د محمد احمد النابلسي
رئيس المركز العربي للدراسات المستقبلية
منذ قمة بيروت عام 2002 والعرب أصحاب مبادرة سلام اودعوها تنازلات كانت لها تسميات أخرى قبل عام واحد اي قبل حوادث 11 سبتمبر. فبعد هذه الحوادث اصبحت التنازلات حكمة واصبح الإنخراط في الحرب على الارهاب مزية خاصة مع قبول التعريف البوشي للإرهاب الذي يشمل مقاومة الاستعمار وحركات التحرير الوطنية وكل ما كان يسمى ثورة شعبية ووطنية قبل سنوات فقط.
العالم يعرف بصراحة عدم الرغبة الاسرائيلية بالسلام بعد تصالحها مع مصر التي يعيش فيها نصف العرب. ولم تعد اسرائيل بحاجة الى النصف الآخر المشتت والمختلف لغاية العداء وتراكم الاحقاد التاريخية. ومع ذلك واصل الفلسطينيون او على الاقل قسم منهم مواجهة الاسرائيليين متابعين كفاح المطالبة بحقوقهم الوطنية والانسانية.
لمن يذكر فقط جال في منطقتنا وزير خارجية بوش الرئيس الجديد آنذاك في 28 فبراير 2001 وكان يحمل للزعماء العرب رسالة مفادها ان الرئيس الجديد غير مهتم بالانتفاضة المندلعة آنذاك ولا بالصراع الفلسطيني الاسرائيلي بل ان أولويته هي العراق وتحديداً اسقاط النظام العراقي ولو بالقوة والاحتلال.
بعدها بعام واحد ووسط اصرار واشنطن على ملف العراق جاءت قمة بيروت لتطرح المبادرة العربية للسلام وسط استمرار اللامبالاة الاميركية والاسرائيلية بالموضوع. فالسعي وقتها كان لتهيئة ظروف احتلال العراق وتغيير الخارطة العربية بمشاكرو اسرائيلية متخفية.
وها نحن نلعب لعبة السلام منذ 2002 ولغاية اليوم بل اننا نخضع في كل مرحلة لشروط تقضي بتقديم تنازلات اضافية. حتى بتنا مقسمين الى عرب ملائكة وعرب شياطين. والشياطين هم أولئك الباقين على اصرارهم على مواجهة اسرائيل. وطبعاً الباقون على عروبتهم.
إغتالوا الرئيس ياسر عرفات ولم يجروء اقرب مقربيه على البوح بمعلومات اغتياله الا بعد سنوات. واستبدلوا عرفات بعباس واحتلوا العراق بحرب "الصدمة والترويع". ومع ترهيب كل العرب في المنطقة ودفعهم للتقرب من الاميركيين اتقاء لارهابهم وترويعهم باتت المنطقة في حالة تنويم مغناطيسي يجعلها تتقبل كل الايحاءات الاميركية والاسرائيلية بدون تفكير.
وبعد فشل النموذج العراقي في ديمقراطية بوش جاء دور لبنان ليقدم كنموذج لتلك الديمقراطية عبر الفوضى البوشبة البناءة التي قامت على استغلال دماء الشهيد الحريري والمتاجرة بها. ليتبين بعدها كذب كل الادعاءات والاتهامات والشهود الذين بنوا تلك القضية المفتعلة. لكننا بتنا تحت حكم حكام ثورة الارز وهم جماعة اللوبي اللبناني الاميركي الذين كنا نسميهم قبل واقعة الاغتيال بالصهاينة اللبنانيين. وهؤلاء باتوا يحكمون البلد الذي حرروه ويلقوننا أصول الوطنية والحرية والسيادة.
ولنعد مرة اخرى الى شتاء 2001 حين قالت كونداليزا رايس في مؤتمرها الصحفي عقب تسلمها رئاسة الامن القومي نهاية يناير 2001 قالت ان ادارة بوش الجديدة لا تجد الطريق ممهدة امام حل لقضية الشرق الاوسط. وبسؤالها عن الحل المتصور قالت: انها كونفيديرالية تضم اسرائيل الى الاردن والدولة الفلسطينية وتضم لاحقاً دولا عربية أخرى. واليوم يعرف الجميع ان رايس كانت في صلب قرار احتلال العراق وان إيماءتها كانت للعراق وقتها. ولو جرت الأمور في العراق وفق أهواء إدارة بوش لكان الحديث اليوم عن ضم العراق الى هذه الكونفيديرالية. ويبدو ان الوضع العراقي المأزوم لم يغير مجرى هذا المشروع. حيث تفيد مصادرنا الخاصة أن مستشاري وكالة سي آي اي بالتنسيق مع فرع الدراسات بسفارة الولايات المتحدة في بيروت قاموا مؤخراً بعرض الفكرة من خلال ثلاث ورقات (غير أنيقة وبدون اخراج لتوحي بانها مشاركة في الافكار) على نخبة مغلقة ومحدودة العدد من الشخصيات السياسية المستقلة لكن القريبة من الافكار الاميركية ومن السلام!. وقدمت الورقة على انها: (افكارا طازجة تماما حول حل جذري ونهائي للصراع الفلسطيني ـ الاسرائيلي على مستوى مشروع اقليمي جديد يطرح لاول مرة بصورة تفصيلية. وهي تتعلق بمشروع جديد لحل الصراع يحمل اسم "كونفدرالية الاراضي المقدسة" ويتحدث عن اقامة علاقة اتحادية كونفدرالية بين ثلاث دول في المنطقة هي المملكة الاردنية الهاشمية واسرائيل والدولة الفلسطينية في حال قيامها). وتتحدث الورقة صراحة عن مشروع مالي ودولي ضخم على نمط مارشال لدعم الاتحاد الكونفدرالي الجديد وتحقيق الاسترخاء والتنمية في فلسطين والاردن وتنص صراحة على امكانية عودة اللاجئين الفلسطينيين للاردن او فلسطين فقط وليس لاسرائيل في باطن المقترحات. هذا وعرضت المقترحات على الشخصيات التي سئلت مع هوامش محددة من بينها القول بان هذا المشروع هو الوحيد المنطقي الذي يمكن ان يحقق التنمية في المنطقة وينهي الصراع ويحل مشكلة القدس، ويضع اطارا معقولا ومقبولا للعودة مع الرخاء الاقتصادي للجميع، والأهم القول بأن هذا الاطار هو وحده الذي يمكن ان يتكفل بتحقيق "امن اسرائيل" وحتى يهودية كيانها. وما لم تقله الورقة ان هذه الكونفيديرالية ستكون الحل المعروض لعراق ما بعد الانسحاب الاميركي.
قدرنا ان نعيش زمن الكذبات الكبيرة والتضحيات الاكبر والانتهاكات الاعظم لكل قيمنا الوطنية والقومية والدينية. فماذا نقول عن مساعي السلام العربية في السنوات السبع الاخيرة بعد ما قالته رايس وبدأت هيلاري كلينتون بتنفيذه.
ومع معرفتنا بكل هذه الوقائع وامكانية الاطلاع عليها بسهولة فائقة وبطرق عديدة فان بعضنا لا يزال ينتظر السلام ويسعى صادقاً اليه. وبعد ان حملنا عروبتنا عاراً منذ العام 2005 لمجرد رفضنا قبول احتلال العراق وتكفير حماس وإستعداء سوريا لنا اليوم ان ندعو الآخرين لحمل عار عروبتهم بعد ان اختفى العرب من كل معادلات المنطقة السياسية التي باتت موضوع تقاسم نفوذ تركي ايراني اسرائيلي.
هم يحملون العار لأنهم اداة إلغاء انفسهم وإلغاءنا معهم…. ولينتظروا الدولة الكردية في العراق والكونفيديرالية مع اسرائيل ليكملوا عارهم. فقط نحذرهم من التفكير بضم لبنان الى الكونفيديرالية الاسرائيلية لاننا عندها سنطالب بتقسيم لبنان ليكون لنا لبنان خارج تلك الكونفيديرالية.