الجالية المسلمة… أميركا ليست أوروبا

جيمس زغبي

في أعقاب مذبحة قاعدة "فورت هود" العسكرية والاعتقالات الأخيرة التي طالت بعض الشباب الذين يريدون الارتباط بأنشطة إرهابية دولية خطيرة، وآخرين بدا أنهم كانوا على وشك تنفيذ أعمال إرهابية في الولايات المتحدة… طُرحت أسئلة من قبل سياسيين ووسائل إعلام مثل: هل لدينا مشكلة إرهاب داخلي؟، وهل أصبحنا مثل أوروبا؟ وفي هذا السياق، تلقيتُ دعوة الأسبوع الماضي للإدلاء بشهادتي أمام لجنة تابعة للكونجرس. وكنت سعيدا لأن اللجنة تعاملت بحذر مع الهستيريا الجنونية التي انتابت بعض وسائل الإعلام، وسعت بدلا من ذلك إلى نقاش جاد ورصين، لأنني أعتقدُ أن المسألة ليست بالغة الأهمية بالنسبة لأمننا القومي فحسب، وإنما تمثل كذلك اختبارا لشخصيتنا القومية.
 
بدأتُ شهادتي بالقول إننا لسنا مثل أوروبا لأن وضعنا في الولايات المتحدة مختلف جدا. فقد سبق لي أن تحدثتُ مع أكراد في ألمانيا، وجزائريين في فرنسا، وباكستانيين في إنجلترا… جميعهم من الجيل الثالث، لكنهم مازالوا يعيشون على هامش مجتمعاتهم. فهم مجرد "ترك" أو "إيرب" أو "باكي"… وليسوا بريطانيين أو ألمانا أو فرنسيين. وعلاوة على ذلك، فإنه لا توجد أي مجموعة إثنية تحدد معنى أن يكون المرء أميركيا. فمع توالي الأجيال، أصبحت جاليات متنوعة وأشخاص من خلفيات دينية مختلفة من كل بقاع العالم أميركيين. وهم لم يصبحوا أميركيين فحسب، وإنما أميركا أيضا تغيرت. ونظرا لهذا التاريخ الغني من الاندماج والانصهار، فإن الأشخاص الذين هاجروا حديثا من بلدان عربية وإسلامية يأتون إلى هذا البلد والظروف مهيأة لاستقبالهم واستيعابهم.
 
ثم هناك اختلاف مهم آخر بين وضعنا ووضع أوروبا، يكمن في حقيقة أن الناس هنا لا يبقون على الهامش. فبفضل الحراك الاجتماعي والاقتصادي المتاح لهم، يقوم المهاجرون بإطلاق أعمالهم الخاصة. فمثلا أفراد الجالية اليمنية في كاليفورنيا الذين التقيتهم لأول مرة قبل حوالي 30 عاما عندما كانوا عمالا في المزارع، أصبحوا اليوم أصحاب شركات ومشاريع تجارية، وأبناؤهم يدرسون في الجامعات.
 
ثم هناك موضوع آخر جدير بالبحث والتأمل ويتمثل في أننا منخرطون في عدد من الحروب الدولية، وهو أمر له تداعياته، إما لأن الأمر يتعلق بأقطار تمثل البلدان الأصلية لأفراد يعيشون هنا في الولايات المتحدة، أو لأن ثمة من يسعى لاستغلالها كـ"صدام للحضارات".
 
وكل هذه الأمور تزيد من حدة التوتر وتؤجج المخاوف وتجعل النقاش الهادئ والرصين أكثر صعوبة. لكن رغم ذلك، فالأغلبية الساحقة من الأميركيين العرب والمسلمين يرفضون هذا الصدام، حيث يعملون في إطار العملية السياسية المتاحة، ويحاربون التمييز وجرائم الكراهية، ويجهرون باختلافاتهم السياسية كمواطنين، وليسوا كأجانب. غير أن بعض الشباب المهمشين من هذه الجاليات أصبحوا معرضين لعدوى التطرف. وهنا من المهم التأكيد على أن سلوكهم لا يعكس سلوك بقية أفراد جالياتهم، وأنهم يظلون فئة قليلة على الهامش. ففي آخر حالتين، كان آباء الشباب وأشخاص من المسجد الذي يرتادونه هم من أبلغوا عنهم وتعاونوا مع السلطات الأمنية.
 
والواقع أن هذا الشكل من أشكال التطرف الذي يؤدي إلى سلوك مناوئ للمجتمع لطالما شكل مشكلة في بلدنا. وقد رأيناه من قبل؛ حيث شاهدنا عمليات تجنيد بين المؤمنين بتفوق الجنس الأبيض، و"الأمة المسيحية"، ومنظمات مثل "الفهود السوداء"، و"عصبة الدفاع اليهودية"، و"الجيش الجمهوري الإيرلندي"… إلخ. ذلك أن إغراء وجاذبية الأيديولوجيا الطاغية والنظرة الرومانسية للتشدد، إضافة إلى الأسلحة والتدريبات والشجاعة الزائفة، تمثل بالنسبة لبعض الأشخاص علاجا للتهميش والشعور بالعجز. وها نحن نرى الشيء نفسه مرة أخرى؛ لكن مع مجموعة مختلفة من الناس اليوم.
 
لقد اطلعتُ على عشرات الحالات المماثلة التي تتعلق بشباب مسلم. ولئن كانت ثمة اختلافات كثيرة علينا أن نأخذها في عين الاعتبار حتى لا نضعهم كلهم ضمن سلة واحدة، فإن نسق التهميش الذي يؤدي إلى العنف باعتباره علاجا للتهميش، يبدو أنه عام ومشترك، وهو ما ينبغي معالجته؛ لكن بواسطة مبضع وليس مطرقة ضخمة، لأننا إذا لم نعترف بأن الأمر يتعلق بسلوك هامشي وطبقنا بدلا من ذلك مقاربة تشمل كل أبناء الجالية بدون تمييز، فسنواجه خطر زيادة هذا التهميش وتكريسه، مما يزيد من صعوبة التعامل مع المشكلة.
 
واليوم، تستجيب المنظمات الإسلامية الأميركية بفعالية لجهود التعاطي مع المشكلة، حيث تتواصل مع السلطات الأمنية، وتعمل مع جالياتها لخلق بدائل سياسية حتى يستطيع الشبان الجهر باختلافاتهم مع السياسة الرسمية بطرق إيجابية. كما أن السلطات الأمنية تتعاون أيضا مع هذه الجاليات، وعلى نحو فعال. وعلاوة على ذلك، لدينا رئيس فسح المجال أمام الحوار مع العالم الإسلامي سعياً لخلق أجواء أكثر إيجابية.
 
وهكذا، فإن حل هذه المشكلات يكمن في الإبقاء عليها في سياقها وتزويد الشباب بوسائل لتخطي التهميش، والاستمرار في تطوير علاقات وثيقة بين الجاليات والسلطات الأمنية لمعالجة المشاكل أثناء وقوعها. والمؤكد أنه ليس تغيير قيمنا وردود فعلنا، مثلما يقترح البعض، وإنما التمسك بها والاستمرار في القيام بأحسن ما نقوم به
 
Exit mobile version