أرشيف - غير مصنف
صرخة القصيم لا صرخة القطيف
بقلم : سامي جاسم آل خليفة
أتحفظ كثيرا على عنوان مثل هذا فالقطيف والقصيم بالنسبة إلى قناعاتي تعيشان في عمقي الوطني لكن الصرخات التي تنطلق من هاتين المنطقتين تختلف أحدهما عن الأخرى في طبيعتها وطرق توجيهها وفي الغايات التي تنطلق من أجلها .
ففي الوقت الذي نشهد فيه أصوات كثيرة تنطلق من القطيف تدعو إلى الوحدة الوطنية والتكاتف حول الحكومة والابتعاد عن الشحن الطائفي بين السنة والشيعة والتأكيد على أواصر الأخوة والتواصل بين علماء القطيف والقصيم والزيارات المستمرة بينهم جاءت صرخة مذهبية أحسبها من القصيم على شكل كتاب بعنوان "صرخة من القطيف " لمؤلف وهمي أسمه " صادق السيهاتي " كل ما في هذه الصرخة يدعو إلى المذهبية وإلغاء التفكير والدعوة الصريحة إلى ترك التشيع واللحاق بالركب السني في غياب واضح للعقل عند الجهة التي صدرت هذا الكتاب لعدة أسباب منها :
كل ما جاء في الكتاب لا يستند إلى أصول علمية في البحث العلمي الرصين من حيث الطرح والتأصيل أعتقد أني ملم بها لخبرتي في الدراسات العليا وفي هذا مباحث كثيرة أذكر منها تأصيل المفاهيم والآراء المختلفة حولها وأساسيات تطبيقها من حيث الزمان والمكان والحاجة ، إضافة إلى البعد التأريخي لبعض القضايا والمسائل الفقهية وما حولها من اختلافات فقهية يجهلها مصدرو هذا الكتاب وغيرها كثير لا مجال لذكرها هنا .
اختفاء مؤلف الكتاب تحت اسم وهمي يمكن أن يحمله عشرات الأشخاص وكان بالإمكان ظهوره إعلاميا على أكثر من قناة وأنا على يقين أنا قناة "صفا"ستفرح به كثيرا وسيكون لها نصرا طائفيا تتغنى به بجوار المسمى عدنان العرعور .
أما فيما يتعلق بتوثيق الأدلة فهي منقصة كبيرة تضاف إلى عيوب الكتاب وفيها من الفهم الشاذ والنفسية المرضية والبتر الواضح لما قبل وبعد ولا ينم إلا عن افتعال متعمد لتوجيه "النص ودلالته" الوجهة التي يريدها مؤلفو هذا السيناريو الوهمي .
القضايا المطروحة تنم عن جهل واضح في أبسط عناصرها وفي هذا المجال أذكر قضية زواج المتعة والمثال المذكور للفتاة والتي لا أخفي سرا إن قلت أنني ضحكت كثيرا وأنا أقرأ هذه التفاهة التي ساقها هؤلاء القوم للتصدي لزواج المتعة وقلت في نفسي ألم يجدوا أمثلة أخرى يُضيفها هؤلاء الجهلة الذين قاموا بدبلجة هذا الكتاب والأمثلة عندهم كثيرة لفتيات هُتكت عذريتهم تحت زواج المسيار والمسفار والبوي فريند والصيفي وغيره .
ما يثير الاشمئزاز حقا ظهور مثل هذه الكتب المنسوبة لأشخاص مجهولين في وقت تشهد المملكة حراكا سياسيا يتطلب من الجميع الكف عن التناحر المذهبي والتزام مبدأ التعايش لا إصدار كتب تبعث على الطائفية والتشكيك في عقائد الآخرين يعرف أصحابها حق المعرفة أنها من غير قيمة ولا فكر ولا تؤدي إلى نتيجة غير العزف على ألحان نشاز تشبه إلى حد ما نقيق الضفادع وإزعاج البراغيث في ليل ساكن .
أقول ذلك لأن من يعرف المدرسة الشيعية التي تربت على النهج المحمدي في مدرسة علي بن أبي طالب وتتلمذت على فكر أبي ذر ورفض مالك بن نويرة و المقداد بن الأسود وفتحت البلدان مع مالك الأشتر وحمت ديار المسلمين بفكر نصير الدين الطوسي وخرجت ولا تزال العظماء ممن أثروا العالم الإسلامي في القراءات والأدب واللغة والرياضيات والفلك وعلوم الطبيعة وغيرها يدرك جيدا أن مثل هذا الكتاب ما هو إلا مواء قطط يلعب بها صبيان الشيعة ثم تنتهي بنوم الأطفال وهم يتطلعون إلى إثراء العالم الإسلامي بفكر راق وإبداعات جديدة كما كان أجدادهم وآباؤهم غير متوقفين كما فعل أصحاب الصرخة الذين يجترون فكر الإرهاب وإقصاء الآخر .
ختاما أقول إن مثل هذه الصرخة في شكلها لا تخرج إلا من مدرسة القصيم وأفكارها التي عرفناها وألفناها على مر العصور فشباب القطيف حينما يصرخون لا يصرخون صرخات ورقية إنما يصرخون مبدعين محلقين نعرفهم بسيماهم في محراب الفكر الناضج .