اتشحت المدن والأحياء والأزقة الشيعية في أرجاء العراق بالسواد إيذانا ببدء مراسم عاشوراء ذكرى استشهاد الإمام الحسين بن على بن ابي طالب في واقعة الطف قبل أكثر من14 قرنا في مدينة كربلاء/118 كم جنوبي بغداد/.
وتعتبر واقعة (الطف)، وهي معركة وقعت بين الحسين وجيش تابع ليزيد بن معاوية ، من أكثر المعارك جدلاً في التاريخ الإسلامي. وقال ابو عبد المهدي الزاملي /58عاما/ متقاعد "تم استكمال نصب السرادق وستفتح أبوابها من الصباح إلى المساء لاستقبال المعزين فضلا عن إقامة محاضرات دينية يشارك فيها كبار رجال الدين لاستذكار واقعة الطف".
وأضاف " منذ سقوط (الرئيس العراقي الراحل) صدام حسين وحتى الآن تتسع مراسم العزاء في العراق وتأخذ أشكالا متنوعة". ورفع الشيعة ملايين الرايات السوداء والملونة فوق قبب المزارات الشيعية وفوق أسطح المنازل والشوارع العامة والفرعية والدوائر والمؤسسات الخيرية ومقار الأحزاب الدينية والمساجد والحسينيات.
ورفعت ملايين اخرى من اليافطات وغطت قطع قماش سوداء طويلة واجهات المراقد والمزارات الدينية وخاصة في كربلاء والنجف ، كما أرتدى الشيعة من الأطفال الرضع الى الصبيان والنساء والرجال والشيوخ الملابس السوداء لاستذكار واقعة (الطف) التاريخية.
ومنذ الغزو الامريكي للعراق وسقوط نظام صدام حسين اتسعت مظاهر إحياء أيام عاشوراء بشكل ملفت للغاية بعد ان كان ممنوعا اقامة هذه الشعائر والاقتصار عليها في المساجد في ظل اجراءات أمنية مشددة.
وقال مهند الاسدي / 43عاما/ موظف حكومي "قررت هذا العام قضاء ايام عاشوراء بمدينة كربلاء وقرب ضريح الامام الحسين واخيه العباس والاستماع للمحاضرات الدينية التي سيلقيها كبار رجال الدين واداء مراسم الطقوس في هذه المدينة التي تشهد وضعا أمنيا أكثر هدوءا من المدن الاخرى".
وأضاف "نأمل ان تكون ايام عاشوراء فرصة للتوحد ونبذ الخلافات والابتعاد عن الصراعات الطائفية وان يستلهم الجميع من مآثر وبطولات الامام الحسين وايثاره من اجل وحدة الاسلام".
واستعدت المساجد والحسينيات لاستقطاب كبار رجال الدين لإلقاء المحاضرات الدينية لاستذكار المناسبة والاستعانة بآخرين يطلق عليهم محليا اسم/ الرواديد/ وهم من يقومون بألقاء قصائد شعرية حماسية ترافقها فعاليات الضرب على الصدور والظهور والوجه.
وقام آخرون ببناء آلاف من السرادق والخيم في الشوارع العامة والاحياء والازقة لتقديم وجبات الطعام على طول النهار والمشهورة باسم (الهريسة) اضافة للعصائر والشاي والقهوة ومن ثم اقامة مراسم العزاء ومن أبرزها الضرب بالسلاسل على الظهور وضرب الرأس بآلات حديدية جارحة حتى يسيل الدم من الرأس.
ولا تقتصر الاستعدادات على هذه الاماكن فحسب بل يشمل ايضا المنازل حيث تقام مجالس عزاء منفصلة للرجال واخرى للنساء تتخلها وجبات فاخرة من الطعام والحلويات والعصائر.
وسينفق العراقيون خلال أيام عاشوراء وحتى اربعينية الامام الحسين أموالا طائلة لتقديم وجبات طعام فاخرة والعصائر والمياه المعدنية وتشغيل المولدات الكهربائية الصغيرة ونصب السرادق وشراء مستلزمات الانارة للمواكب التي تقام على مدى ايام عاشوراء.
ويتميز العراقيون الشيعة عن أقرانهم العراقيين من الطوائف الاخرى بارتدائهم الملابس السوداء لنحو 50 يوما حيث هيأت مئات المتاجر والاسواق أنواعا مميزة للملابس السواء بمختلف الاحجام والموديلات تلبي حاجة الاطفال الرضع والصبيان والنساء والرجال بعضها تم استيراده من خارج البلاد فضلا عن أعلام سوداء وملونة باحجام واشكال متنوعة.
وقال مرتضى العامري/36عاما/صاحب محل تجاري "تم تهيئة مستلزمات ايام عاشوراء من الملابس والاعلام والعصائب والدفوف والسيوف ومواد الانارة والطبول وكل ما يلبي هذه الايام وبأسعار مناسبة".
وأضاف "هناك عشرات من المواكب الحسينية استكملت شراء مستلزماتها بوقت مبكر واخرى استفادت من خزينها من العام الماضي".وستكون أيام عاشوراء فرصة للاحزاب الدينية لعرض برامجها الانتخابية والترويج لدعايتها الانتخابية واستعراض قدراتها من خلال جذب جماهيرها في مواكب عزاء يحضرها كبار قادة هذه الاحزاب وسيشارك هؤلاء القادة جماهيرهم في هذه المراسم في مجالس وتجمعات جماهيرية من اجل استذكار المناسبة وحشد الدعم الشعبي لهم في الانتخابات البرلمانية التي ستجرى في 7 اذار/مارس المقبل.
وتتسع مشاهد العزاء في المدن الدينية وخاصة كربلاء والنجف والكاظمية حيث تبلغ مراسم العزاء ذروتها بمشاركة عشرات الاف من الوافدين من دول الجوار والخليج والهند باكستان ولبنان والعراقيين المغتربين في خارج البلاد.
واتخذت السلطات العراقية اجراءات أمنية مشددة في هذه المدن حيث كما وضعت القوات العراقية من الجيش والشرطة في أرجاء البلاد في حالة استنفار قصوى وانذار لمنع وقوع أعمال عنف كما تم الاستعانة بمئات من أجهزة الكشف عن المتفجرات والكاميرات لمنع اي خروقات امنية.
ونشرت مدينة كربلاء والنجف قواتها في الشوارع وخارجها بالاستعانة بقوات عسكرية من المدن المجاورة لتأمين الانسياب في حركة الوافدين لاداء مراسم الزيارة واحياء ايام عاشوراء.
وستكون ايام عاشوراء مصدر قلق للاجهزة الامنية والعسكرية بسبب اتساع دائرة المراسم التي سيؤديها الشيعة وبعضها تستمر لساعات متأخرة من الليل مما يتطلب جهدا استثنائيا لتأمين الحماية ومنع حصول ثغرات امنية تؤدي الى وقوع انفجارات واعمال عنف في ظل المخاوف من غياب الجهد الاستخباري لدى القوات العراقية.