أرشيف - غير مصنف

الصبي ذو الشعر الأحمر

موسى أبو كرش

 
رنّ جرس شقتي متواترا، وتحت إلحاح رنينه ، وجدتُني أنسلّ من فراشي متثاقلا ، وأتجه إلى الباب ، وما أن فتحته حتى وجدته أمامي.. صبيا صغيرا ناعما بشعر أحمر ، يحمل على كتفيه سنيه الثماني ، وكيسا ممتلئا حتى فيه بأدوات تجارته.. وقبل أن اسأله عن حاجته ، أنزل كيسه وعرض عليّ براحتين حريريتين أدوات منزلية بلاستيكية، فقلت له: لا حاجة لنا بآنيتك يا بني ولدينا منها الكثير.. فقال على طريقة بائعي غزة الصغار الذين دفعهم الحصار إلى ترك مقاعدهم الدراسية والتوجه إلى السوق: " رزقني يا حاج " ، ودون ترددــ أخرجت من جيب معطفي خمسة شواقل ، وقبل أن أمدّها إليه، قال بصوت ناعم تملؤه الثقة : أنا لست شحاذاً.. فاسقط في يدي، ولم أجد بدأ من شراء بعض ما لدي هذا التاجر الجديد … فقلت هيّا أرني ما لديك ، فعرض عليّ ثلاث قطع بلاستيكية متداخلة بألوان مختلفة، تتوسطها عصارة برتقال، و جميعها مغلفة بكيس شفاف من النايلون، وقال هذه باثني عشر شيقلا . فقلت له كلا . هذه بعشرة.. فقال ببراءة طفل يلبس ثوب تاجر : بعشرة شواقل سوف أخسر ، إضافة إلى تعبي ودوراني في الحي .. قلت في ذاتي " العشرة لا تستحق حتى عناء صعودك الدرج إلى الدور الخامس". .ابتسمت للأحمر الصغير، وأخرجت له خمسة عشر شاقلاً متمنياً ألاّ يعيد إليّ المبلغ المتبقي، ولكنه سرعان ما أرجع إلي شواقلي الثلاثة ، و هرول الدرج سعيداً ، بعد أن خفت حمولته، ورأيتني أتعقب خطواته وهو يختفي في ثنايا السلم كفراشة ضلت طريقها، و استعد في الوقت ذاته لخوض معركة، ستنشب عما قريب حول هذه الأواني  .. من أن جاءت ؟ ومن وضعها على منضدة الطعام ؟و و و.

زر الذهاب إلى الأعلى