحت سُترته، وأطلق النار، نفذت الإطلاقة من الزجاجة الأمامية لسيارة باسم راضي، وكانت قد أخطأته بمسافة لا تكاد تُرى. ولما أسرع بالابتعاد من السيارة، كانت رصاصة ثانية قد أطلقت، لكنّها أخطأت السيارة برمتها هذه المرة. وباسم مترجم سابق للقوات البريطانية في العراق. وهذا الأمر بحد ذاته، يجعل حياته مهدّدة بخطر الميليشيات التي كانت ذات يوم تفرض سطوتها على مدينة البصرة الجنوبية، ويبدو الآن – طبقاً لوصف أوليفر- أن عناصر الميليشيات قد عادت الى المدينة. وقبل سنة مضت، كان الجنود العراقيون، تدعمهم القوات الأميركية، قد حققوا الأمن والاستقرار في مدينة البصرة من خلال قمع الميليشيات عبر مواجهة عسكرية ضخمة، اضطرتهم للهرب باتجاه الحدود الإيرانية في إطار عملية سُميت (صولة الفرسان). وطبقاً للتخمينات المحلية، فإن حوالي نصف أعداد الميليشيات قد عاد إلى المدينة. وبرغم أنهم لم يصبحوا حتى الآن نشطين كما كانوا من قبل، إلا أن عناصر الميليشيات، تحاول الآن تنفيذ عمليات انتقام مباشرة بتصفية المواطنين الذين تعاونوا مع القوات البريطانية. وأكثر الفئات التي تواجه مثل هذه المخاطر هم المترجمون، طبقاً لقول باسم راضي (31 سنة، متزوج وله أطفال)، والذي يؤكد أنه رافق الجنود البريطانيين في مهمات خطرة، لكنّ طلب لجوئه الى المملكة المتحدة قد رفض في نهاية عمله مع القوات البريطانية. وكان باسم قد عمل مع 9 مترجمين آخرين، قتل منهم 7. وأوضح قوله: “أنا مريض بالسرطان، وبسبب عودة الميليشيات، فإن عائلتي تنتظر موتي في أية لحظة”. وأضاف قوله:”لقد قرأتُ تقارير عديدة في وسائل الإعلام، تشير الى أن البصرة مدينة آمنة، لكنّ ذلك بعيد عن الحقيقة. أنا أعرف شخصياً عناصر هذه الميليشيات. لقد كنت طالباً مع العديد منهم. ولم أرهم منذ نحو سنة، لكنهم الآن عادوا ثانية، وموجودون حولنا. ولقد أخبروني، برسالتهم التي قالوا فيها: يومك أصبح قريباً”لقد اضطر المترجم باسم راضي إلى اتخاذ إجراءات “الحذر الأمني” بعدم التحرك في المدينة بشكل روتيني. وهذا يعني أنه لا يستطيع أن يعمل، لأنّ ذلك سيعطي الميليشيات “أفضل فرصة” للنجاح باصطياده.. وأوضح مراسل صحيفة تايمز أنهم فرضوا أحكاماً إسلامية صارمة في وقت انتعشت فيه الجريمة بكل أشكالها. ولم تكن القوات البريطانية قادرة على مواجهة هذه التكوينات المختلفة من المليشيات غير القانونية، ولم تكن راغبة في قتالها، فانسحبت الى قاعدتها في مطار البصرة وفي آذار من السنة الماضية، كانت الفوضى والممارسات الوحشية التي عانى منها مواطنو البصرة قد أشعلت غضب الحكومة العراقية التي أمرت قوات أمنية عراقية يصل تعدادها الى 40,000 جندي بتنفيذ “هجوم مضاد” قاده رئيس الوزراء نوري المالكي، بدعم من الطائرات الحربية الأميركية، ومن القوات الخاصة والاستخبارات العسكرية. واستطاع الهجوم أن يحقق أهدافه بعد معارك دامية استمرت أكثر من أسبوع قتل فيها نحو 1,000 شخص. وكانت تلك المعركة قد تُبعت بوقف لإطلاق النار، مما سمح للكثير من عناصر الميليشيات أن تهرب إلى إيران. ويقول أوليفر أوغست، مراسل الصحيفة البريطانية إن شرطة البصرة ووحدات الجيش فيها – الذين يظهرون بشكل اعتيادي في نقاط التفتيش في أنحاء مدينة البصرة- ينكرون تماماً أن لهم مشكلة مع ما يسمى عودة الميليشيات. وفي موقع “الاحتفاظ بالجثث” أكد مسؤولون للتايمز أنهم كانوا يرون جثث ضحايا “القتل السياسي” كل أسبوع. وبهذا الصدد يقول نعيم حسن، سائق عربة خاصة بالموتى: “لقد قمت خلال الأيام الماضية، بإيصال جثتي ضحيتين الى عائلتيهما في بغداد. كان المغدوران يعملان هنا في البصرة في شركة أجنبية، برفقة مهندس أجنبي، جرى اختطافه، فيما قتل العراقيان”. والقليل فقط من عمليات القتل هذه، يعلن عنها في الصحف ووسائل الإعلام العراقية التي كانت تشكو في الماضي من ترهيبها. ويقول راضي عن ذلك: “لا تصدق عندما تسمع من الشرطة أن البصرة آمنة. جزء من الشرطة الآن –وفي الماضي معظمها- مكونة من عناصر الميليشيات. أنها مخترقة بالكامل” . ويؤكد مراسل تايمز أنّ علامات نشاط الميليشيات المتجدد، يمكن أن يُرى في البصرة. ثمة محلان للمشروبات الكحولية في شارع الوطن هوجما. وجرى إطلاق الرصاص على جبهة محل، ثم بعد يوم واحد انفجرت قنبلة داخله. وفي الحالة الأخرى، استطاع مهندسون عسكريون تفكيك قنبلة قبل انفجارها. وفي أعقاب ذلك صعّدت وحدات الجيش دورياتها. ونقلت الصحيفة عن عواد البدن، سياسي محلي، قوله: “بعض عناصر الميليشيات عادوا، وهم الآن في حالة ترتيب استقرارهم، ليكونوا جاهزين للظهور عندما تصدر إليهم الأوامر”. وأوضحت أن زعماء أقليات إثنية “دينية” وطائفية في البصرة، قد أبلغوا عن وقوع هجمات على أفراد من “جماعاتهم” وأجبروا على اتّباع ممارسات دينية صارمة. ثم أن هناك تنامياً في عدد جرائم العنف ترتكب من قبل –أو بموافقة- بعض عناصر الشرطة، قد أبلغ عنها أيضاً. وعلى الرغم من أن البصرة لم تصل حتى الآن الى حالة الفوضى التي كانت عليها في سنواتها الأسوأ، إلا أن سكانها، بدأوا يتخوّفون فعلا من أن الانحدار نحو العنف والفوضى، قد بدأ!!. وبالدرجة الأساس، فإنّ مؤشرات التداعي الخطيرة هذه، تجعل جميع الأشخاص الذي عملوا مع البريطانيين يشعرون بخطر متزايد، وباستحالة البقاء أحياء. ولهذا يطالب أوليفر أوغست مراسل تايمز الحكومة البريطانية بإعطاء حق اللجوء والإقامة في بريطانيا لمن عملوا مع الجيش البريطاني بعد انتهاء عملهم. ويقول باسم راضي إنه عمل مع القوات البريطانية لـ14 شهراً، بينما المطلوب 12 شهراً لقبول توطينه، لكن سجلات عمله الرسمي تظهر أنه استـُخدم لستة أيام أقل من فترة السنة. ولهذا السبب – كما يقول- رفض طلب هجرته الى المملكة المتحدة وكانت البصرة في 6 نيسان 2003–حسب مؤشرات أدرجها المراسل معتمداً على أرشيف صحيفة تايمز- تحت سيطرة قوات التحالف، بعد هجوم نفذه ألوف الجنود البريطانيين. وفي 24 حزيران قتل 6 من الشرطة العسكرية الملكية في “أعمال شغب” كما تصفها الصحيفة. وفي 8 مايس 2004، اشتبك المئات من عناصر الميليشيات العراقية مع القوات البريطانية. وفي 25 كانون الأول من سنة 2006، اقتحم نحو 1,000 من الجنود البريطانيين وحدة للشرطة لإنقاذ 127 سجيناً. واستعادت السلطات العراقية في آذار 2008 السيطرة على المدينة بعد أسبوع من قتال قواتها الأمنية مع الميليشيات. وكانت القوات البريطانية قد سلمت السيطرة الكاملة على المدينة للسلطات العراقية في الأول من كانون الثاني من السنة الحالية 2009. وخلال العمليات التي خاضتها القوات البريطانية قتل 179 جندياً بريطانياً، فيما قتل في الأقل 3,302 مدنياً. 

زر الذهاب إلى الأعلى