مسامير وأزاهير 120 … ماذا تفعل لو وجدت يوماً ( طريقك مسدوداً )!؟.
قد تستغربون تساؤلي هذا ، وقد تعتقدون للوهلة الأولى بأنني من هواة سماع أغاني المطرب الراحل العندليب الأسمر عبدالحليم حافظ لاسيما قصيدة ( قارئة الفنجان ) والتي راح يردد أكثر من مرة عبارة ( طريقك مسدود … مسدود … مسدود) والتي نقلها عن العرّافة يوماً، ولا أنكر إعجابي الشديد بالمطرب الراحل لاسيما في مرحلة شبابي وصبابتي ، لكنني تعمدت أن أستهل مقالي هذا بعنوان غريب كهذا التساؤل وصولاً لمربط فرسي!!.
تخيل سيدي القارئ الكريم نفسك في مشهد وأنت تقود سيارتك بطريق عودتك لدارك التي فارقتها منذ سنين إثر غربة قسرية وبرفقتك زوجتك وأبناؤك ، فإذا بعارض ما يسد لك طريقك مما يستدعي منك اتخاذ قرار سريع وفوري يصب في محصلته النهائية في كيفية التخلص من هذا العائق الطارئ أولاً ولتأمين وصولكم آمنين مطمئنين لدارك التي اشتقت إليها ثانياً!!.
لا أتصور طبعاً أنك ستستكين لقدرك هذا وتبقى قابعاً داخل سيارتك حبيس ضجرك وضيق صدرك وتأففك بانتظار مَنْ ( قد ) يأتي ( أو قد لا يأتي !!) لفتح الطريق لك!؟، كما وأنني لا أشك لحظة واحدة في أنك والحالة هذه ستعالج الأمر بلغة المنطق وتفعل الآتي :
1. ستترجل من سيارتك أولاً.
2. تتجه بخطوات رصينة صوب العائق الذي سد عليك طريقك لتتفحصه عن كثب فترى :
2 -1 إن كان بمستطاعك أن تزيل العائق عن طريقك كي تكمل مسيرتك حيث دارك.
2- 2 أو أن العائق كان أكبر من طاقتك وقدرتك ومن معك في أن تبعده عن طريقك ( كحفرة غميقة عميقة مترامية الأطراف ) ، فما عليك والحالة هذه إلا أن تخرج من دُرْج سيارتك ( خارطة الطريق ) لتبحث فيها عن أقرب مخرج لك بعيداً عن هذا ( الطريق المسدود ) لتستدير وتتجه صوب ذاك المخرج الجديد النافذ وبما يؤمن لك وصولاً آمنا لدارك!!.
ذاك لعمري ما نفعله في العادة إذا ما جوبهنا يوماً بعارض سد علينا طريقنا ، ولكن … ما بالكم وما تقولون فيمن يتسمر والحالة هذه في مكانه مكتفياً بترديد اللعنة في سره وجهره على من تسبب له بهذا المأزق تارة ، وبتبادل النظرات الزائغة الحيرى مع من معه تارة أخرى مستسلماً راهناً مصيره ومن معه بانتظار من سيأتي ليتكرم عليه بفتح الطريق له، متناسياً في الوقت ذاته بأنه قد يشيخ ومن معه في الانتظار عند هذا العارض أولاً … ولن يرى داره ثانية !!.، وهنا بيت القصيد ومربط الفرس الذي جئت من أجله!!.
ذاك والله ما قد طرأ بخاطري ما أن قرأت تصريحاً للسيد نبيل أبو ردينه مستشار السيد الرئيس أبي مازن قبل أيام حيث أعلن بملء فيه وبكامل إرادته ووعيه بأن ( عملية السلام ) قد وصلت إلى ( طريق مسدود !! ) مستنكراً موضحاً موقف السلطة الفلسطينية رداً على ما صدر على لسان شقراء الخارجية الأمريكية ( السيدة كلينتون ) من تصريح لها أقام الدنيا ولم يقعدها حين دعت لاستئناف المفاوضات ( دون الحاجة لإيقاف المستوطنات أو تجميدها ) مما يعني تنصلاً كاملاً وواضحاً لا لبس فيه عن وعود رئيس دولتها أوباما التي بذلها للقيادة الفلسطينية!!.
لقد اكتفت قيادة السلطة الفلسطينية باستنكار ذاك التصريح وما عناه من انقلاب مفاجئ ( متوقع طبعاً !!) للموقف الأمريكي ، فراحت تصفه بشتى الأوصاف تارة على لسان السيد الرئيس أبي مازن وتارة أخرى على لسان السيد كبير المفاوضين الفلسطينيين ، ولا ندري جدوى زيارة السيد أبي مازن لدولة الأرجنتين في هذا الوقت تحديداً وهل جاءت من أجل حشد التأييد للسلطة والتي أعلن فيها السيد الرئيس أبو مازن من هناك بأن اوباما غير معني بالسلام ( في الوقت الحاضر !!) رداً على تصريح آخر جديد من النتن ياهو يعلن فيه عن مبادرة الأشهر العشرة!!.
وأتساءل وبراءة الأطفال في كلتا عينيّ العسليتين الحالمتين بدفء الوطن :
ما مغزى أن يـَرِدَ في تصريح السيد الرئيس أبي مازن من أن أوباما غير معني بالسلام ( في الوقت الحاضر )!!، فهل يعني هذا :
1. أن هناك أملاً ( قد تبقى ) يرتجى ( مستقبلاً ) في إمكانية أن تمارس إدارة الرئيس أوباما ضغوطها على حكومة يهود لتغيير مواقفها التي أعلنتها بصراحة وبمنتهى الوضوح !!؟.
2. وكم من عمر ( القضية الفلسطينية ) ستضيع مجدداً بانتظار نتيجة ما ستمارسه تلك الإدارة الأمريكية حتى تمارس ضغوطها!!؟.
لا أرى من مواقف القيادة الفلسطينية وقد اكتفت بالامتعاض والاستنكار مما جرى إلا تشبثاً ومراهنة وإصراراً على دور أمريكا … وإلا فما تفسير ما ورد من عبارة في تصريح السيد أبي مازن ( أوباما غير معني بالسلام في الوقت الحاضر)!!، ولم هذا الإصرار على المراهنة على دولة يعرف الجميع بأنها مرتبطة بتحالف استراتيجي تاريخي مع دولة العدو الصهيوني ، ثم بربكم … أيعقل أن يُراهن على طرف قد ساهم هو بإغلاق وسد الطريق أمام سلطتنا الفلسطينية بعدما تخلى عن وعوده التي بذلها لها وتركها في منتصف الطريق وأشاح لها بوجهه بعيداً ، لا أرى في ذاك الإصرار من قبل سلطتنا الفلسطينية على المراهنة مجدداً على وعود أمريكا والحالة هذه إلا محاكاة لما جاء ببيت الشعر التالي : إلى الماء يسعى من يغص بلقمة إلى أين يسعى من يغص بماء!؟.
ثم … كم سنصبر على وقفتنا أمام العارض الذي سد طريق عودتنا لديارنا أكثر مما صبر نبي الله أيوب ( ع ) في محنته!!؟، أسنكتفي بالقول والتصريح بأن طريق التسوية والسلام بات مسدوداً أم أن المنطق يدعونا بأن نبحث لنا سريعاً عن مخرج آخر لنكمل طريقنا كي نعود لديارنا بدلاً من ذاك الانتظار الممل !!؟، أم سنكتفي بالانتظار عسى ولعل أن تنجح أمريكا بإقناع حكومة يهود المتصلبة المستهزئة الساخرة بأمريكا ذاتها كي تتكرم علينا فتفتح لنا طريقنا لإكمال مسيرنا حيث وعدنا ، تماماً كما تمارسه اليوم حكومة صهيون على معابر الحدود مع غزة والضفة فتغلق متى تشاء وتدخل من تشاء وتمنع من تشاء!!؟.
ألا ترون معي كيف قد صار الطفل الرضيع شاباً يافعاً على قارعة هذا ( الطريق المسدود ) ، فيما مات جده وخاله حيث تقطعت بهما السبل وطال بهما الانتظار، ولربما سيلحقهما أبوه وعمه وربما الطفل ذاته … من يدري!!.
يا سادة يا كرام … قد تركنا كل الخيارات المتاحة أمامنا وتشبثنا بخيار تمثل بوعد زائف لأمريكا المنحازة دوماً لجانب عدو نجابهه عقوداً وعقود واكتفينا بإصدار تصريحات هي أعجز في الواقع من ردة الفعل التي ستعيد لنا حقاً أو تفتح لنا طريقاً قد سد في وجهنا … فكانت النتيجة كما نراها اليوم … أضغاث أحلام لطريق عودة ( أمريكي ) كان ومازال وسيبقى ( مسدوداً )!!.
كفانا بالله انتظاراً !!.
كفانا بالله هواناً وصبراً وإضاعة للوقت!!.
ولنترك أمريكا وخياراتها بعد أن اهتزت ثقتنا بها بما مارسته من تدليس لصالح عدونا، ولنعد بملفنا حيث الأمم المتحدة لتفعيل ما أصدرته من قرارات قد كاد أن يطويها النسيان … ولكن بعد أن نلم شملنا ونوحد صفنا الممزق!!.
سماك برهان الدين العبوشي
1 /12 /2009