أرشيف - غير مصنف

في ذكرى الانطلاقة…الجبهة الشعبية أحوج ما تكون لجورج حبش

 

في ذكرى الانطلاقة…الجبهة الشعبية أحوج ما تكون لجورج حبش

بقلم: زياد ابوشاويش

قبل توقيع اتفاق أوسلو التفريطي، وعشية انعقاد المؤتمر الوطني الخامس للجبهة، أصدر المكتب السياسي تعميماً داخلياً تناول أهم النقاط البرنامجية لمواجهة "القيادة المتنفذة في منظمة التحرير الفلسطينية المتجهة نحو التفريط" وذلك بتاريخ 12 / 1 / 1993. ورغم صوابية التحليل والاستنتاجات الواردة في التعميم فقد بقي موضوع مواجهة التفريط بحقوقنا مجرد حبر على ورق والأسوأ أن دعوات "إسقاط هذه القيادة المفرطة" تحولت بعد عدة سنوات إلى لقاءات تحت مظلة هؤلاء المفرطين والخونة على حد تعبير بيانات الجبهة التي استمرت في إصدار التعاميم والبرامج الثورية للمواجهة لتتبخر بعد ذلك تحت دعوى مواجهة العدو الواحد أو عنوان الوحدة الوطنية وتغير المعطيات، وهنا لابد من العودة مرة أخرى لهذه التعاميم، وهي داخلية وتحمل صفة الإلزام للأعضاء ولها طابع جدي للغاية. يقول تعميم اللجنة المركزية العامة للجبهة وهي ذات صفة اعتبارية وقيادية في الجبهة أعلى من المكتب السياسي أوائل كانون أول (ديسمبر) عام 1995 واستعرض العديد من العناوين أهمها عنوان المنظمة والسلطة، وفي الإجابة عن كيفية الحفاظ على منظمة تحرير مملوكة بيد عرفات و(المخطوفة) كما أسماها التعميم قالت اللجنة المركزية العامة:- "وما لم تتضح العملية الوطنية في الفرز الدائم والمعمق بين نهجين ويندحر الاختلاط والتداخل، ستبقى الغيوم فوق هذا المشروع هي السائدة".

السؤال المباشر هنا يقول هل حقاً جرى الفرز المعمق بين النهجين والاختلاط والتداخل الذي تحدث عنه التعميم أم جرى العكس؟ وهل زالت الغيوم من فوق مشروعنا الوطني أم زادت كثافة وسواداً؟. وحتى نكمل المسألة ويتضح حجم الثغرة التي لابد أن نعالجها اليوم قبل الغد وحتى تكون مناسبة الانطلاقة الثانية والأربعين بوابة مضيئة للرفاق في الجبهة الشعبية لقراءة أكثر جرأة وصراحة للمواقف السابقة وتصويب الأمور بشكل منهجي ينسجم مع استراتيجية الجبهة وتكتيكها الثوري لنقول أين أصابت وأين جانبها الصواب نعود للتعاميم الداخلية، ففي تعميمها الصادر أوائل تموز (يوليو) 1996 قالت اللجنة المركزية العامة للجبهة: " إن الدرس الأكبر الذي يستخلص من نتائج مسارنا بالشراكة أو الصراع مع اليمين الفلسطيني هو عدم سلوك سياسة عملية لحفر مجرى خارج سياق الإقرار بقيادته ". كما سجل التعميم العديد من الدروس الهامة لحقت بسابقاتها ولم تستفد الجبهة من ذلك رغم دقة هذا التعميم وعلميته.

بدأنا بهذه التعاميم ليس من باب اللوم أو تسجيل الملاحظات، فربما تكون نتيجة المراجعة لذلك تخطئة هذه التعاميم وغيرها من البيانات المدينة لأوسلو وللموقعين عليه، بل للفت الانتباه لمستقبل لا مجال فيه لأقوال لا تسندها الأفعال أو تمنحها المصداقية وعلى الخصوص فيما تصدره الجبهة الشعبية ذات التاريخ المضيء في مصداقيتها مع شعبها وجماهيرها والفصيل الذي مثل على مدار عقود من النضال والتضحيات صمام الأمان لطريق التحرير واستعادة الحقوق الفلسطينية كاملة.

اليوم يحاول البعض طمس هوية الجبهة السياسية والتشويش على خياراتها الفكرية عبر الحديث عن لغة مختلفة بين غزة والضفة والخارج أو الحديث عن اختلاط الأسس الفكرية بين اشتراكية علمية وأفكار قومية ووطنية ودينية، والمقصود من ذلك تهميش الدور المهم الذي يمكن أن تلعبه الجبهة في مسيرة التحول الديمقراطي الثوري في الساحة الفلسطينية الأحوج ما تكون له في ظل الانقسام الحاد بين قطبي المعادلة الوطنية في مرحلتها الراهنة وفشل كلا النهجين الفتحاوي والحمساوي في رسم الطريق الصحيح لاستكمال مشروعنا الوطني وضمان عودة الحقوق.

إن بعض قيادات الجبهة والمتحدثين باسمها يقدمون أحياناً الذرائع لمثل هؤلاء، كما أن المواقف المرنة والقابلة لتفسيرات متعددة تجاه مشاكل حادة وسلوك بعض هؤلاء في حياتهم الشخصية تعطي تصورات خاطئة عن حقيقة توجهات الجبهة وسياساتها المعتمدة آخذين في ذلك بعين الاعتبار الزوايا الحادة والضيقة التي تواجه الجبهة الشعبية بين وقت وآخر في مسار علاقاتها الوطنية والتزاماتها الداخلية.

الجبهة الشعبية وقفت قبل سنوات طويلة لتتحدث بصراحة وشفافية عن أزمتها العسكرية والتنظيمية والفكرية وغيرها من الأزمات التي واجهتها غداة الخروج من بيروت واحتدام الصراع داخل الصف الوطني الفلسطيني واللبناني، ولم تتردد الجبهة في تحديد حجم الأزمة على غير صعيد لكن الظروف كانت معقدة وصعبة فبقيت بعض تلك الأزمات بلا حلول حتى اللحظة، و مع ذلك ليس خطأ أن تقف الجبهة مجدداً لتراجع وتبحث عن حلول وهذا واجب القيادة والكادر والمناسبة التي نحتقل بها تستحق أن ننجز فيها شيئاً نوعياً.

الجبهة الشعبية تحتفل بعامها الثاني والأربعين في انتظار الإفراج عن أمينها العام أحمد سعدات والذي سيكون له تأثير كبير على مسيرة ونشاط الجبهة، لكن الحقيقة أن الجبهة الشعبية أحوج ما تكون اليوم للرجل الذي منحها كل حياته مؤسساً وقائداً وأميناً عاماً، تحتاج لفكره الثاقب ومواقفه المبدأية، وشخصيته الآسرة والمؤثرة للغاية في محيطه سواء داخل الجبهة الشعبية أو خارجها.

جورج حبش القائد الذي صعد بالجبهة درجات كبيرة للأعلى حين استخدم أفضل الأساليب الكفاحية في مواعيدها واتخذ أكثر المواقف مرونة في مواعيدها أيضاً. الرجل الذي كان لتحليله السياسي وتوقعاته المستقبلية أكبر الأثر على قرارات الجبهة الصحيحة والذي اتسم سلوكه كقائد بالمنهجية العلمية والنموذجية لتعليم الآخرين ولمصلحة مستقبل أكثر موثوقية للجبهة رغم كل الأزمات التي مرت بها الجبهة ومن بينها حالات الانشقاق التي عالجها الرجل بحكمة.

الجبهة تأثرت بخفوت الدور الذي بات يلعبه الحكيم بسبب المرض وانعكس ذلك في ظواهر كثيرة أدت في المحصلة لتراجع دورها في الساحة الفلسطينية والعربية والدولية.

إن الحاجة لحكمة جورج حبش تستدعيها ذكرى التأسيس التي كان له فضل إعلانه في 11/ 12 / 1967 ومع الحجم الكبير من إنجارات الجبهة وآلاف الشهداء كما الكثير من الإخفاقات والتراجعات تستدعي الذكرى ضرورة العودة للينابيع والمنطلقات التي حرص الدكتور جورج حبش على التمسك بها حتى اللحظات الأخيرة من حياته والتي جعلته يرفض قرار اللجنة المركزية العامة بالحوار مع قيادة المنظمة وفتح في مصر والأردن بعد اتفاق أوسلو، وكذلك رفضه العودة للداخل بتصريح إسرائيلي وتنسيق من السلطة الفلسطينية في رام الله.

الجبهة الشعبية التي علمت الجميع كيف تكون المواقف المبدأية دون تطرف أو مغامرة عليها أن تراجع اليوم كل مواقف جورج حبش أثناء الأزمات وكيف تصرف الرجل وما هي مواقفه داخل الهيئات الحزبية لأنه كان بوصلة الجبهة الأكثر دقة، ونشير أخيراً إلى ضرورة الإجابة عن السؤال الذي حيره كثيراً والقائل: لماذا أخفقنا وهزمنا رغم كل التضحيات التي قدمها شعبنا؟ تحية للجبهة الشعبية في ذكرى انطلاقتها والمجد لشهدائها ولكل شهداء فلسطين والأمة العربية.

[email protected]

 

 

 

زر الذهاب إلى الأعلى