أرشيف - غير مصنف
وهابية.. صناعة غربية
محمد طعيمة
منذ عقود و"الغرب" يعايرنا بـ"واحة الديمقراطية الوحيدة" بالمنطقة، وقبل سنوات دشن حملة إبتزاز لنظم الحكم العربية شعارها الدمقرطة.. بالتزامن مع حربه ضد "الإرهاب الإسلامي".
بعضنا قد يُذّكر الغرب بانه من صنع هذا الإرهاب تحت شعار الجهاد. وقتها كان المسؤلان العربيان عن الملف إقليمياً.. النائب حسني مبارك وولي العهد عبد الله أل سعود. لكن الأمر أقدم تاريخياً من قاعدة وطالبان بن لادن، التي رعتها المخابرات الغربية.. خاصة السي أي إيه.
من أبرز شعارات الدمقرطة الغربية التفصيلية.. تمكين المرأة. والصورة، أعلاه، هي للسيدة (فاطمة الزامل السبهان القويعي). تولت حكم إمارة حائل بتفويض من كبار أعيانها عام 1911، كوصية على حفيدها الأمير سعود العبد العزيز الرشيد، الذي كان طفلاً حين قتل الأمير سعود الحمود الرشيد، تاسع حكام حائل من أل الرشيد عام 1908. كان الطفل منفياً لدى أخواله، لكن "نظام" توارث العرش حماه.. ليُستدعى ويتولى الحكم تحت وصاية خاله.. ثم جده، وبعد وفاتهما بالتوالي، اختار أهل الإمارة جدته (فاطمة) وصية وحاكمة، وكانت معروفة بانها متعلمة ومثقفة، وذات اهتمامات سياسية واسعة. أصبحت فاطمة المسؤولة عن الخزينة والأمن الداخلي والعلاقات الخارجية، وقائدة الجيش النظامي وواضعة خطط تطوير أسلحته. لم تخض أي حرب، فعبدالعزيز آل سعود، العدو الأول لحائل، كان قد وقع اتفاقية ترسيم الحدود بين أراضيه وبين مملكة حائل عام 1907، لكنها مهدت لأكبر إنتصار لمملكتها على أل سعود.
تابعت الأميره فاطمة شؤون الحكم بمقدرة متميزة. كُتب عنها الكثير، وعن رؤيتها السياسية الثاقبة في فترة حكمها التي امتدت حتى عام 1914 م، حين سلمت العرش لحفيدها سعود وعمره 15 عاماً، وبعد سنة واحدة كانت مملكة حائل تُلحق هزيمة بالسعوديين افتقدوها منذ عام 1902 م عُرفت بـ"معركة جراب"، واستردت المملكة الجوف وتوابعها من ابن شعلان. كان واضحاُ أن كل ذلك تم بتدبير الجدة والحاكمة الفعلية.. فاطمة، التي قالت عنها (جروترد بيل) المندوبة السامية البريطانية: لا أحد يكره الوهابيين والسعوديين في الجزيرة العربية بقدر فاطمة السبهان.
كان عهد فاطمة وحفيدها سعود، من أزهى عهود مملكة حائل، وحين قُتل ضمن صراع عائلي، بعد وفاة الجدة، ترك ضمن زوجاته الأميرة (الفهدة) التي تزوجها فيما بعد عبد العزيز أول ملوك دولة أل سعود، لتنجب له: عبد الله.. الملك الحالي، والأميرتين صيته ونوف. وأغتيل أشهر أحفاد سعود الرشيد، عبدالعزيز العبدالعزيز السعود الرشيد بالجزائر في 27 نوفمبر 2003.
حائل أل الرشيد كانت مملكة لها عاصمة ولغة و"ديانة رسمية"، لها دستور يصف نظام حكمها بالملكي وينظم
توارثه. تأسست عام 1834، على يد عبد الله وأخيه عبيد العلي الرشيد، وفي عصرها الذهبي، 1873– 1897، لم يخف حاكمها محمد العبدالله الرشيد إعجابه بتجربة محمد علي في مصر، رغم ان مؤسسا دولتهم كانا راعيان لإستعادة سيطرة أل سعود على نجد، وقاتلا ضد حلفاء القاهرة.. التي بدورها دمرت دولتهم مرتين، قبل أن يعلنا تبعيتها/ تحالفها معها.
لا نتحدث عن "كيان" صغير بل عن دولة توسعت لتضم فيما بين (1850 – 1902)، المناطق ما بين جنوب دمشق وشمال نجران قرب اليمن، وما بين حدود الحجاز.. حتى نجد، وإنتهت عام 1920 على أيدي "الإخوان"، الاسم الرسمي لقوات أل سعود المُقاتلة، التي تزخر الوثائق البريطانية والأمريكية بقصص وحشيتها ضد منافسي مشروعها الذي رفع، دينياً، شعارات الوهابية، التي بدورها تحمل نقيض الشعارات التي ينادي به الغرب تاريخياً.. وتتزاحم في خطابها، ظاهرياً على الأقل، شعارات العداء للغرب وديانته. في عام 1927 حل عبد العزيز أل سعود جيشه "الإخوان" وقتل قيادته، وبعد عام كان تنظيم "مُوظف" للإسلام هو الأخر يولد بالإسماعيلية المصرية. "ستايل" مختلف.. لكن بنفس الاسم، ويتلقى أول دعم مالي في تاريخه من شركة قناة السويس "الغربية".
خلال الثلث الأخير من القرن التاسع عشر والثلث الأول من القرن العشرين، كانت ثلاثة مشاريع تتنافس للسيطرة على شبه الجزيرة العربية: أل رشيد/ حائل، أل سعود/ نجد، الهاشميون – الشريف حسين/ الحجاز. كلها تابعة كلية للغرب، ومن عاصمته المركزية حينئذ، لندن، تأتي مرتبات وعطايا وأسلحة شيوخها. كلها ترفع شعارات دينية ووحدة العرب والمسلمين.. لتأسيس ممالكها على شرعيتها، وفيما بعد سعياً لوراثة الخلافة العثمانية التي أُلغيت رسمياً عام 1924. الفارق الوحيد بينها في "مفهوم" الإسلام الذي تريد السيطرة به. إنحاز الغرب، تمويل وسياسة وتسليح، لبقاء وتوسع أكثرها عداوة لشعاراته. الذي، وهذا هو الأهم، يخطف الإسلام والمسلمين تجاه مزيد من التخلف. إنحاز، راسم الخرائط، لدولة تحالف أل عبد الوهاب/ أل سعود، العدو التاريخي لدولة محمد علي.. التي حاربها الغرب، وفيما بعد شوكة في خاصرة دولة عبد الناصر.. التي حاربها الغرب. ومن قبل ومن بعد مُصدرة وراعية "التوظيفات" السلفية المُشوهة للدين، والأهم.. المُحاربة لفكرة الدولة المدنية القابلة للتطور.. والمصرية خاصة.
تنويعات "الخطف" الإقليمي – الغربي مازالت مستمرة. بعد الدين والثروة.. تكاد تكتمل الدائرة بخطف المقاومة.. وربما "الدماغ" نفسه.
العربي
الاحد 27 ديسبمر 2009