أرشيف - غير مصنف

ماذا وراء الحكومة الرفاعية الرابعة عشر في الاردن ؟؟

د. اكرم كريشان
 
 مع تشكيل سمير الرفاعي الحكومة الأخيرة ، يكون الرفاعيون الأربعة قد شكلوا أربعة عشر حكومة في الأردن. وتتميز السياسات الرفاعية عند الأب والابن والحفيد بسمتين أساسيتين:
السمة الأولى: إما الحكم بالرغم من البرلمان, وحله كلما تعارض مع الحكومات, كما حدث مع حكومات سمير الأول، وإما الحكم بدون البرلمان, كما حدث مع زيد الرفاعي ، ثم مع ابنه سمير، بل أن صحيفة أسبوعية أردنية هي صحيفة المجد توقعت حل مجلس النواب تمهيداً لخطوات جديدة ( 27/10/2008). وكانت الحكومات الرفاعية الأولى قد شهدت حل أكثر من مجلس نيابي ، إما لرفض المجلس اتفاقيات سياسية مثل رودس وإما لرفضه سياسات وقوانين اقتصادية ثقيلة على الطبقات الشعبية مثل الموازنة وضريبة الدخل.
السمة الثانية: بخلاف المدرسة البدرانية ( نسبة إلى مضر بدران) التي كانت أقرب إلى بيروقراطية الدولة وكانت تختلف مع القيادة الفلسطينية دون أن تنافسها على تمثيل الشعب الفلسطيني، فقد جمعت المدرسة الرفاعية بين الاختلاف والمنافسة مع القيادات الفلسطينية المتعاقبة:
الجد سمير الذي كان مناهضاً للهيئة الفلسطينية العليا بقيادة الحاج أمين الحسيني ثم لأحمد الشقيري .
والابن زيد الرفاعي الذي كان مناهضاً لمنظمة التحرير بقيادة ياسر عرفات وحاول بعد العدوان الصهيوني على المنظمة عام 1982 إحياء الدور الأردني في الضفة الغربية, عبر ما عرف بمشروع التقاسم الوظيفي وخطة التنمية عام 1985 ، وهو المشروع الذي أسقطته الانتفاضة الفلسطينية عام1987, ,ثم أسقطت حكومته الانتفاضة الأردنية (هبة نيسان) في نيسان 1989 على خلفية أزمة ديون وفساد معروفة .
هذا عن حكومات الجد والابن السابقة ، أما عن الحكومة الرفاعية الحالية فيمكن قراءتها من خلال المعطيات التالية:
1-    مقايضة الأزمة الاقتصادية والفساد المرتبط بها بضغوطات المساعدات الخارجية واستحقاقاتها السياسية, بل أن جريدة ديلي ستار منذ 2005 قالت: أن الأردن يواجه واحداً من خيارين: اصلاحات داخلية تخدم استحقاقات التسوية أو ارغامات خارجية لهذه الغاية (28/3/2005).
2-    إذا كان من المبالغة في شيء وصف الحكومة الجديدة بأنها حكومة العودة السريعة إلى سياسات زيد الرفاعي الأب, صاحب مشروع العودة إلى الضفة الغربية، فمن الخطير أيضاً التقليل من ذلك وإضعاف اليقظة الشعبية إزاء هذا الخطر .
3-    وعليه فإن التشخيص الدقيق لهذه الحكومة هو أنها حكومة انتقالية مركبة من مهمتين، إدارة الأزمة الاقتصادية ، والتحضير لخطوات سياسية باتجاه البنيلوكس الثلاثي ( المركز الإسرائيلي والمحيط الأردني الفلسطيني) وهو المشروع الذي صار محط اهتمام العديد من القوى ووسائل الإعلام. والذي اعلنت الاستخبارات الامريكية عنه وسميٌ (بكونفدرالية الأراضي المقدسة), وكانت المبادرة الوطنية الأردنية سباقة في التحذير منه حيث يتطلب هذا المشروع تفكيك الأردن كدولة وتحويله إلى سلطة بحجم السلطة الفلسطينية, مقدمة لإعلان كونفدرالية بين هاتين السلطتين, وبما يشكل مجالاً حيوياً للعدو الصهيوني, ويسمح بتصفية القضية الفلسطينية نهائياً ، لا على شكل وطن بديل سياسي, بل على شكل جغرافيا مجردة تقطع تطور الأردنيين والفلسطينيين نحو المجتمع والمواطنة وتحولهما معا إلى سكان في معازل بشرية لا رابط بينها, وهو ما طرحته الحكومات الأردنية تارة باسم الأقاليم واخرى باسم اللامركزية.
   وفي هذا السياق ، تلفت المبادرة الوطنية الأردنية الانتباه إلى نمطين من سياسات الحكومة الرفاعية الحالية والتي استدعت لهذا الغرض، أولاً العمل بدون أية رقابة برلمانية مهما كانت طبيعتها وطبيعة مراكز القوى التي تديرها . وثانياً، استنساخ تجربة حكومة على أبو الراغب, في إدارة البلاد لصالح الحيتان وجماعات البنك الدولي عبر حل البرلمان, وانفاذ القوانين المؤقتة, واسكات أصوات المعارضة, سواء كانت أصواتاً إعلامية أو سياسية أو شعبية, على غرار حملة حكومته على مدينة معان البطلة.
فأما النمط الأول من السياسات الحكومية المنتظرة ، فهو تمرير العديد من القوانين المؤقتة التي تمس الطبقات الشعبية وتحملها عبء الفساد والمديونية ، مثل قانون الموازنة وقانون ضريبة الدخل المصمم لخدمة البنوك والشركات المالية.
    وأما النمط الثاني، فيستهدف تمرير العديد من القوانين المؤقتة التي تحضر البلاد نحو الانتقال لمشروع البنيلوكس المذكور (كونفدرالية الأراضي المقدسة)، ومن ذلك :
1-    قانون اللامركزية وهو صيغة معدلة لمشروع الأقاليم أخطر أدوات تفكيك الدولة الأردنية والذي يجري تسويقه تحت شعار تنمية المحافظات .
2-    كما يرتبط بالقانون المذكور قانونان آخران ، قانون للبرلمانات المحلية وقانون معدل للانتخابات النيابية يحافظ على آلية الصوت الواحد التفكيكية وذلك, تارة بذريعة تحجيم الصوت الإسلامي, وتارة أخرى بتحجيم الصوت الفلسطيني، بينما هو في حقيقة الأمر, جزء من استراتيجية التفكيك الأمريكية للشرق العربي كله, على شكل كانتونات طائفية وعشائرية وجهوية .
 
 
 وبعد…
إذا كانت ظروف ما بعد تحويل الامارة إلى مملكة استعداداً لضم الضفة الغربية للأردن قد كرست سمير الرفاعي الأول إلى جانب الملك عبد الله الأول، فعلينا جميعاً أردنيين وفلسطينيين, أن لا نترك الماء يمر تحتنا بأية ذرائع وأوهام شتى انزلقت لها أكثر من هيئة سياسية ومدنية وراحت تمني النفس، تارة بقانون معدل للانتخابات, وتارة بالثقة بالفريق الاقتصادي الجديد، فهذه الحكومة, كما سابقاتها, هي الابنة الشرعية للدور الوظيفي التابع, المسئول عن التدهور الاقتصادي والاجتماعي والفساد والتضييق على الحريات العامة, وعن كل ما هو مسموم في العلاقة الأردنية الفلسطينية, بل وفي تأزيم العلاقات الداخلية وإثارة الفتن بين الأردنين انفسهم، مما يقتضي مزيدا من حشد الطاقات, والعمل الشعبي من أجل إنهاء هذا الدور الوظيفي, وكسر التبعية, وتحرير الاقتصاد الوطني, والإرادة العامة, وترجمة ذلك في تشريعات ديمقراطية وعلاقات أردنية فلسطينية قائمة على مقاومة العدو الصهيوني, ضمن برنامج للتحرر الوطني والقومي الديمقراطي.
 
يدا بيد وعلى قلب رجل واحد
فكلكم للوطن والوالوطن لكم
 
عمان 24-12-2009  
 

زر الذهاب إلى الأعلى