فايز عرفات رجل المهام، هل رحلت ؟
لايتحدث كثيرا وعلى جبينه ارتسمت معاناة الشعب الفلسطيني وكانها مسارات الزمن وتعرجاته وانحناءاته وربما كانت تلك المسارات هي مفتاح فهم شخصية اللواء المناضل فايز عرفات
كان بيننا امال مشتركة وحزن مشترك وارادةتتكامل على طريق الاستقراء لفهم الحقيقة وبشكل مبكر,كان هذا بعد الخروج من الساحة اللبنانيةعام 1982 وفي ممثلية منظمة التحرير في عدن وبعد ذلك في معسكر قوات اليرموك في عدن
كان رئيسا لاركان القوات وكان في نفس الوقت هو الجندي الذي يعشق التعايش مع القاعدة وفهم مشاكلها والانصهار الشعوري معها .
في ذاك الوقت كنت مسؤولا للشؤون الفنية في تلك القوات ، وكان قائدها المدعو عارف خطاب ، التقينا لمحاربة الفساد الذي كان يبشر بسلوك سياسي خطر على حركة فتح وعلى الثورة وعلى منظمة التحرير وعلى فتح .
كان النقاش يدور وبشكل يومي وبعد انتهاء العمل في القوات ، وما بعد الساعة العاشرة مساء كنا نفتح همومنا وهموم شعبنا وهموم فتح وكانت البذرة الأولى لتشكيل شرفاء فتح في قوات اليرموك التي كانت تواجه دائما انحرافات عارف خطاب ورئيس غرفة العمليات المدعو بركة أبو عريبان .
كان فايز عرفات لا يعتقد يوما أنه سيعود إلى أرض الوطن وعلى أجنحة أوسلو ، كانت الإستقراءات لنا جميعا واخوة آخرين تقول أننا نسير في طريق وئد حركة فتح ووئد شرفائها في تصاعد مستفز لقوى الفساد وقيادات الجيش وسلوكها الذي كان يزكم الأنوف وكأنهم جنرالات خرجوا منتصرين محررين ، ولذلك تم مكافأتهم على انتصاراتهم بالبذخ المادي والسرقة والتنقل بين فيينا و نيقوسيا وأثينا ، أما المقاتلين ، فقد فتحت لهم مدارس من اللهو بدلا من التعبئة العامة والتعبئة لخاصة لكوننا في منفى المنافي ، والتقينا على مبادئ كثيرة مارسناها جميعا من أجل التخلص من قوى الفساد السلوكي والسياسي والأمني .
هذا ولأول مرة من لا يعرف فايز عرفات يجب أن يعرفه ، فبعد الرحيل وفي ظل الأجواء الموبوءة ومدرسة التنسيق الأمني مع العدو يجب فتح الحقائق لمعرفة مفاتيح شخصية فايز عرفات البطل الفلسطيني المقاوم الفتحاوي المتعصب لشعبه وآلام شعبه .
إذا أسعفتني الذاكرة الآن ، لقد تشكلت في قوات اليرموك قوة ممانعة لممارسات قائدها الفاسد ومن يمده بالأموال والسلطان ، ولذلك تعرضت قوات اليرموك وضباطها لحل تلك القوات بقرار ، وكان من نصيب أخي اللواء فايز عرفات أن حددت له مهمة الذهاب إلى بيروت مع اخي خيري أبو الحج ومصعب الهيبي ، قلنا في ذاك الوقت والأجواء الأمنية لا تسمح بتنقل مثل هؤلاء القادة أنها وسيلة للتخلص من الشرفاء وحل القوات بكاملها وبقائها كمأخرة ، وضعنا أيدينا على قلوبنا عندما أعطى أخي فايز التمام لتنفيذ المهمة ، وقلنا في ذاك الوقت ” العوض على الله ” ، أما خيري أخي أبو الحج فأعتقد أنه الآن في عين الحلوة ، أما مصعب الهيبي فقد قدم لجوء إلى دولة أوروبية ، وهو الآن مقيم فيها .
لا اعتراض على حكم الله في سجن ياسر عرفات ، مجرد وصوله إلى الساحة اللبنانية ولا اعتراض على حكمه في وفاته التي فاجأتنا فاسترجعت معنا ذكريات من الوفاء والعمل والإصرار على أن يسود الشرفاء ساحات العمل الفتحاوي في قطاعات الجيش على الأقل ، تألمنا كثيرا فهذا المناضل الذي أصيب بأمراض عضال أثناء فترة سجنه وتحدث عنها أخي زياد أبو شاويش ، فقد انهارت لديه شبكة الأعصاب التي تتحكم في التبول والإخراج من آثار التعذيب ، ونقول لأخي فايز بعد رحيلة ، لقد عاهدت وأوفيت وأنت القدوة لنا جميعا ، وسنبقى على العهد وعلى مسار العمل الذي ارتضيته لنا جميعا وهو محاربة كهنة الإرتزاق في الثورة الفلسطينية وفي حركة فتح ، وسنبقى على العهد إلى أن يقضي الله أمرا كان مفعولا ، وسيرحل المناضلون مناضلا بعد الآخر ، ولكن لن تسقط الراية ولن تنهزم المسيرة ، ففلسطين ستعطينا مناضلين مثل أخي فايز عرفات الصادق الصدوق المقاتل العالم الذي كان يبحث في سلاح الجو الغربي ووصل إلى نتائج وفرملت تلك النتائج بقرار أيضا ، ملف فايز عرفات العسكري الذي أعطاني إياه بعد ذهابه لتنفيذ المهمة كان يحتوي على مئات التصاميم لأسلحة الجو ، ولم أجد أيدي أمينة بعد تركي للقوات إلا لأن أعطيها لأخي المناضل الشهيد الشريف عاطف بسيسو الذي وعد بدوره أن يعطيها لزوجته .
سلام على روحك الطاهرة أخي فايز عرفات وسيذكرك التاريخ وأبناء فلسطين بأنك من أوفى الأوفياء في جيش التحرير وقوات الثورة الفلسطينية وأنت الذي لم تأخذ حقك من قيادة فاسدة متهالكة ، فأنت اليوم أمام الله وأمام الشعب الفلسطيني نقدم لك أسمى آيات التقدير والعرفان بدورك الشريف في قوات الثورة الفلسطينية ودعم شرفاء حركة فتح .
بقلم / سميح خلف