أرشيف - غير مصنف

هل يخطئ الرئيس ؟

دكتور ناجى صادق شراب
ليس المقصود هنا رئيسا أو حاكما بعينه ، بل المقصود كل رئيس وكل حاكم فى أى نظام سياسى ديموقراطى أو غير ديموقراطى . لكن الأجابة على السؤال هى بفارق ديموقراطية أى نظام سياسى . فالنظم السياسية تتفاوت فى درجة عقلانية ورشادة أى قرار سياسى فيها أستنادا الى الدور الذى يمارسه الرئيس الفرد . وأن هذا التفاوت هو الذى يفسر مستوى التخلف والتقدم الذى يميز نظام عن ألأخر . وصحيح أن الحاكم الفرد هو القاسم المشترك بين كل النظم السياسية ، ألا أن المسافات شاسعة بين نظام سياسى يحكمه الفرد فى نظم تسودها الثقافة الأبوية ، وتلك النظم التى تسودها ثقافة مشاركة عقلانية . ففى ألأولى يسيطر الحاكم الفرد على كل جينات ومكونات النظام فى حين فى النظم ألأخرى لا يحكم الفرد بمفرده ولكن من خلال منظومة كبيرة ومتنوعة من المؤسسات السياسية والمؤسسات البحثية . وينعكس هذا على عقلانية السياسات ومستوى وحلول ألأزمات التى تعانى منها هذه النظم . وقديما صنف أفلاطون أشكال الحكم وأعتبر أفضلها أنظمة الحكم التى يحكمها العالم الفيلسوف ، وهذا دلالة على اهمية الحاكم العالم أو الحاكم الخبير . وهناك من يتحدث عن الحاكم التكنوقراطى والسياسى . وهناك أنظمة الحكم التى يستند فيها الحاكم على معتقد دينى والذى يذهب به ألى حد أنه يحكم بتفويض من الله ومثل هذا نظام الحاكم لا يخطئ ومنزه عن الخطأ لأنه لا يحكم بإرادته ، انما يحكم بإرادة ألهية ، وفى مثل هذه نظم قد يكون الشعب أو المعارضة ، أو القوى الخارجية هى من تخطا أو التى تقف وراء ألأزمات التى تعانى منها هذه البلدان ، المهم أن الحاكم لا يتحمل أى مسؤولية ، وهناك أنطمة حكم مقابله الحاكم فيها يحكم أستنادا وامتدادا لحكم ألأب المقدس لدى أبنائه ، والذى من العيب تحميله مثلا أنهيار أسرته أو ما تعانية من أزمات معيشية ، هذا النمط ينتقل الى الحاكم الذى يتحول ألى رب عائلة كبيرة ، ولذلك من العيب معارضته وعدم طاعته ، فى مثل هذا نظام الرعية هى من تخطأ وليس الحاكم و فى مثل هذه نظم تختفى المساءلة والعقاب للحاكم ، فليس هناك من يحاسبه ، وألأنكى فى هذه نظم أن من يتحمل ثمن أخطاء الحاكم هو الشعب من ماله وقوت وحياة ابنائه .
وهذه النظم التى يحكم فيها حاكم فرد تحت مسميات وعناوين متعدده تتفق كلها حول حقيقة واحده أن الحاكم فيها لا يخطئ ، والذى يخطئ هم ألأخرون .وتتماثل هذه النظم مع أنظمة الحكم ألأستبدادية والشمولية وألأتوقراطية الدينية ، والتى تنعدم فيها المسؤولية ، ويغيب فيها دور الفرد المواطن الذى يتحول الى مجرد أحد الرعايا المغيبين ، وهكذا يتحول المواطنون الى مجرد رعايا أشبه بقطيع الماشية التى يحرص راعيها على عدم خروج أى منها عن الطريق المرسوم لها ، وألا نصيبه الضرب والعقاب . وهذه الحالة السياسية هى التى تفسر لنا العديد من ألأزمات ألأقتصادية التى نكتوى بآثارها الكارثية ويدفع ثمنها المواطن ، ومن هذه ألأزمات ألأنهيارات المالية فى ألأسواق العربية ، والمديونية التى قد يكون سببها قرار خاطئ أتخذه الحاكم بالحرب مثلا ، أما الحاكم نفسه فلا يتضرر على ألأطلاق من هذه ألأزمات . وهل رأينا مثلا حاكما قد أعلن أفلاسه ماليا مثلا أو اقيل أو قدم أستقالته ؟ والحروب العديدة  التى قد يكون سببها قرار خاطئ يتخذه الحاكم نتيجة حلم ، أو لمجرد مغامرة ، لكنه فى النهاية قرار خاطئ أتخذه الحاكم بمفرده ودون حسابات تحتاج الى خبرة ومعلومات دقيقة فى التسلح ومعرفة موازين القوى ، ولدينا العديد من هذه الحروب فى منطقتنا العربية التى هى سبب كل التراجع ,ألأنحدار فى سلم قوتنا بين شعوب العالم ، وهناك قرارات تقف وراء العديد من ألأنتفاضات غير المحسوبة والتى أرجعت قضيتنا الى الوراء دون ان نجنى أى ثمار سياسية منها ، ولذلك نحن نجيد فن أضاعة الفرص السياسية بسبب القرارات الخاطئة التى يتخذها الحاكم ، دون ان يحاسبه أحد .وأذا ما تعمقنا فى التاريخ السياسى لشعوبنا العربية سنجدها محصلة تراكمات من ألأخطاء فى القرارات السياسية الخاطئة والعديدة التى قد أتخذها حكام ورؤساء دون محاسبة .
ويبقى السؤال هل من الضرورى أن يكون الحاكم عالما أو تكنوقراطيا أو خبيرا ، ؟ وألأجابة ليست بالضرورة نعم . والسؤال ثانية هل من حقه أن يصدر قرارته بمفرده ؟ وألأجابة تأتى بالنفى ، ، فالحاكم أولا وأخيرا هو أنسان وليس ملاك أو من فصيلة أخرى من كوكب آخر أهلها لا يخطأون . وطالما أن الحاكم هو أنسان ومن البشر العاديين ، فبالتالى معرض للخطأ ، بل قد يكون أكثر من غيره معرضا للخطأ، لتعقد المسائل والموضوعات التى عليه ان يتخذ قرارات بشأنها . ففى النظم التى تحكمها المؤسسات والمساءلة والمحاسبة ، يتراجع دور الفرد لصالح هذه المؤسسات ، وحرصا من الحاكم على تقليل هامش الخطأ يحمى نفسه بمشاركة الأخرين فى القرارات التلى يتخذها ، ومن هنا دور البحث والتفكر ، ودور الخبراء ودور العلماء ـ وأستحداث المؤسسات والهيئات المتخصصة والتى تقدم أقتراحاتها وخياراتها وتضعها أمام الحاكم الذى تقتصر وظيفته وبما لديه من خبرة فى أدارة صنع القرار ومتغيراته الداخلية والخارجية على أختيار الخيار ألأقرب ألى تحقيق المصلحة العليا لشعبه ، وهذا المعيار ليس له وجود فى أنظمة الحكم التى لا يخطئ حكامها لأن هذه المصلحة العليا من يحددها هو الحاكم فقط . وهنا يكمن الفارق بين أنظمة حكم مسؤولة وأنظمة حكم غير مسؤولة ، فى ألأولى هامش الخطأ يكون قليل ويمكن أستيعابه وأحتواء آثاره ، والكل يشارك فى تحمل المسؤولية ، والتى إن أقتضت تجبر الحاكم على أن يعلن مسؤوليته عن الخطأ وهذه هى قمة الديموقراطية والمساءلة والمحاسبة السياسية ، ونظام آخر الحاكم لا يعلن مسؤوليته عن الخطأ ويظل متمسكا بحكمه وسلطته ألى أن يأذن الله فى مصيره . وأخيرا خطا الحاكم من عدم خطأة يرتبط ببيئة سياسية كامله أساسها وقوامها ان تعاد صياغة العلاقة التعاقدية بين الحاكم والمحكوم ، والتى بموجبها يصبح الحاكم محكوم والمحكوم حاكما .
دكتور ناجى صادق شراب /أكاديمى وكاتب عربى

[email protected]

زر الذهاب إلى الأعلى