أرشيف - غير مصنف

في الصيف ضيَّعتِ اللبن

عبد النبي حجازي

       هبطت بنا الطائرة ليلاً في الجزائر العاصمة مطلع العام الدراسي 1971ومنذ الصباح مضيتُ إلى حيّ بلكور , جلست على الصخور أرنو إلى أمواج البحر تتكسر عليها . هنا كان يجلس الكاتب الفرنسي ألبير كامو (1913- 1960) الذي ولد في الجزائر وكان يحب كرة القدم ويلعب في نادي (شباب بلكور) العريق . عينت في مدينة الأصنام (الشلف) حالياً وفي أحد أيام العطل خرجت إلى الريف مع بعض الزملاء وتوقفنا عند بائع مرطبات في بلدة صغيرة وفجأة دوت الهتافات والتصفيق من غرفة مجاورة وإذا بعدد من الشبان يتابعون مباراة بكرة القدم . كان التلفزيون الجزائري ينقل أسبوعياً الشوط الثاني من إحدى مباريات الدرجة الثانية يتلوها نقل مباراة كاملة من الدرجة الأولى ويدهشك كثرة الإقبال على متابعة المباريات ومتابعة الصحف في اليوم التالي والحوارات الصاخبة وخاصة جيل الشباب , كما كان التلفزيون ينقل مساء كل أربعاء مباريات الأندية والفرق الوطنية الأوروبية مع التحليل.
 في الثالث عشر من نيسان/أبريل عام 1957أسست جبهة التحرير الوطني الجزائري بشكل سريّ فريقاً لكرة القدم ليحمل راية الثورة ويمثلها في المحافل الدولية قوامه اللاعبون الجزائريون في الفرق الفرنسية فتسللوا إلى تونس ونشطوا رغم أن السلطات الاستعمارية كانت تحاربهم .
بعد الاستقلال في العام 1962 نالت كرة القدم اهتماماً كبيراً من المسؤولين وتطورت وانتشرت وحقق المنتحب الوطني عدة انتصارات قاريّة حتى وصل إلى نهائيات كأس العالم مرتين متتاليتين عام 1982في إسبانيا وعام 1986في المكسيك .
       في العام 1930 تأسست كأس العالم لكرة القدم , وكان المنتخب الوطني المصري أول منتخب عربي وأفريقي يصل إلى النهائيات خلال دورتها الثانية في العام 1934 وكان يضم عدداً من اللاعبين البارزين منهم الكابتين محمد لطيف الذي أصبح فيما بعد مدرباً وإدارياً ثم واحداً من أهم المعلقين الرياضيين على المستوى العربي والأفريقي وكان يمتاز بأسلوبه الحيويّ الجذاب . خاض المنتخب المصري مباراة واحدة مع منتخب المجر الذي كان من أهم الفرق في العالم سجل فيها عبد الرحمن فوزي هدفين وكان أول لاعب عربي وأفريقي يسجل هدفاً في كأس العالم وتلقى المنتخب المصري أربعة أهداف وانسحب لأن نظام تلك الدورة كان على طريقة (خروج المغلوب) ولقد حققت مصر رقماً قياسياً بنيل كأس بطولة أفريقيا للأمم ست مرات .      
إن جمهور كرة القدم في مصر وخصوصاً الفنانين والإعلاميين لابدّ أن يكون واحدهم زملكاوياً نسبة لنادي الزمالك وكان منهم محمد عبد الوهاب , أو أهلاوياً نسبة للنادي الأهلي وكان منهم فريد الأطرش , وفي مصر نجوم كرة القدم يضاهون نجوم المسرح والسينما والتلفزيون .   
       يشبهون الوطن العربي بنسر قلبه مصر والسودان وجناحاه المشرق والمغرب وما أقسى أن يفرد جناحيه ليحلق فيحاول من فقد رشده أن ينتف منه ريشة . كنى نتمنى أن يتفق العرب على إنشاء فريق قومي لكرة القدم لكننا كما يبدو لايوحدنا سوى الجرح: كالجرح الفلسطيني والجرح العراقي .

زر الذهاب إلى الأعلى