أرشيف - غير مصنف

الهم واحد وان اختلفت الأوطان

 مصطفى صالح السعيد

كان سياتل –Seattle – زعيم قبيلة دواميش  وسكواميش التي امتهنت صيد السمك في شمال الغرب الأمريكي-Northwest – . ومدينة سياتل أخذت اسمها من اسمه . وقد ألقى الكلمة التالية قبل تسليم أراضي القبيلة  الى المستعمرين البيض حيث وجهها ألى اسحق ستيفنز –Isaac Stevens – في سنة 1854. وهذه الكلمة لا تعبر عن مشاعر ه وحده فقط بل تعبر عن مشاعر كل الشعوب التي تعاني من نير الاحتلال والقهر. وقد يتعدد المستعمرون لكن نهجهم واحد في اذلال الشعوب ذلك النهج الذي يولد مشار واحدة   لدى الشعوب الرازحة تحت نير الاستعمار والعبودية فالمشاعر ايضا واحدة رغم اختلاف الأماكن والأزمان!

 
 
 
 
التراب المقدس
الزعيم سياتل
 
 السماء العالية تلك التي تبدولنا خالدة ، قد تتغير يوما ما، تلك السماء  التي طالما بكت دموع الرحمة على شعبي لعصور لا تعد ولا تحصى. فاليوم الطقس جميل لكنه قد يكون غداً ملبّدا بالغيوم. وكلماتي كالنجوم الخالدة التي لا تتغير أبداً. فكل ما يقوله سياتل يمكن للرئيس الكبير القابع في واشنطن أن يعّول عليه ، وعليه  ان يكون واثقاً من ذلك وثوقه من  أن الشمس ستشرق من جديد وأن الفصول ستعود.   فها هوالزعيم الأبيض يبلغني تحيات الرئيس الكبير في واشنطن : تحيات الصداقة والمودة !. وهذا لطف منه ليقيننا أنه غني عن صداقتنا في مقابل ذلك. فشعبه كثير العدد كالعشب الذي يغطي السهوب الشاسعة  وشعبي محدود العدد  مبعثر  كأشجار في سهل اجتاحتة عاصفة. فأنا لن اطيل الحديث عن افولنا الذي جاء قبل وقته ولن أبكي على ذلك ولن ألوم اخواننا ذوي الوجوه الشاحبه الصفراء   لتعجيلهم بيوم فناءنا،   فنحن ايضا  لابد أن يلحقنا  اللوم بطريقة ما…
 إلهكم ليس إلهنا ، فالهكم يحب شعبكم ويكره شعبنا. فهو يحنو بذراعيه القويتين المنعتين   ضاماً ذوي الوجوه الصفراء الشاحبة ويأخذ  بأيديهم كما يقود الأب الحاني طفله الصغير_ لكنه تخلى عن ابناءه الحمر- ان كانوا حقاً ابناءه. والهنا ، الروح العظيمة،   قد تخلى هو ايضا عنا. فالهكم يمدكم بالقوة كل يوم وعما قريب ستملئون الأرض. اما شعبنا فيتلاشى منحسرا انحسار الجَزْر بعد مد لن يعود ابدا. واله الأنسان الأبيض لن يحبنا أو يحمينا. فنحن كالايتام لا ناصر لنا نلجأ اليه. قل لي بربك : مالذي يجعلنا اخوة؟!… فنحن وأنتم عرقان متمايزان من أصول   لارابط يربطها كما أن مصائرنا متباعدة ايضاً. فلا شيء يجمعنا.
 ولكن هناك فرقاً بيننا وبينكم  فنحن نقدس رماد اسلافنا الذين يرقدون بسلام في باطن الأرض.  اما انتم فقد ابتعدتم كثيراً عن قبور اسلافكم دون ندم ولا مبالاة. و ربكم  نقش دينكم على ألواح من من حجر باصبعه الحديدي كي لا تنسوه. و الانسان الأحمر لا شأن له بدينكم ، فلن يستوعب او يتذكره.  فديننا هو تراث أجدادنا- احلام أهلنا الطاعنين في السن   اوحاه اليهم الروح العظيم في ساعات الليل الهادئة، و هو رؤى زعماء قبائلنا ، فطبع  واستقر في قلوبنا .
 
 أما موتاكم   فلا يحبونكم و لايحبون  الديار التي ولدوا فيها  فهم ينسون ذلك لحظة تجاوزهم أبواب اللحود راحلين بعيدا الى مابعد النجوم.  و أنتم تنسونهم سريعاً وهم لن يعودوا اليكم ابداً. أما موتانا فلن ينسوا مطلقا ً الحمى الدافئ الجميل الذي درجوا فيه.
 الليل والنهار لا يلتقيان . فطالما  هرب الانسان الأحمر بعيدا عن نهج الانسان الأبيض  كما يهرب الضباب   أمام شمس الصباح.   لكن ، يبدو اقتراحكم مقبولاً واحسب أنه يلاقي قبول شعبي  الذي سينحاز الى المحمية التي تكرمتم بها علينا. وعندها سنعيش بسلام بعيدا عنكم…. فما عاد يهمنا أين نقضي ما تبقى  من اعمارنا فأيامنا باتت معدودة. اشهر قليلة ،  وفصول شتاءنا اصبحت محدودة ولن يبق اي من سلالات الحشود العظيمة التي  طالما دبت  على وجه هذه الأرض الرحيبة أو عاشت في بيوتها السعيدة ، ترعاها  الروح العظيمة، لن يبق احد منها يبكي قبور شعب كان اكثر  استقرار وسلاماً وقوة منكم! لكن لماذا اندب نهاية شعبي التي حلت قبل موعدها؟ فهذه هي الدنيا: قبيلة تتلو قبيلة وأمة تخلف امة كأمواج البحر. هذا هو نظام الطبيعة ،فالحسرة لن تجدي نفعاً. وقد يكون يوم نهايتكم بعيداً ، ولكنه آتٍ آتٍ حتى وا ن كان انسانا أبيض سار معه الهه وكلمه كما يكلم الصديق صديقه ، رغم  هذا فلن ينجو من النهاية المحتومة التي تحل بالناس جميعا، وعندئذ قد نكون اخوانا متساوين . انتظروا فانا معكم منتظرون…
ولتعلموا أن شعبنا يقدّس كل بقعة من هذه الأرض . ففي الأيام الخوالي قدّس شعبنا سفوح الهضاب و التلال كلها والوديان والسهول والبساتين، قدسها جميعا في السراء والضراء. فالغبار الذي تدوسه اقدامكم هذه اللحظه يلامس أثار اقدامهم    بحب غامر لا تعرفه أقدامكم ، فهذا التراب جُبِلَ بدماء أجدادنا ،وأقدامنا الحافية تحس بلمسات الحنان تلك. وحتى الأطفال الصغار الذين عاشوا هنا وطفقوا مرحاً هنا لفصول قصيرة سيعشقون  هذه البراري المكفهرة ويرحبون في المساء بعودة الروح العظيمة التي تظلهم . ومع هلاك آخر أنسان أحمر تصبح ذكرى شعبنا اسطورة يتسلى بها البيض  لكن حذار! ستعج هذه الشواطيء   بمن ماتوا من شعبي لكنكم لن تروهم ولا يظنّن أبناؤكم انهم وحدهم في الحقول والمتاجر والمخازن ، وعلى الطرقات السريعة وفي صمت الغابات التي لم تطرقها الأقدام ،   فاطفالنا هناك في كل مكان فالديار ليست لكم وحدكم.. وفي الليل عندما تسكن شوارع مدنكم وقراكم لا تحسبوا انها اصبحت مهجورة ،  بل هي تعج بالحشود العائدة التي عاشت على هذه الأرض الطيبة وعشقتها. فالبيض لن يكونوا ابدا وحدهم .
كونوا ايها البيض عادلين  وعاملونا بلطف واحسان ، فأن الموتى لا تعوزهم القوة. أقلت " الموتى"؟   لا يوجد شيء اسمه الموت بل  انتقال  من عالم الى عالم آخر.
***                                                                                                                                             
 
 
وفي أعقاب الحرب الأهلية جاءت موجة من البيض   واستقرت وبنت البيوت في اراضي قبيلة كيواس –Kiowas   – ناقضين بذلك المعاهدات التي وقعتها الحكومة الامريكية. وردأ على ذلك قاد ساتانتا-ٍSatanta – " خطيب السهول" هجمات ضد المستعمرين وقد وقعت معاهدة جديدة في عام 1867   حددت المناطق التي تعيش القبائل فيها وتصطاد .   والكلمة التالية تبين عدم رغية ساتانتا في قبول المعاهدة ، وقد وجه هذه الكلمة لمندوبي  حكومة الولايات المتحدة ، ثم اشتعلت المقاومة من جديد وسجن على اثرها ساتانتا  الذي قتل نفسه في سجنه   راجيا بذلك اشعال روح المقاومة في قبيلته لرفض الخنوع والخضوع للمستعمرين.
 
يكاد قلبي ينفجر
 
أحب الأرض وجواميسها  ولن اتخلى عنها. أريد منكم أن تعوا جيدا ما أقول. دونوا قولي على الورق … واني لاسمع كلاما كثيرا من مندوبي الأب الكبير، الرئيس أندرو جونسون، الذين يقولون دوما مالا يفعلون ، فأنا لااريد اياً من مستشفياتكم وكنائسكم ومدارسكم على أرضنا. أريد اطفالنا ان ينشئوا كما نشأنا…
 نبئت انكم ستضعونا في محمية بجانب الجبال. أنالا اريد الاستقرار فانا أعشق التجوال في السهوب   حيث الحرية والسعادة ، وعندما نستقر نذوي ونموت. لاأريد حربكم فقد ركنت جانبا رمحي وقوسي وترسي ، ومع ذلك اشعر بالأمان وانا قريب منكم! لقد قلت لكم الحقيقة ، ولم اكذب أدنى كذبة ، لكني لا أعرف ما لدى المندوبيين! هل هم واضحون مثلي؟ منذ عهود طويلة خلت وهذه الارض أرض اجدادنا؛ لكني عندما اذهب الى النهر أرى معسكرات الجند على ضفتيه. هؤلاء الجنود يقطعون أخشابنا ، ويقتلون ماشيتنا ، وعندما أرى ذلك أشعر أن قلبي سينفجر ,اشعر بالأسى ، اشعربالأسف لأني قد بحت بما في نفسي.

[email protected]

زر الذهاب إلى الأعلى