بقلم / مصطفى إنشاصي
هذه مقالة سبق لي أن نشرتها في (صحيفة “البلاغ” اليمنية المستقلة، العدد (505)، الثلاثاء 25 من ذو القعدة 1423هـ، الموافق 28 من يناير 2003)، بعد الضجة وتعدد الآراء حول بروتوكولات حكماء صهيون وإن كانت يهودية أم لا؟! التي أثارها مسلسل “فارس بلا جواد”، للممثل المصري الجاد (محمد صبحي). أعيد نشرها بعد أن قرأت بعض المقالات حول الموضوع والاهتمام بها في بعض المنتديات، ليكون إضافة إلى ما كتب عنها. وهذا نص المقالة:
لقد أثار مسلسل “فارس بلا جواد”، للممثل المصري الجاد (محمد صبحي) من جديد الضجة حول بروتوكولات حكماء صهيون وإن كانت يهودية أم لا؟! وقد تفاوتت الآراء والمواقف من المسلسل ما بين مؤيد ومعارض، وما بين من رأى في المسلسل فائده وخدمة إعلامية للأمة في هذه المرحلة وبين من رأى فيه عكس ذلك..إلخ، وهذه مسألة ليست جديدة في الساحة الفكرية العربية، فقد أثيرت هذه المسألة حول البروتوكولات من الأيام الأولى التي تم فيها ترجمة هذه البروتوكولات لأول مرة في عشرينات القرن الماضي، واختلفت الآراء حول هذه المسألة ما بين من اعتبر أن نسبتها لليهودية حقيقة وبين من أنكر ذلك.
وقد تم تناول هذه المسألة كلُ بحسب ما توفر لديه من مصادر ومعلومات ذات صلة بذلك وبحسب خلفيته الفكرية والثقافية، والأهم بحسب تقديره الشخصي للمصلحة العامة التي تعود على الأمة من وراء إثبات نسبتها إلى اليهود أو نفي هذه النسبة وهذا ما عرضه المقال المذكور. ونحن هنا لا نريد أن نعقب تأييداً لهذا الرأي أو معارضة لذلك الرأي، ولكن نريد أن ندلي برأينا في شكل إضافة بعيدة عن الاتفاق أو الاختلاف لعله تكون فيه فائدة.
نظرية المؤامرة
سواءً كانت هذه البروتوكولات حقيقة أم خيال! أو أنها يهودية أو لا! إلا أن الواقع يشهد إلى حد كبير يكاد يصل إلى درجة التطابق التام بينه وبين ما جاء فيها. يشهد أن الذي يجري في العالم كله وخاصة العربي منه والعربي والإسلامي إلى حد كبير جداً هو نفس ما جاء في البروتوكولات!! وبغض النظر عن إيماننا وقناعتنا بفكرة المؤامرة ضد الإسلام والمسلمين إلا أننا نرى بل نؤكد أن المؤامرة موجودة وقائمة وإن إنكارها يعني إنكار جزء كبير من الحقيقة والواقع، ذلك لأننا نؤمن بنظرية الصراع التي أكدها القرآن الكريم، واعتبارها من سنن الله في الوجود وفي العلاقة بين البشر، فمنذ أن خلق الله تعالى سيدنا آدم، وأمر الملائكة بالسجود له وعصى إبليس واستكبر ورفض السجود، وانتهى ذلك الموقف بالتحدي من إبليس للإنسان واعتباره عدوه اللدود الذي كان سبباً في خروجه من الجنة وحرمانه من رحمة الله، والصراع مستحكم ومحتدم بين الخير والشر، وبين الشيطان والإنسان، وبين الإنسان والإنسان، وأخيراً واصل الإنسان الضال صراعه مع الطبيعة التي سخرها الله لخدمته ومصلحته إلى درجة أفسد كل شيء جميل فيها، وعندما نقول صراعه فهذا يعني أن أطراف الصراع سوف تستخدم كل الأسلحة التي تستطيع الحصول عليها من أجل حسم المعركة كل لصالحه، وهذه الأسلحة تتفاوت ما بين الأسلحة المشروع والأسلحة غير المشروعة، والذي يحدد نوعية الأسلحة التي يمكن استخدامها في المعركة هي عقيدة الإنسان التي يحملها والأهداف والغايات التي يريد تحقيقها. وما دمنا قد قلنا صراع ومعركة فإن المؤامرة جزء من أسلحة حسم المعركة لصالح هذا الطرف أو ذاك ونظرية الصراع بين البشر وبين الأمم والشعوب والمعتقدات المختلفة أكد عليها القرآن الكريم، قال تعالى ]ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيراً ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز[ (الحج : 40).
وقال تعالى : ]ولولا دفع الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض[ (البقرة).
فالصراع هو سنة الله في خلقه، والصراع بين أتباع الرسالات السماوية السابقة والكفار جميعاً أيضاً قائم ولم ينته وقد أخبر بهذا القرآن الكريم، وأعلمنا كم يتمنى هؤلاء أن يردوا المسلمين عن دينهم وهذا فيه دليل على أن هؤلاء الكفار يتآمرون على المسلمين ليردوهم عن دينهم قال تعالى ]ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد ما تبين لهم الحق[ (البقرة : 109)، وقال تعالى : ]ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا[ (البقرة : 217)، لذلك حذرنا الله تعالى من أن نطيعهم في شيء وحذرنا من أن نغفل عن أسلحتنا المادية والمعنوية والفكرية قال تعالى : ]يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا فريقاً من الذين أوتوا الكتاب يردوكم بعد إيمانكم كافرين[ (سورة آل عمران : 100)، وقال تعالى : ]ود الذين كفروا لو تغفلون عن أسلحتكم وأمتعتكم فيميلون عليكم ميلة واحدة[ (سورة النساء : 102).
بناء على ما تقدم وعلى كثير من آيات القرآن الكريم والأحاديث الشريفة التي تؤكد عداء أهل الكتاب والكفار للمسلمين وتحذرهم من الغفلة أو إطاعتهم أو الركون لهم أو حسن الظن بهم …إلخ، يتأكد للمسلم أن الصراع والعداء قائم ولقد أثبتت لنا سنوات وقرون هذا الصراع وحوادثه وأحداثه أن أعداء الأمة من اليهود والنصارى لم يتورعوا عن استخدام كافة الأسلحة المشروعة التي يستخدمها أعداء الأمة من أجل تحقيق أهدافهم، فقد ألفت كتب ومجلدات ومكتبات كاملة عنها.
ولا زالت الكتابات متواصلة عن أهداف الأعداء وأساليبهم لتحقيق أهدافهم وسواء أكان ذلك مؤامرة أم لم يكن فليس هذا المهم، ولكن المهم هو أن الصراع والعداء قائمان وسواء اليهود أو النصارى أو حتى الهندوس وغيرهم في كل مكان ثبت وثابتة محاربتهم للإسلام، وإن كان في السابق يتم كل ذلك سراً فإنه اليوم يتم علناً، ولم يعودوا يخفون ذلك بل ويجاهرون به ويتفاخرون به، ويحشدون له في حربهم هذه المسلمين أنفسهم.
كما أن ما جاء في بروتوكولات حكماء صهيون أصبح واقعاً معاشاً لا ينكره إلا جاهل أو مكابر، والذي يقرأ البروتوكولات ويتأمل الواقع في كل مجالات الحياة والمجتمع يجد أنها مطبقة بحذافيرها إلى درجة تذهل العقل..
خطورة الترويج للبروتوكولات
وهنا مكمن الخطر في الترويج للبروتوكولات ونشرها وسط شباب الأمة الذي يعاني نقصاً كبيراً في الإعداد والتربية الواعية والصقل لثقافته وعقيدته، وذلك لأن أصحاب النفوس المريضة والضعيفة من الذين سقطوا وضلوا واتبعوا أهواءهم وشهواتهم وجروا وراء رغباتهم ونزواتهم في أي مجال من المجالات التي يسقط فيها ضعاف النفوس، قد يستخدمون البروتوكولات سلاحاً في تحطيم معنويات وإرادة الأمة وشبابها، وإضعاف قدرتهم على المواجهة والرد أو الثبات على مبادئهم وقيم دينهم ومجتمعهم، وذلك عندما يطلع هؤلاء الشباب على تلك البروتوكولات ويعقبون عليها بتساؤلات كثيرة تكون أشد وأفتك الأسلحة في تدمير القوة النفسية والعزيمة والإرادة والاستعداد للمواجهة عند أبناء الأمة، وأبسط هذه الأسئلة :-
ماذا نستطيع أن نفعل واليهود كما ترون في البروتوكولات قد سيطروا على العالم ويسيرونه كما يريدون؟!! ولذلك نقرأ أنه أول ما ظهرت البروتوكولات ووجهت التهمة لليهود أنهم هم أصحابها، كان اليهود ينكرون ذلك، وكانت غالباً كلما تمت طباعتها ونشرها سرقت من الأسواق، أما الآن فإننا نجدها في كل مكان حتى مع باعة الكتب على الأرصفة!! وكان اليهود وأعوانهم من مهزومي الأمة، يقصدون ترويجها ونشرها بين شباب الأمة حتى يضعفوا أو يقضوا على روحهم المعنوية، ويدمروا نفسياتهم وقدراتهم على التغيير والإصلاح، ويدفعونهم للاستسلام لهذا الواقع الذي يرون فيه عدم قدرتهم على مواجهته وتغييره .. وأبسط مثال أمام أعيننا اليوم: العدو الصهيوني، ألم تعلن الدول العربية بالإجماع على أن الكيان الصهيوني أصبح أمراً واقعاً لا يمكن إزالته ولابد من الاعتراف به، وأقيمت معه العلاقات السياسية والتجارية وغيرها بنسب متفاوتة والبعض وقع معه اتفاقيات سلام؟!!
وآخرون يروجون لسيطرة اليهود على الغرب وأمريكا وتحكمهم في القرار الأمريكي وأن أمريكا هي القوة العظمى الوحيدة في العالم التي لا يمكن مواجهتها أو قول كلمة “لا” لها، ولذلك علينا بالرضوخ والقبول بما تطلب منا وتسخير ما نملك وما نستطيع لكي ترضى عنا وتحقق أهدافها حتى ولو كانت أبادتنا وسحلنا؟
أليس هذا ما يروج له اليوم؟! وهذا يعني أن على الأمة أن تقبل بالأمر الواقع وتستسلم لقدرها لأن العين لا تناطح المخرز؟!! فكيف إذا شاع بين أبناء الأمة أن اليهود يتحكمون في حياتنا بدء من تعيين حكامنا إلى نوع الطعام الذي نتناوله في بيوتنا؟!!
كما أن هذا الفهم وهذا الواقع يزيد اليهود قوة وغطرسة وطغياناً وجبروتاً كما نراهم اليوم في فلسطين، وهم يتحدون العالم أجمع وقراراته ولا يلقون لها بالاً ويصعدون من جرائمهم الوحشية ضد الأبرياء والعزل، معتمدين على أن البروتوكولات سواء كانوا هم من صنعها أم لا! قد حققت أهدافها في العالم وعليهم استغلال ذلك في إرهاب الأمم والشعوب وإخضاعها لهم، وعدم تضيع الفرصة في تحقيق حلم السيطرة على العالم الذي وعدتهم به التوراة، أي أن نشر هذه البروتوكولات عن اليهود أو غيرهم يحقق لليهود الهدف السابق وسط المسلمين وعلى صعيد أنفسهم يقويهم ويجرئهم علنيا ماداموا قد حققوا كل هذا بيننا وفي مجتمعاتنا، وهذا ما هو حادث فعلاً، فهم الذين يأمرون ويطلبون ويشترطون ولا يسمعون من حكامنا وأصحاب الشأن فينا إلا السمع والطاعة!!.
لا فعل للبروتوكولات مع قوة العقيدة
ولكن علينا أن نعلم أن اليهود وإن كانوا هم أو النصارى أو غيرهم من وضع هذه البروتوكولات لم يحققوا ما حققوه في مجتمعنا بشطارتهم أو بفضل هذه البروتوكولات أو قوتها السحرية على سلب العقول وزغللة العيون وتغيير النفوس؛ لا! ولكن لأننا كما قدمنا أن الصراع بين الخير والشر قائم ما دامت الحياة على الأرض، ولأن أعداء الإسلام والإنسانية من كل ملل الكفر يصارعون وسيبقون يصارعون إلى قيام الساعة، من أجل القضاء على هذا الدين وردنا كفاراً إن استطاعوا .. وما دامت هذه هي حقيقة أي واقع ومجتمع بما فيه المجتمع الإسلامي، فهذا يعني أن المرضى وضعاف النفوس ممن يحبون المال أو السلطة وكل العبيد لشهواتهم ورغباتهم ونزواتهم الرخيصة التي تتعارض مع قيم الدين والمجتمع، يصارعون من أجل تحقيق رغبات نفوسهم الضعيفة سواء كانت هناك بروتوكولات أو لم تكن، وهذه سنة الخلق في كل المجتمعات منذ خلق الله آدم وأنزله إلى الأرض، وأمثال هؤلاء من ضعاف النفوس وأصحاب الأهواء يترعرعون ويقوى نفوذهم في المجتمع الإسلامي، كلما ضعفت عقيدة الناس وضعفت رقابة المجتمع عليهم وخاف علماء الإسلام من قول كلمة حق فيهم ومواجهتهم ووضع حد لفسادهم، فيزدادون فساداً وإفساداً في الأرض في محاولة منهم إفساد الجميع حتى لا يحاسبهم أحد، ويزداد نفوذ هؤلاء إذا كان أعداء الأمة من يهود ونصارى الذين يتربصون بنا الدوائر لهم نفوذ أو قوة في وطننا، لأنهم يشجعونهم أكثر ويوجهون عمليات الإفساد والتدمير في المجتمع بأسلوب مدروس يحقق لهم أهدافهم، ولو لم يجد هؤلاء في مجتمعاتنا أمثال هذه النفوس المريضة لما استطاعوا التغلغل في مجتمعاتنا وتدميرها من الداخل، لذلك قال تعالى ]إذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا[..
هذه سنة الله في المجتمعات سواء كانت هناك بروتوكولات أو أعداء أو لا.. ولكن الأمة الإسلامية لأنها محاطة بالأعداء المتربصين بها في كل وقت وحين لأنها تمثل الخير في الأرض فإن الله تعالى وضع لها قاعدة في الإعداد حتى لا يتم اختراقها أو التغلغل وسطها، وذلك في قوله تعالى : ]وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم[ (الأنفال : 60).
وإن كان الرسول e، قد خص القوة هنا بالرمي فإن هذا لا ينفي المعنى العام والشامل للقوة التي على المجتمع المسلم أن يأخذ بها ويعدها، بدء من قوة العقيدة والسلاح والأعداد والتدريب والحالة النفسية والمعنوية وتماسك وترابط المجتمع المسلم وخلوه من الفساد وأتباع الهوى، حتى يتحقق الإرهاب لأعداء الله وأعدائنا والآخرين الذين ذكرتهم الآية، وقد أجمع المفسرون على أنهم هم ضعاف النفوس والجواسيس والمنافقون الذين لا يخلو منهم مجتمع على وجه الأرض. وهؤلاء عندما نعد المجتمع الإسلامي القوي لا يكون لهم وجود، وإن وجدوا فلن يستطيعوا فعل شيء وسيكون كل همهم كيف يسترون أنفسهم حتى لا ينكشفوا، وهكذا لن تستطيع قوة مهما ملكت من الوسائل والإغراءات أن تخترق مجتمعنا أو تتمكن منه .. هذا ما يجب أن يشغلنا، كيف نبني المجتمع القوي الذي لا يمكن لأعداء الأمة اختراقه أو تجنيد أحد فيه، وليضعوا هم بروتوكولات كيفما شاءوا، ولكنهم لن يستطيعوا عمل شيء أو تحقيق شيء في مجتمعنا. أما ونحن مشغولون في إن كانت البروتوكولات حقيقة أم وهماً، من وضع اليهود أو غيرهم، فلن نخرج من حالة الهزيمة النفسية والضعف والذل التي نحن عليها، بل سنزيد منها، نحن نريد أجبالاً لا تفهم إلا أننا إذا ما أخذنا بأسباب القوة الحقيقة فإنه لن تستطيع قوة على وجه الأرض هزيمتنا، وأن أسباب القوة الحقيقية لنا كمسلمين موجودة في عقيدتنا وتوكلنا على الله وطلبنا الآخرة لا الدنيا، لذلك يجب ألا نعطي البروتوكولات حجماً أكبر من حجمها وأن نتنبه إلى خطورة الترويج إلى أن اليهود بهذه البروتوكولات أفسدوا العالم وسيطروا على أمريكا، وأن الحقيقة تكمن في أنفسنا نحن ومدى قابليتنا للفساد أو الصلاح، وأن المخرج هو تحصين مجتمعنا بعقيدة قوية تتربى عليها أجيالنا القادمة.