مسامير وأزاهير 123 … ذنب ( البرادعي ) أنه رشح نفسه للرئاسة !!!.
مسامير وأزاهير 123 … ذنب ( البرادعي ) أنه رشح نفسه للرئاسة !!!.
بادئ ذي بدء …
أتمنى ألا تذهب الظنون بكم بعيداً لأنني اخترت أن أكتب في البرادعي تحديداً وما يلاقيه هذه الأيام من حملة شعواء تشنها عليه وسائل الإعلام المصري الرسمي ، فيعتقد البعض الكرام من القراء بأنني ربما قد صرت مديرا للحملة الخاصة بترشيح الدكتور محمد البرادعي ( المدير العام السابق للوكالة الدولة للطاقة الذرية ) !!، ومع اعتزازي الشديد واحترامي للدكتور البرادعي فإن كل معرفتي به إنما تنحصر تحديداً بما سمعت وقرأت عنه في وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة حين كان في منصبه السابق ، غير أن اهتمامي به قد ازداد أكثر إثر الهجمة الشرسة التي طالت شخصه بعدما ( تجرأ وفكـّر ورأي !! ) بأن يترشح لانتخابات رئاسة مصر القادمة !!، وبذا فإن شخصه لا يعنيني ( إن فاز هو أو فاز غيره ) بقدر ما يعنيني من الأمر كله الموقف المتناقض والغريب والمخجل للإعلام الرسمي المصري حيال الدكتور البرادعي قبل عزمه الترشح وبعدها !!.
ما هي إلا لحظات فاصلة تلت إعلان الرجل عن نيته الترشح للرئاسة المصرية حتى تبدل المشهد المحيط به تماماً ، حيث أثيرت الزوابع والأعاصير ، وانتقل الرجل من وجهة نظر الإعلام المصري الرسمي من خانة الوطنية والابن البار لمصر ( حين كان بمنصبه السابق وحتى دقيقة سبقت إعلانه الترشح للرئاسة المصرية ) إلى خانة الخيانة والتآمر على مصر ومستقبلها السياسي ، وأنه يعمل وفق أجندة أمريكية وحاملاً لجنسيتين وغيرها من الاتهامات والأوصاف!!.
بالأمس القريب ، وتحديداً حين كان الرجل في منصبه السابق، كانت صحف مصر الرسمية قد دأبت وتهافتت على نقل أخبار تحركات الرجل وتنقلاته واجتماعاته ، كما وراحت تسبغ عليه أوصاف التبجيل والتقدير والإعجاب بما ينجزه لمصر وللعالم أجمع، فأطلقت عليه من الألقاب ما لا يُعد ولا يُحصى ، ولم ينس ذاك الإعلام أن يعزو نجاح البرادعي في عمله السابق إلى حنكة وحكمة القيادة المصرية التي رشحته لهذا المنصب الرفيع ، هذا كما ونال الرجل نصيبه من التبجيل والإطراء على لسان الرئيس مبارك ذاته في احتفالية خاصة أقيمت لتكريم الدكتور البرادعي عام 2005 إثر نيله جائزة نوبل للسلام مناصفة حيث وصفه الرئيس مبارك بـ ( الابن البار لمصر ) وأنه ( نبتة طيبة من أرضها الطاهرة ) وأنه ( قد رفع شأن مصر عالياً بجهوده واقتداره وتفانيه بعمله )!!.
أما اليوم … وما أن أرسل الدكتور البرادعي بيانه إلى وسائل الإعلام ( الرسمية ) المصرية يعلن فيه عن استعداده للترشح لرئاسة الجمهورية ومبيناً في ذاك البيان شروطه الخمسة لذاك الترشح حتى انقلبت صورة الرجل تماماً فصار يُرى بعين غير العين التي رأته أيامذاك فوصفته بأحلى الأوصاف وأرقاها ً، حيث تعرض لحملة إعلامية شعواء ( منظمة ) من قبل نفس الصحافة المصرية التي طالما تغنت بأمجاده المهنية وما حققه لمصر والعرب من سمعة طيبة !!، فما الذي قاله البرادعي حتى يعيد إعلام مصر النظر بما أنجزه وحققه !!؟، وما الذي اقترفه الرجل من خطأ حتى تنقلب صورته من وطني وابن بار لمصر لينال بعدها مباشرة شتى الأوصاف والعبارات التهكمية والتجريحية !!؟.
وجواباً على ذينك التساؤلين أقول ، بأن الرجل ما كانت ستتغير صورته المشرقة والرائعة تلك لولا أنه :
1. قد ( تجرأ ففكر ثم قرر !! ) بأن يجرب حظه ويمارس حقه في أن يلج من باب الترشيح لينال كرسي الرئاسة المصرية القادمة !!.
2. رجل غير عادي بالمرة وذو مواصفات قل نظيرها ويحمل تجرية دولية غنية تغنيه كثيراً عن عناء الشهرة والانتشار بين أوساط الشعب المصري ، فهو ذو ثقل دولي محترم جاء لينافس على كرسي الرئاسة المصرية التي كانت حكراً لأكثر من ربع قرن للسيد الرئيس مبارك !!.
3. قد ( تجرأ ) فطالب بأن يتم تغيير السياسة الانتخابية الدارجة والمفروضة واقترح بأن ترافق الانتخابات القادمة شروط خمسة هي : إنشاء لجنة قومية مستقلة ومحايدة تنظم العملية الانتخابية، إشراف قضائي كامل علي الانتخابات، وجود مراقبين دوليين من الأمم المتحدة، فتح باب الترشيح أمام جميع المصريين، تنقية الجداول الانتخابية.
ذاك والله باختصار شديد ما ( اقترفه ) الدكتور البرادعي ( من ذنب !!) حين طالب بأن تكون انتخابات الرئاسة القادمة حرة ونزيهة ، وأن يتاح لكل مواطن مصري فرصة الترشح للرئاسة ، مما سبب الضيق والحرج لقادة الحزب الوطني الحاكم فأوعزوا للصحافة الرسمية المصرية التي تسير بركابهم كي يشنوا حملتهم ضد الرجل والتي تراوحت بين :
1. محسوبيته لأمريكا وتسهيله احتلال العراق عام 2003!!.
2. أنه يحمل ضغينة لمصر ( متناسين تماماً ما قاله الرئيس مبارك بحقه عام 2005 من أنه ابن مصر البار !!) .
3. أنه يريد تغيير الدستور وتفصيل بنوده على هواه ورغبته ، فتذرعوا بأن (( لم يعد أمامنا وقت لتعديل الدستور)) حسبما جاء على لسان أحد مسؤولي الحزب الوطنى !!!.
4. أنه حامل لجنسيتين أحدهما المصرية ، وذاك أمر نفاه البرادعي جملة وتفصيلاً في لقاء صحفي مع جريدة الشروق المصرية مؤكداً أنه لا يحمل غير الجنسية المصرية!!، .
سبحان الله في قادة الإعلام المصري الرسمي ، كل ذلك يجري الآن للبرادعي فيما تناسى هؤلاء جميعاً أنهم كانوا قد تسابقوا عام 2005 على تهنئته إثر حصوله على جائزة نوبل للسلام حيث كتبوا في الرجل الكثير من مقالات التبجيل والإطراء!!، والأغرب من كل هذا وذاك ، أن كل ذلك يجري للرجل وهو جالس في بيته و ( لم يقرر بعد !! ) إن كان سيرشح نفسه للرئاسة فعلاً أم لا!!، ومادامت الحملة شعواء هكذا وهو لم يقرر بعد ، فما الذي سيقال عنه وبأي وصف سيوصف إذا ما قرر فعلاً دخول سباق الرئاسة لينافس مرشح الحزب الوطني الحاكم سواءً إن كان السيد الرئيس مبارك أو ابنه جمال!!؟.
وأتساءل … أليس من العيب أن يتم تحريف الحقائق وأن يعامل شخص بمنزلة البرادعي ابمثل ما عومل به الذي طالما طبل له وزمر في السابق لينقلب ذاك التمجيد إلى حملة شعواء لمجرد بيانه ذاك الذي أقام الدنيا ولم يقعدها :
أولاً… أن يأتي رئيس تحرير صحيفة الجمهورية القاهرية لينتقده بطريقة استخفافية على اعتبار أنه لا يفقه بالشأن المصري بالقول (( ليس هناك اعتراض علي البرادعي كمواطن مصري حاز علي سمعة عالمية وشغل منصبا مرموقا. لكن الاعتراض علي الطريقة التي صاغ بها بيانه وشروطه التي تجعل قبوله الترشيح ضربا من المستحيل وسط هذا المجتمع.. المصريون البسطاء الذين لا يعرفهم البرادعي لا يقبلون أبدا من يفرض عليهم شروطا.. حتي لو كان عالما جليلا في حجم د.محمد البرادعي))… انتهى الاقتباس ، فهل أن ما طرحه البرادعي من شروط شفافة ونزيهة للمشاركة بالترشيح يتناقض وما يطالب به المصري العادي و( الغلبان )!!!، وهل أن البرادعي لا يعرف المصري البسيط ( على حد زعم كاتب المقال ) إذا ما تذكرنا أن أمه ماتزال تعيش في قريته المصرية الصغيرة التي ولد فيها!!.
ثانياً … أقتبس نص ما كتبه السيد رئيس تحرير صحيفة الجمهورية القاهرية عن البرادعي بعد إعلانه عزمه على الترشح للرئاسة المصرية (( ان البرادعي كان له دور في غزو العراق عام 2003 ، عندما صرح في بيانه أمام مجلس الأمن في 27 يناير 2003 قبيل غزو الولايات المتحدة للعراق بأن فريق الوكالة الدولية للطاقة الذرية لم يعثر "حتي الآن" علي أنشطة نووية مشبوهة في العراق، لكنه فجأة غير موقفه عقب اجتماع قيل إنه عقد مع كونداليزا رايس وقال إن هناك 377 طنا من المتفجرات مخبأة في العراق وأنه لم يعلن عنها في بيانه الأول لأنه لم يكن متأكدا من وجودها ))… انتهى الاقتباس!!، وأتساءل بدوري:
1. أقرأ يوماً أحدكم من قبل مقالاً للسيد رئيس تحرير صحيفة الجمهورية المصرية تضمن فيه اتهاماً صريحاً أو مبطناً للدكتور البرادعي ( حين كان في منصبه السابق ) بأنه قد سهل للولايات المتحدة الأمريكية غزوها واحتلالها للعراق!؟.
2. وإن كان الجواب للتساؤل السابق بالنفي ، فلم إذن تزامنت اتهاماته مع نية البرادعي على الترشح !؟.
3. هلا أوضح لنا السيد رئيس التحرير موقفه وموقف النظام المصري من الاحتلال الأمريكي للعراق عام 2003!!؟.
4. هل كانت الولايات المتحدة الأمريكية ( وتابعتها الذليلة بريطانيا ) بحاجة لتقرير البرادعي ليعطيها المبرر لها على موقفها من غزو العراق واحتلالهـا، أم أن قرار احتلال العراق وتغيير النظام كان معداً سلفاً ومن سنين طويلة ، هذا إذا ما تذكرنا ما بيـّـنه توني بلير في معرض دفاعه أمام اللجنة التحقيقية مؤخراً والتي تبحث في أسباب اشتراك بريطانيا في حرب العراق حيث أجاب بأنه شخصياً قد أيد بوش بغزوه العراق ( رغم علمه بخلو العراق من تلك الأسلحة )!!،
ثالثاً … كان الدكتور عبدالمنعم سعيد ( رئيس مجلس إدارة الأهرام ) قد بذل النصح للبرادعي في أن يلتقط أنفاسه قبل أن يفكر بالترشيح لانتخابات الرئاسة المصرية في منطق غريب وأسلوب مج ، وكأن البرادعي قد اشتكى للدكتور سعيد من إعياء أصابه متناسياً بأن هناك من هو ما زال على كرسيه صامداً برغم الأعباء وكبر السن وطول فترة الجلوس عليه !؟، وأقتبس مما قاله حرفياً (( الجديه التي تليق بصاحبنا هنا تبدا بالمصارحه معه ان سبعه وعشرين عاما من البعد عن مصر تحتاج منه ان يلتقط انفاسه قليلا بعد تجربه عريضه في منظمه دوليه مهما كانت مرموقه,)) …انتهى الاقتباس!!.
رابعاً … راح الدكتور عبدالمنعم سعيد يمارس بإتقان لعبة ( قولة الحق التي يراد بها باطل !!) حين أظهر تأييده لدعوة البرادعي للتغييرات الدستورية الجوهرية التي طالب بها من جانب ، فيما كانت السخرية تملأ كلمات السيد سعيد حين وجه كلامه للبرادعي قائلاً وأقتبس نصاً (( وكل ذلك لا يمنعني من الاتفاق مع الرئيس السابق للوكاله الدوليه للطاقه الذريه ان مصر تحتاج الي تغييرات دستوريه جوهريه, ولكن هذه التغيرات ينبغي لها ان تاتي من خلال نقاش وحوار مصري عميق بين القوي السياسيه المختلفه التي تعبر ايضا عن مصالح متنوعه وليس استنادا الي اشاره من بعيد استدعتها’ اراء واصوات’ قادمه من جماعات مصريه لا يوجد مقياس واحد يقول بانها تمثل حقا الشعب المصري.))… انتهى الاقتباس من مقالة الدكتور سعيد ، وأتساءل :
1. مادام الدكتور سعيد يعترف بضرورة إجراء التغييرات الدستورية والنقاش والحوار ، فلـِمَ لـَمْ يـَجـْر إذن من قبل هذا النقاش والحوار المصري العميق بين القوى السياسية وصولاً لتحقيق الغاية المنشودة !!؟.
2. لـِمَ انتظر السيد عبدالمنعم سعيد طيلة هذه المدة فلم يطالب بمقالاته اليومية والأسبوعية إجراء مثل ذاك الحوار والتغيير إلا بعد ظهور البرادعي كمرشح قوي للرئاسة ومطالبة الأخير أن تكون الانتخابات شفافة ملبية لطموح أبناء الشارع المصري!!؟.
وأقول في مسك ختام مقالي هذا بأن :
أولاً … أن الحقيقة الناصعة تؤكد أن صورة البرادعي الخلابة والبراقة تلك والتي كان عليها قبل أن يعلن عن نيته الترشح قد تغيرت تماماً بعدما أدلى ببيان عن نيته الترشح للرئاسة المصرية القادمة ، فاذا باللسان الرقيق ينقلب وبالفكر يتغير وقلم الإطراء والتبجيل الذي طالما مـُجـّدَ به يستبدل بسيف جارح ماض ، فراح ذاك الإعلام ذاته يتهم البرادعي تارة بأنه عميل أمريكي وتارة أخرى بأنه رئيس مستورد لمصر وأنه من تواطأ على غزو العراق واحتلاله متناسياً في الوقت ذاته بأن النظام المصري كان وما زال وسيبقى أقرب لأمريكا من غيره من الأنظمة العربية قاطبة!!.
ثانياً … لقد كان بيان البرادعي ذاك بحق أشبه ما يكون بالحجر الكبير الذي ألقي في مياه بركة راكدة لسنوات طوال فحرك موجاتها الساكنة بشدة مطالبة بتحقيق مستلزمات إجراء انتخابات شفافة ونزيهة !!، وأنه كان رسالة إحراج للنظام من شخصية مرموقة ذات ثقل دولي حاملة لجائزة نوبل للسلام ولقلادة النيل كانت قد جاءت برسالة مفادها بأن عملية تداول السلطة فى مصر إنما تحتاج إلى تغيير جوهري وإعادة نظر بسبب القيود التي وضعت في الدستور المصري والتي جعلت الرئاسة لا تخرج بأي حال من الأحوال عن الحزب الوطني الحاكم ، وأنه كان ( طوق نجاة ) لابد من استثماره بشكل جيد للخروج من حالة الركود السياسي التي تخيم على مصر منذ سنوات طويلة!!.
ندعو الله العزيز القدير أن يحفظ مصر وشعبها من كل شر وأن يمنحها الطمأنينة والأمان والرخاء كي تمارس دورها العربي القومي وتأخذ بأيدي شقيقاتها العربيات نحو بر الأمان … وإياها!!.
اللهم آمين.
سماك العبوشي
14 /12 / 2009