الشاعرة عائشة الحطاب – الأردن
أَدْعُوكَ إِلَى رُوحِي؛
قَبْلَ النِّسْيَانِ الْأَخِيرِ
قَبْلَ الْقَتْلِ الْأَخِيرِ
فَهَلْ أَتَيْتَ كَيْ نَرْفَعَ رَايَاتِنَا الْغَابِرَةَ؟
وَهْجُ انْخِطَافِي أَبْحَرَ فَوْقَ خَوَابِي الْأَزْمِنَةِ
خُيُولُ أَحْلَامِي تَعْدُو وَتَبْحَثُ عَنْ خَوَافِيكَ
هَلْ أَسْتَعِيدُ يَقْظَتِي كَغَيْبُوبَةٍ الْآنَ،
وَأَسَافِرُ فَوْقَ الظِّلَالِ المُنْزَلِقَةِ؟
هَلْ أَعُودُ كَيْ أَلْمِسَ شُرُودَ المَسَاءِ،
وَأَعُدُو مِثْلَ مَلَاكِ الرَّغْبَةِ الْبَيْضَاءِ؟
*
تَعْتَعَنِي هَزِيعُ تَعَبِي
كَبُرْتُ قَبْلَ كُلِّ أَعْوَامِي،
فَأَمْسَى هُدْبِي يَرِفُّ عَلَى سَرِيرِ الاغْتِرَابِ
أَرَانِي كَارْتِدَادِ المَوْجِ
أَجْمَعُ دِفْءَ السِّنِينِ؛
مِنْ ضِلْعِ الشَّمْسِ
مِنْ فَوْقِ خَوَاءِ الْحَيَاةِ
دَمُ رُوحِي يَنْتَشِي لَهَبًا
يُكَبِّلُ الصُّرَاخَ
أُنَاجِي شُعْلَةَ الذَّاكِرَةِ بِدَهَالِيزِ الْغِيَابِ
أَرَانِي أَعُودُ إِلَى جَسَدِكَ مَفْطُورَةً
أَحُلُّ عُقْدَةَ حَاجِبَيِّ الْحُزنِ
رَغْمَ تَخُونُنِي أَحْلَامِي الْكَاسِرَةُ بَعْدَ المَنَامِ الْحَذِرِ.
*
دَمْعُ عَيْنَيَّ يَتَجَمَّرُ
يَسْكَرُ مِنْ شُعَلِ عَيْنَيكَ
ضَالَّتِي عِطْرُكَ المُتَلَبِّسُ بِجَسَدَي
مَا أَدْرَكْتُ امْتَلَاءً أَكْثَرَ مِنَ امْتِلَاءِ حُبِّكَ
دَعْ ظِلَّكَ يَقُودُنِي إِلَى حُجْرَةٍ خُرَّافِيَّةٍ
اقْتَرَبْ أَكْثَرَ
حُضُورُكَ يُغَيِّبُنِي وَيُبَاغِتُنِي
لِأَرْفَعَ مُسْتَكِينَةً رُوحَ الْغَفْلَةِ عَنْ حِجَابِ وَجْهِي
مِثْلَ هَيَاكِلَ سَاهِرَةٍ.
*
أَمْطَارُ رُوحِي خَافِتَةً تَتَنَدَّى
وَنَهْرِي وَحْشِيٌّ عَائِمٌ فِي فَرِادِيسِ عِشْقِكَ
أَيُّهَا الْأَوْحَدُ
شَاهَدْتُكَ رَاقِدًا تُعَانِقُ ذُهُولِي
شَاهَدْتُكَ بِدَوَامِ الْحُمَّى
بِشَرَارَةِ الْغَرَقِ تَذُوبُ مُشْتَعِلًا
نَسِيتُ الْكَلَامَ
نَسِيتُ صَمْتِي عَلَى شَفَتَيَّ يُزْهِرُ
أُفَتِّشُ عَنِّي فِيكَ
أَلْمِسُ وَجَهَكَ السَّرَابَ
أَدْخُلُ فِي غَيْبُوبَتِكَ مُمْتَطِيَةً رُوحِي الْبُرَاقَ
أَخْطِفُ الثَّوَانِي
أَدْخُلُ حُبْلَى بِالْحُبِّ،
وَمَخَاضَ الاشْتِهَاءِ كَالمُعْجِزَةِ
أَتَشَرَّدُ فِيكَ
أَنْهَمِرُ فِي ثَلْجِ قَلْبِكَ لَهَبًا
أَرْتَمِي بِالنَّظْرَةِ المَسْكُونَةِ بِالْعُنُقِ
رَمِّمْ رُوحِي الَّتِي رَسَمْتَ لَهَا مَلَامِحَ سَفِينَةِ هَجْرٍ
رمِّمْ رُوحِي الَّتِي لَا تُطِيقُ صَبْرًا
كُنْ صَلِيلًا
عُنْقُودًا يَنَامُ فَوْقَ عَرْشِ ذَاتِي
مَارِدًا كُنْ،
وَاحْمِلْنِي بَيْنَ أَصَابِعِ اللَّيْلِ نَدًى
غَطِّ جُرْحِيَ لِيَكُونَ هَامِشًا فِي بَيْتٍ مَهْجُورٍ
بَيْنَ صَمْتِكَ وَبَيْنِي
مَرِّرْ رَعْشَةَ الْكَلَامِ خَرَزًا يَرْتَعِدُ
دَعْ رُوحِي تُولَدُ وَتَمُوتُ بِبُطْءٍ عَلَى إِيقَاعِ دِفْئِكَ
لَنْ يُدَقَّ جَرَسُ الرَّحِيلِ بَعْدُ
إِنِّي أَسْمَعُ رُوحِي تَزْأَرُ
تَسْقُطُ فِي مِئَاتِ المَعَارِكِ المُقَامِرَةِ
فُكَّ كُلَّ قُيُودِ الْبَشَرِيَّةِ الَّتِي تُكَبِّلُنِي
قَيِّدْنِي بِقَيْدٍ يَكْسِرُ كُلَّ الشَّرَائِعِ
لَيْسَتِ الدُّرُوبُ إِلَّا أَنْتَ
أَنْتَ المُتَيَقِّظُ بِسُمُوِّ الْحُبِّ
أَحْبَبْتُكَ بِالْقُوَّةِ الْخَفِيَّةِ
زَرَعْتُكَ فِي حَلِيبِ الْعَظْمِ كَيْ أَنْبُتَ حَيَّةً بِكَ
يَا كُحْلًا وَضَّاءً فِي عَيْنَيَّ
وِسَادَاتُ الْعُمْرِ نَضَحَتْ فِرْدَوْسًا مِنَ الشَّوقِ
يَا قَاتِلي
لَا أُرِيدُ أَنْ أَمُوتَ إِلَّا بِكَ
لِأَحْيَا؛
أُعْلِنُ رَحِيلِي الْأَخِيرَ هُنَا فِي مَنْفَاكَ
أَنْتَ أَوْبَتِي،
وَخَدِيعَتِي الَّتِي أُسَمِّيهَا لُعْبَةَ الْحَيَاةِ.