ألا يخافون الله
رضوان جراف
هكذا خرج الصحفي المتميز في قناة الجزيرة جمال ريان عن أصول مهنة الصحافة، و هو يحاور أحد ضيوفه حول إقدام القيادة المصرية على بناء الجدار الفولاذي التحت الأرضي على الحدود مع غزة، و تعبيرا على حالة من الحنق الشديد التي قد يصل إليها أي مسلم عربي من جراء الخذلان و الضغط الذي تمارسه هذه القيادة العميلة على المجاهدين و المقاومين من أبناء الشعب الفلسطيني، حتى يسلموا و يستسلموا لمنظمة العدو الصهيوني الغاصب،
و لا نعرف الثمن الذي ستقبضه القيادة المصرية هذه المرة، و لا حجم و لا عمق المؤامرة التي تحيكها الولايات المتحدة الأمريكية و عملائها من القيادة المصرية، ضد الشعب الفلسطيني الصامد و لصالح ربيبتها "إسرائيل"، عبارة الصحفي جمال ريان و هو يوجه إلى ضيفه سؤال إلا يخافون الله، و هو يقصد بذلك القيادة المصرية، ذكرني بمستملحة كان أحد أصدقائي المصريين قد حكاها لي، و تقول المستملحة "أن الرئيس المصري السيد حسني مبارك سأل بعض من مستشاريه عن من هو الأفضل هل انا الرئيس حسني مبارك أم الرئيس أنور السادات، فرد عليه المستشارون أنت طبعا يا فخامة الرئيس، فسألهم عن السبب، فأجابوه : أنور السادات كان يخاف من أمريكا و أنت لا تخاف منها، فسألهم طيب و من أحسن أنا أم جمال عبد الناصر، فردوا عليه طبعا أنت لأنك عبد الناصر كان يخاف من الإتحاد السوفياتي و أنت لا، فسألهم الثالثة، من أحسن أنا و لا الخليفة الثاني عمر ابن الخطاب فأجابوه بدون تردد، طبعا أنت، فسألهم لماذا، فقالوا : سيدنا عمر ابن الخطاب كان يخاف من الله و أنت لا تخاف من أحد". طبعا النكتة باللهجة المصرية و من مصري يكون وقعا أكثر على الأذن، لكن ما يهمنا هو أن هذه النكتة التي سبقت سؤال جمال ريان بسنوات تلخص ما يمكن أن نعتبره واقع لا ينطبق فقط على القيادة المصرية، و لكن يتجاوزها إلى عديد الأنظمة العربية، الأمر هنا لا يتعلق بالخوف من الله من عدمه، و لكن الأمر يتعلق بمدى الوفاء البعض لخيارات الأمة حتى و لو كانوا لا يؤمنون بوجود الخالق الذي يتساءل جمال ريان عن عامل الخوف منه في تحديد المواقف، فالتاريخ مليء بشواهد عن شخصيات لم تكن تعترف بوجود الله أصلا، و لكنها لم تخن وطنها و لم تبع عهدها و لم تخذل أبناء جلدتها أو تتآمر ضدهم كما هو الحال بالنسبة للنظام المصري، مصر الآن هي الممثل الشخصي للرئيس الصهيوني "النتن ياهو"( من النتانة)، التي تقوم بالضغط على حماس للتوقيع على اتفاقية الاستسلام الوطني التي كانت قد وافقت على بنودها مع بعض التحفظ، و لكن كان ذلك عندما كان عدد صفحاتها ثمانية صفحات، لكن القيادة المصرية و بعد الموافقة المبدئية من حماس على الصفحات الثمانية أضافت إلى هذه الأخيرة ستة عشر صفحة كلها بنود تقديم فروض الولاء و الطاعة للكيان الصهيوني، و فرض للشروط التي لم تستطع إسرائيل أجبار حماس على قبولها بقوة السلاح و الدم، و هي الأمور التي تم رفضها من طرف أحرار الشعب الفلسطيني و ليس حماس وحدها، في الوقت الذي وافق عليها عباس و زبانيته من الخونة. و أمام هذا التعنت الحمساوي و الذي أصاب القيادة المصرية بإحباط شديد، تم إقرار بناء هذا الجدار الفولاذي التحت أرضي، و الذي يحتوي على مجسات لكشف الأنفاق، كوسيلة جديدة لتضيق الخناق على حماس و على الشعب الفلسطيني في غزة، و العجيب في الأمر أن ذلك يتزامن مع ذكرى مرور سنة على المحرقة لصهيونية ضد أطفال و نساء غزة. و كأن لسان الحال يقول أن المحرقة مستمرة بنفس الأطراف المشاركة في السابق، و لكن هذه المرة بنار باردة تقتضي قتل الشعب الفلسطيني جوعا و عطشا، داخل سجن كبير اسمه غزة و يضم أكثر من مليون و نصف معتقل حر.