ما وراء الثلج

 
الكاتبة القاصة : عدلة الكوز
 
     تعصف بها أنواء نفسها .. وهي تلقي بجسدها داخل السيارة لتعود من حيث جاءت ..
 
     غضب يتصاعد .. يتآمر عليها مع نفسها الشقية .. حتى حول لحظاتها إلى هشيم حريق كبير …
 
     ولكن ليست تربطها به علاقة معينة ؟! لماذا كل هذا السخط إنها أمور عادية تحدث دائما .
 
فذلك المخرج الجديد .. ذو الشعر الأشيب الذي ينبأ بقدوم عاصفة ثلجية ترفد بقايا الثلج الذي ما زال يرقد فوق القمم وعلى أسطح الأبنية .. ما زال يزين معالم الطريق التي قادتها إلى حيث هي الآن .
 
     لماذا تغضب ؟.. فقط لإعلان رفض كتاباته على الملأ كان الأجدر بها أن تغضب لنفسها .. فحالهما سيان .. تأخذ نفسا عميقا .. تجتر مشاعر الغضب والاستنكار .. ولكنها على قناعة تامة بحضور هذا الكاتب الإذاعي الموهوب ..
 
     إنها تترقب دائما موعد إذاعة حلقاته الدرامية .. التي تحول لحظات الاستماع إليها .. لأوقات فريدة من المتعة والفائدة .. ما به هذا المخرج ذو الشعر الأبيض .. لماذا يخلط الأوراق .. لماذا يجور على هذا الإبداع الذي تؤكد عليه كل آذن مستمعه .
 
     تنتفض .. حين يداهمها صوت سائق السيارة ليسألها عن وجهتها.. تشير بأصابعها بأن أستمر .. وتستمر قراءتها لغضبها الكبير .
 
     تتذكر أنها طلبت من أحداهن في المكان رقم هاتفه وكالومضة .. تنقر أصابعها على الهاتف ..
 
     يأتي صوته هادئا ..
 
        نعم أنا هو .. ولكنني الآن مشغول
 
        مساءا تتحدث
 
        نعم .. لك ذلك ..
 
يجيبها بأنه نعم .. تهدأ .. تستكين نفسها .. تلاحق المرئيات تتراكض على الطريق .. تحاكي الثلج الذي تكرهه .. دائما فألك السيئ يلاحقني .. يعتدي على أفراحي الصغيرة ..لماذا لا تغادر أيها الأبيض الذي ينشر روحي بالسواد ؟!
 
      ولكن لا بأس..الساعات القادمة قليلة جدا .. تنكمش على نفسها فماذا ينتظرها..غير وجوه سئمت نفسها ملامحها وتفاصيلها … لمن تبكي ؟! لمن تشكو ؟ ليس لها صديق في هذه الدنيا .
 
     ليس لديها من هو قريب من روحها المعذبة ..تحاصر شتاتها .. وصوت محرك السيارة..ينهب الطريق لتعود من حيث أتت ..
 
     فصل الشتاء بارد..بقايا الثلج تعلن حضورها المشاكس من حولها .. ولكنها الآن أمام المرآة ترتدي ثوبا ورديا ناعما فبعد لحظات ستدق رقم هاتفه ..
 
ستخبره عن هؤلاء الذين يتربصون به..ستخبره عن ترفع كتاباته عن هؤلاء…ستعلن تحالفها معه .. أصابعها ترتجف ..
 
 يأتي صوته كما في المرة الأولى هادئا …
 
        أنت
 
        نعم سيدتي ..
 
التناغم كان سيد الحوارات.. الإصرار على التوسع في الاستيلاء على الفرح الكبير .. جيوش من الأحاسيس الجميلة تغزوها .. تفتك بذلك الفراغ الذي يشبه الربع الخالي..
 
ما بها لم تعد تقدر عن الابتعاد عنه.. يحاكي سرا من أسرار روحها المثقلة بهموم البشرية كلها كان يخفي حول شخصية العامة… روحا عالية .. جميلة قريبة منها ..
 
تتعاطاه كأفيون حياه.. عاد الثلج من جديد .. يتكدس فوق كل شيء جميلا أبيض..
 
صار الشتاء الشديد البرودة يعالج بالدفء المنبثق عن خبايا الروح .
 
تضحك في سرها من لحظات الغضب تلك..وتمني النفس دائما بالأجمل في عمرها ..
 
مع هذا الكيان الإنساني الذي كسر حاجز العداء مع الطبيعة..
 
     وعقد ما بينها وبين الشتاء معاهدة صلح دائمة.
 
 فرحت بما خبأه الثلج لها..فقد كان وراءه أعظم صديق.. بل صديقها الأوحد .
 
Exit mobile version