أرشيف - غير مصنف
جدار فولاذي.. أين منه جدارالفصل العنصري!
بقلم: د.مدين حمية
حتى اللحظة، لم يتعرف المواطنون العرب على شكل الجدار الفولاذي الذي يقام بين فلسطين ومصر، وما هو متيسر من معلومات عن هذا الجدار، أن قراراً مصرياً قد اتخذ بإقامته، وأن عمليات البناء فيه تتم بوتيرة عالية، وأن فرقاً هندسة وشركات وآليات دولية متعددة الجنسيات قد أُستقدمت، لمساعدة مصر في إتمام هذا العمل، الذي يرقى بنظر أميركا والغرب و"إسرائيل" إلى مستوى الإنجاز الإستراتيجي.
ليس المهم، التعرف على شكل الجدار الفولاذي، فهو صُمم حتى لا يكون متاحاً للرؤية، وصُمم حتى لا يجتذب المدافعين عن حقوق الإنسان للإعتصام بمحاذاته ورفع الصوت عالياً بالمطالبة بهدمه لأنه يهدد حياة مليون ونصف المليون فلسطيني. فعبقرية الحصار والعزل والفصل، استخلصت العبر من جدار الفصل العنصري الذي أقامته "إسرائيل" لتقطيع أوصال القرى والبلدات الفلسطينية، بعدما أثار موجة عارمة من الإدانات والرفض والاحتجاج، عربياً ودولياً، وما زالت الاعتصامات والتظاهرات المنددة به تنظم بمحاذاته بمشاركة هيئات وجمعيات دولية مدافعة عن حقوق الإنسان.
عبقرية الحصار التي خرجت بفكرة الجدار الفولاذي، لم تطمح بضمه إلى قائمة عجائب الدنيا السبع ـ ليس لأنه لا يستحق ـ بل حتى لا تستدرج فضول الناس للتعرف على هذه "العجيبة" المؤلمة، التي يندى لها جبين الإنسانية.
سر عبقرية الحصار، هو بدفنه في باطن الأرض، إذ أنه لن يرتفع سنتيمتراً واحداً على وجه الأرض، لكنه سيتكفل بإقفال كل المسارب والمعابر القائمة تحت الأرض، بعد أن اقفلت المسارب والمعابر من فوقها.
ووفقاً للمعلومات، فإن عبقرية الحصار، ستُدّعم الجدار، بأنبوب ضخم لضخ مياه البحر بغية جعلالتربة رخوة والقضاء على إمكانية حفر الأنفاق. ويتفرع من هذا الأنبوبإلى باطن الأرض عدد كبير من الأنابيب بقطر ست بوصات مثقوبة من كل الجهات وبعمقثلاثين مترا. وبحسب المعلومات أيضاً، ستدق أسافين ضخمة منالفولاذ سمكها 15 سم وعرضها نصف متر وطولها 22 متراً وهي متراصة على طول الحدودالبالغة عشرة كلم. وأن هذا النوع من الفولاذ جاء جاهزا من أميركا وهو غير قابلللتفجير أو الاختراق بالإمكانيات الموجودة.
غزة التي لم يبتلعها البحر كما تمنى رئيس وزراء "إسرائيل" المقتول اسحاق رابين، وبقيت لتقاوم حرب الإبادة الصهيونية التي شُنت عليها منذ عام. هي نفسها غزة التي تحاصر من القريب والبعيد بجدار فولاذي أين منه جدار الفصل العنصري!..
غزة التي لم تستطع بعد رفع أنقاض حملة "الرصاص المسكوب" تتهيأ لتحمل تبعات الجدار الفولاذي المصبوب. فهذا الجدار، لا يستهدف إقفال أنفاق يُمرر عبرها السلاح لمواجهة العدو الصهيوني وحسب، بل يستهدف قطع شريان الحياة عن أهل القطاع، فهذه الأنفاق تُمرر عبرها المواد الغذائية والأدوية، بعدما استحال ايصالها عبر المعابر القائمة فوق الأرض.
المفارقة، أن بعض القادة الفلسطينيين، يؤيدون بناء الجدار الفولاذي، ومنهم من تجرأ على اعتبار أن بناء الجدار الفولاذي حق سيادي مصري، ما يعني موافقة ومشاركة بإصدار الحكم على الفلسطينيين بالموت البطيء.
الجدار الفولاذي، وما أدراك ايها المواطن العربي ما هو الجدار الفولاذي، إنه عبقرية حصار قاتل، ويشكل بحسب الخبراء تهديداً إستراتيجياً للمخزون الجوفي لمياه غزة، وبرأى هؤلاء الخبراء يتماثل بمصائد المياه الجوفية التي حفرها الاحتلال الصهيوني على حدود غزة الشرقية والشمالية. ويعد أيضاً أحد العوائق الاصطناعية والسياسية التي سيكون لها أثر بيئي خطير على تواصل حركة المياه في الخزان الجوفي واستمرارها، خصوصًا وأن الحفر سيصل إلى عمق 30 مترًا. وفي الوقت عينه سيكون الخزان الجوفي عرضة لتسرب مياه البحر المالحة التي يجري استجرارها بأنبيب ضخمة.
الجدار الفولاذي،.. أين منه جدار الفصل العنصري!. وهو بالمناسبة، ليس كالحائط البرليني يمكن أن يهدم بقرار، وليس كخط برليف حتى يكون عرضة للإختراق. إنه عبقرية الحصار التي تستجيب للرغبات الدولية، وهي رغبات لا ترغب إلا بـ "إسرائيل" من الفرات إلى النيل.
لكن، هل يستطيع جدار فولاذي، أن ينال من إرادة فلسطينية وعربية تفولذت بالمقاومة والصراع،.. وتعرف كيف تبتدع أنفاق الصمود وتتقن القراءة والكتابة في صفحات العز؟.