أرشيف - غير مصنف
محمد بن راشد يعترف ودبي تغرق في الظلمات!
تتجه مدينة دبي إلى تنازلات جوهرية عن استقلالها الاقتصادي وتفعيل ارتباطها بالدولة ككل، بعد وقت طويل انفردت فيه الإمارة بالشكل الذي أوصلها لأزمتها الاقتصادية المالية الحالية، والتي أجمع كثير من المحللين الاقتصاديين، ومنهم من كان يعمل مستشارا في مكتب حاكم دبي، إلى أن على حاكم دبي أن يغير في آلية الاستشارة الاقتصادية التي لديه والقيام بإجراءات إصلاحية عاجلة كي لايسقط حلم دبي وتغرق المدينة بالمديونية.
فقد رفض المقربون من حاكم دبي، في بداية الأزمة، اعتبار المديونية خطأ استشاريا في المقام الأول، حيث كان يتوجب على طاقم المستشارين أن يزرعوا الشك في قلب الحاكم حيال الإفراط في الإنفاق على المشاريع الاستثمارية التي تأتي بأموالها من طريق الاستدانة.
إلا أن البعض يرى أن حاكم دبي نفسه قدّم صورته للمستشارين كاقتصادي متحمس لايقبل أي تردد في قبول المشاريع العملاقة، وحتى لو أوحى له المستشارون بتخوفاتهم إلا أنه لايستجيب بسبب ثقته المفرطة باقتصاد الإمارة الذي ينهار الآن أمام عينيه. فضلا عن تسرعه بقبول مشاريع لايمكن رسم نتائج دقيقة لها.
من هنا يحمّل كل الاقتصاديين الشيخ محمد بن راشد حاكم دبي مسؤولية ماآلت إليه الأمور في الإمارة التي أغرقها الإنفاق العشوائي والمتحمس حدّ التهور والغرور. من أجل هذ كله تنازل الحاكم عن انفراده بإمارته كي تقبل العاصمة التدخل في سداد الدين.
من هذه الإجراءات التي تمت في مدينة دبي، إلا أن نقلها تم على الصعيد الإعلامي بدون تركيز خاص، أو بدون إشارة على انها اجراءات مرتبطة بأزمة دبي المالية، وشروط ابو ظبي لإرسال ملياراتها، والتي يبدو أنها نجحت في فرض شروطها على الإمارة المغامرة، فجاءت القرارات الاقتصادية التي اتخذها الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، حاكم دبي، استجابة لشروط العاصمة التي أصرت عليها لقبول المساعدة في إسعاف دبي، ومن هذه القرارات التي أصدرها الحاكم بتاريخ 17 من الجاري والتي تعكس اعتراف الحاكم بمجموعة الأخطاء التي ارتكبت:
"إصدار القانون بشأن إدارة الأموال العامة لحكومة دبي، والذي تضمن العديد من الأحكام التي تعالج إدارة الأموال العامة العائدة لحكومة دبي، وليحل بذلك محل القانون رقم /18/ لسنة 2006 ".
ويلاحظ المراقب في هذا القانون أن فحواه إظهار الجانب الحكومي في إدارة المال العام، وهو من شروط أبو ظبي الأساسية، خصوصا أن الدائنين ربطوا ديون دبي مابين كونها خاصة وسيادية، ماجعل أبو ظبي تتعامل مع الأزمة كأمر واقع حتى لو تمت الإشارة إلى أن ديون دبي غير سيادية.
القانون الثاني، "تنظيم إعداد الموازنات السنوية للجهات الحكومية، سواء الجهات المدرجة موازناتها السنوية ضمن الموازنة العامة للحكومة أو الجهات التي تتمتع بالاستقلال المالي ولديها موازنات مستقلة أو الجهات التي تتلقى دعماً مالياً من الحكومة من خلال الموازنات الملحقة".
هنا، مجددا يلحظ القارئ سلطة العاصمة المركزية في موازنات الإمارة، حيث يعمل هذا القانون على إعادة تنظيم الميزانية وإيضاحها لجهة رسمية لاتعترف بالاستقلال السابق للموازنة، كما أن القانون ركز حتى على "الجهات التي تتلقى دعما ماليا من الحكومة". وفي ذلك إشارة إلى أن ماحصل في السابق وفشل دبي بفصل ديونها عن الدين السيادي، أدى إلى أن يكون من حق الدولة الآن الاطلاع على ميزانيات الجهات التي تلقت منها دعما ماليا. وهذا يؤكد مجددا انتصار أبو ظبي بإعادة دبي الى ارتباطها الطبيعي بميزانية الدولة والتحكم الفاعل بإنفاقها أو على الأقل المعرفة المسبقة به وطريقة عمله، اي أن القانون يكتسب صبغة رقابية واضحة، ويبدو أنها شروط أبو ظبي مرة أخرى.
القانون الثالث، "إلزام الجهات الحكومية بعدد من الضوابط والمعايير والإجراءات، التي تهدف إلى ضبط الإنفاق العام والسيطرة على الإيرادات الحكومية، وتوفير قاعدة بيانات دقيقة حول مواردها ونفقاتها، ومن بين الجهات الحكومية، التي تم إلزامها بذلك، الجهات الحكومية التي تتمتع بالاستقلال المالي، حيث أوجب عليها القانون توفير كافة البيانات المتعلقة بموازناتها السنوية وحسابها الختامي لدائرة المالية والاعتماد على مواردها المالية وعدم الحصول على أي مخصصات من الموازنة العامة، إلا على شكل قروض واجبة الأداء في مواعيد استحقاقها، وضرورة أن يتم اعتماد موازناتها السنوية من اللجنة العليا للسياسة المالية في الإمارة".
القانون الثالث وحده كشف أبعاد قبول أبو ظبي بضخ المليارات، التي يبدو أنها كانت محدودة بانتظار الإجراءات التي سيتخذها حاكم دبي لتأكيد سلطة المركزي الاماراتي، وفي هذا القانون الثالث، يلاحظ القارئ، الإصرار على توفير قاعدة بيانات دقيقة لجهة إنفاق المال العام وإيرادات الحكومة، والذي يؤكد سلطة الدولة هنا، هو إصرار القانون على أن تكون الجهات المالية التي تتمتع باستقلال مالي تندرج تحت هذا البند بصفة خاصة. كما أنه أكد عليها بألا تتلقى قروضا من الدولة إلا بتحديد موعد السداد. هنا يعمل هذا القانون على توضيح فكرة كيف تحولت ديون دبي الخاصة الى ديون سيادية مع أن أصحاب القرار امتنعوا عن الاعتراف بذلك في الأيام الأولى. ولزيادة تأكيد التدخل الحكومي الرقابي يأتي قانون آخر حيث إلزام " الجهات الحكومية، التي تتمتع بالاستقلال المالي، وكذلك الشركات الحكومية، بتحويل فائض إيراداتها إلى الخزانة العامة للحكومة، باعتبارها إيرادات عامة، وأجاز القانون، وبموافقة اللجنة العليا للسياسة المالية وبالتنسيق مع مؤسسة دبي للاستثمارات الحكومية، إعادة استثمار الأرباح وفوائض الإيرادات قبل تحويلها إلى الخزانة العامة للحكومة، على أن يتم تزويد دائرة المالية بالبيانات المالية الكاملة عن هذه الأرباح والفوائض، ليتم احتسابها ضمن الإيرادات العامة للحكومة".
يلاحظ من طبيعة هذه القوانين، تأكيد السلطة الرقابية للحكومة حتى على المؤسسات التي تتمتع باستقلال مالي، حيث يتم انتفاء هذا الاستقلال لطالما قام عملها على نوعية ما من الاستدانة عبر القروض، التي عادة ماتكون ذات طبيعة مسهّلة نسبيا للمقترِض. فأكد القانون على تحديد موعد قطعي للسداد، إضافة إلى تقديم الجهة المستفيدة من التمويل الإقراضي كل بياناتها اللازمة للحكومة. بحيث يتم تحويل الفائض الى الخزانة العامة للدولة، باعتبارها فقدت استقلالها السابق.
يرى المراقبون أن القرارات التي أصدرها حاكم دبي هي بمثابة استجابة كاملة للتدخل الحكومي في سداد الدين. وهذه القرارت تعني أن الحكومة المركزية لن تقبل مجددا ان تتحمل عبء دين هو يعتبر نفسه أصلا غير سيادي، بينما حقيقة العجلة الاقتصادية والمالية في دبي تؤكد تداخل المال الحكومي بالمال الخاص على الأقل لجهة التمويل الإقراضي بتسهيلاته السابقة. من هنا كانت المليارات العشرة في البداية، التي كانت تنتظر القرارات التنازلية لمالية دبي عن استقلالها السابق، وتفعيل الاستشارية العامة وربط الميزانية الخاصة بميزانية الدولة ومعرفة الأخيرة بتفاصيل القرض والجهة المستفيدة وملاءتها المالية بالكامل.
سامي أبو عسلي (السياسي)