أرشيف - غير مصنف

جرائم الشرف.. ليس فيها شرف

 رغم أنها تؤمن بأن المرأة نصف المجتمع، بل هو النصف الأكثر عطاء وحيوية، إلا أن المجتمعات العربية لا تزال تقدّس الرجل وتعطيه حق التعامل مع المرأة وفق ميوله، وتضعها هي في إطار الشبهة. وهذه النظرة الذكورية العنصرية تجاه المرأة أدّت منذ عصور غابرة إلى ظهور ما يسمى بـ"جرائم الشرف".. "الإرث الدموي" بمباركة هامة من قبل ذكور المجتمعات العربية، التي رغم ما قطعته من أشواط في ملف حقوق المرأة ومساواتها، لا تزال ترى في الأنثى "إثما" وعقابا إلاهيا يسلّط على الأسرة، التي تسارع إلى الإطاحة برأس ابنتها عند أول بادرة شك منها بأنها "تهدد "شرف العائلة وسمعتها". وقد تجاوزت جرائم الشرف بوابة العالمين العربي والإسلامي لتصل إلى العالم الغربي المتحضر، والمتهم، ظلما، في كلتا الحالتين هو "الإسلام".

 
وتنتشر جرائم الشرف في المجتمعات العربية، منذ عصور ما قبل الإسلام، لكن المياه الراكدة تحركت في السنوات الأخيرة مع بداية قبول الحكومات العربية الحديث عن هذه الظاهرة بعد أن تفاقمت وأصبحت تمثل عائقا اقتصاديا وتنمويا واجتماعيا ومصدرا لمشاعر العار، وتخطّت المستوى "المعقول"، وأصبحت العذر الذي تبرر به كثير من الجرائم التي وجدت في "رحمة" القانون سندا متينا تحتمي به، حيث يقر بعض رجال الدين والنواب في بعض الدول الإسلامية حق رجال الأسرة في القيام بمثل هذه الجرائم كطريقة للحفاظ على القيم والمبادئ.
 
ويقدر صندوق الأمم المتحدة للسكان أن ما لا يقل عن 5,000 امرأة تذهب ضحية جرائم الشرف في العالم، الجزء الأكبر منها ترتكبها عائلات مسلمة، بينما يشير تقرير التنمية البشرية لعام 2009 أن أكبر عدد لجرائم الشرف في العالم العربي يحصل في الأردن ولبنان ومصر والعراق والأراضي الفلسطينية المحتلة. وقد عبرت منظمة حقوقية فلسطينية عن قلقها من تكرار جرائم قتل النساء في الأراضي الفلسطينية على خلفية ما يسمى بـ " شرف العائلة"، مؤكدة أنها وثّقت مقتل 10 فلسطينيات على هذه الخلفية منذ مطلع العام الجاري. وقال المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان إن أحدث هذه الجرائم وقعت منذ أسبوع تقريبا عندما قتلت فتاة من مخيم الشاطئ، غرب مدينة غزة على يد شقيقها واثنين من أعمامها واثنين من أبناء أعمامها أقدموا على قتلها خنقا بينما كانت نائمة داخل منزلها، وتشير التحقيقات الأولية إلى أن الجريمة اقترفت على خلفية ما يسمى بقضايا الشرف.
 
 وترجع المنظمة الفلسطينية ارتفاع جرائم الشرف إلى الحصانة الممنوحة للقتلة من خلال تنفيذ أحكام مخففة بحق مقترفي هذه الجرائم، حيث لا تتجاوز العقوبة القصوى ثلاث سنوات مدنية، أي ما يقارب 24 شهرا، مطالبة باتخاذ عقوبات رادعة في الجرائم على خلفية (قضايا الشرف) والتعامل معها كأي جريمة قتل عمد، مع مراعاة أحكام القانون والمعايير الدولية لحقوق الإنسان، علما أنه كثيرا ما يتمّ التستر وراء هذه الجرائم للاستفادة من تخفيف الأحكام.
 
وفي حادثة أخرى مشابهة في الوقائع والزمان أقدم أردني على قتل ابنة شقيقه (19 عاما)"تطهيرا لشرف العائلة"، بعد تكرار تغيبها عن المنزل. وأفادت مصادر قضائية أردنية أن المتهم قتل ابنة شقيقه إثر مشادة كلامية وقعت بين الضحية وعائلتها على خلفية تغيبها عن المنزل بحضور الجاني ما دفع به إلى إخراج مسدسه وأطلق ثماني رصاصات عليها فارداها قتيلة تطهيرا لشرف العائلة". ويشهد الأردن كل عام 25 جريمة قتل تصنف على أنها "جريمة شرف"، وهو ما يمثل ربع جرائم القتل سنويا في كل أنحاء المملكة الهاشمية.
 
ويضغط الناشطون الحقوقيون على الحكومة الأردنية مطالبين بإلغاء المادة 98 من القانون الجنائي التي تطبق العذر المخفف على الجاني الذي يرتكب جريمته وهو في سورة غضب بسبب إقدام الضحية على عمل غير محق وعلى جانب من الخطورة، في حين رفض مجلس النواب الأردني مرتين تعديل المادة 340 من قانون العقوبات التي تفرض عقوبة مخففة على مرتكبي جرائم الشرف رغم ضغوط تمارسها منظمات تعنى بحقوق الإنسان لتشديدها، على أمل أن تقلّص الأحكام الجزائية الصارمة من عددها المرتفع. وفي لبنان، يرى الحقوقيون أن المادة 562 من القانون الجنائي والتي تنصّ على تخفيف العقوبة في حال ارتكاب الجاني لجريمته بهدف المحافظة على الشرف تجعل الإجرام في حق النساء سهلا وتمكن الرجال من الإفلات من العقوبة. أما في سوريا، ورغم غياب إحصاءات رسمية دقيقة حول عدد ضحايا جرائم الشرف، إلا أن مرصد نساء سوريا المستقل، الذي يهتم بحقوق المرأة، يقدّر أن يكون هناك حوالي 200 وفاة ناتجة عن جرائم الشرف سنويا.
 
ونظرا لهذه الإحصائيات المرتفعة لجرائم القتل بدافع الشرف في العالم الإسلامي أصبحت هذه الجرائم لصيقة بالمجتمعات الإسلامية، بل ويذهب البعض إلى القول إن هذا التصرف "يتمّ بناء على تعاليم الإسلام"، حيث يدعي روبرت سبنسر، رئيس وحدة مراقبة الجهاد التي ترصد الإسلام الراديكالي، وتوثق "جرائم الشرف" التي يرتكبها مهاجرون مسلمون في أميركا، أن "هناك دعم واسع وقبول لفكرة جرائم الشرف في الإسلام، ونحن نتوقع وقوع المزيد منها في الولايات المتحدة".
ويشير سبنسر إلى أن وكالات تطبيق القانون الفدرالية عجزت عن منع وقوع 6 حالات من هذا النوع خلال السنتين الماضيتين مؤكدا على ضرورة العمل بقوة من أجل منع حصول هذه الجرائم على الأراضي الأميركية.
 
وتزعم صحيفة "يو.إس.إيه توداي" الأميركية أن الجالية المسلمة المهاجرة إلى الولايات المتحدة جلبت معها هذه الجرائم التي تتعارض مع مبادئ المجتمع الأميركي المتحرّرة، مستشهدة بأحدث جريمة من هذا النوع وقعت في أميركا حين أقدم عراقي على قتل ابنته ذات العشرين ربيعا بسبب انتقالها للعيش مع صديقها الأميركي، ورفضها لزوجها العراقي، الأمر الذي أثار غضب والدها ودفعه لقتلها. وأدان المدعون الأمريكيون الأب العراقي بتهمة القتل.
 
وتصحيحا للأفكار الخاطئة والأحكام المسبقة التي تربط بين جرائم الشرف والدين الإسلامي، كشفت دراسة ألمانية أن لا علاقة بين الجرائم التي ترتكب تحت مسمى "جرائم الشرف" وبين الأديان، بل إن عمليات القتل هذه هي نتيجة لتراكمات تراثية وأفكار قبلية نشأت في المجتمعات التي يهيمن عليها الذكور، وهي عادة كانت تمارسها القبائل قبل ظهور الإسلام. وتؤكد الألمانية آنا كارولين كوستر، الباحثة في دراسات الأدب الشعبي في جامعة فرايبورج أن "العنف الذي يرتكب باسم الشرف لا يأمر به أي دين حتى الدين الإسلامي، ولكنها ترتبط بشدة بالمجتمعات الإسلامية لأنها تسجل أعلى النسب في هذه الجرائم".
 
وتشير كوستر إلى أن كثيرا من جرائم القتل التي تحدث داخل عائلات مسلمة يتم تصنيفها بشكل مسبق على أنها جرائم قتل شرف، حتى ولو لم تكن كذلك. ويدعي مكتب الجريمة الاتحادي الألماني أن حوالي 55 جريمة قتل وقعت في عائلات مسلمة خلال الأعوام التسعة الماضية وضعت تحت خانة "قتل شرف"، لكن كوستر ترى أن "هذا الرقم كبير جدا"، وحين قامت بتحليل 25 حكم محكمة صدر في جرائم قتل شرف، وجدت أن عشرة حالات فقط تدور بالفعل حول جرائم قتل تم التخطيط لها تحت اسم الشرف، لكن باقي الجرائم ارتكبت في الغالب بدوافع انفعالية مثل الغيرة.
 
وتوضح الباحثة في دراستها أن "ضحايا" جرائم الشرف لا يقتصرون على الإناث فقط، وإن كن يمثّلن الغالبية، فالذكور أيضا يقتلون بحجة "الذود عن السمعة"، فعندما يقيم رجل علاقة مع امرأة متزوجة على سبيل المثال يتم النظر إليه على أنه مجرم انتهك شرف غيره، وبالتالي وجب عليه حدّ القتل وتقيّد القضية، جريمة شرف. وفي هذا الإطار تنتقد كوستر توجيه المؤسسات والمنظمات التي تهتم بهذه الظاهرة والتي تركّز نشاطها على النساء متجاهلة الضحايا من الذكور، وتطالب الباحثة الألمانية بإنشاء مؤسسات حماية للرجال المهددين بالعنف على غرار المؤسسات المقامة لصالح المرأة.
 
ولا تكمن خطورة آفة جرائم الشرف الاجتماعية فقط في العدد الكبير من الضحايا، والذين تثبت براءة غالبيتهن من التهم الموجهة إليهن بعد مقتلهن، بل تكمن في انعكاساتها وتأثيراتها السلبية على تنمية المجتمع وتطوّره وعلى دور المرأة وعلاقتها بنصف المجتمع الثاني، والأهم من ذلك تأثيرها على صورة الإسلام والمسلمين في زمن وصلت فيها ظاهرة "الاسلاموفوبيا" إلى ذروتها وأصبح كلّ تصرّف "همجي" ينسب إلى الدين الإسلامي الحنيف، دون وجه حق
 
المتوسط اونلاين

زر الذهاب إلى الأعلى