محمود عبد اللطيف قيسي
كانت كل المؤشرات تدل على أنّ حركة حماس التي انطلقت في فلسطين الجنوبية نهاية العام 1987م ، من رحم حركة الإخوان المسلمين العالمية وبإشارة من داعميها ، لم تنطلق من أجل تحرير القدس وفلسطين ، بل تنفيذا لمهمة أوكلت إليها ومحددة بنقطة واحدة مع تفرعاتها ومراحلها المختلفة ، وهي تدمير واجتثاث حركة فتح وانهاء منظمة التحرير الفلسطينية وللحلول مكانها بقيادة الشعب الفلسطيني ، للوصول به لغايات رسمها بعتمة مدبري الفتنة وصانعي الإنشقاقات وكرازايات ( كركوزات ) فلسطين ، العملية المبرمجة التي مهدت للوصول إلى هذه المحطة الأليمة والصاخبة التي يشهدها الشعب الفلسطيني ، عنوانها الهجمة الشرسة الكبيرة التي يشنها كل أطراف وأبواق وأقلام حركة حماس ، ومن خلفهم الفضائيات المستهترة بالقضية الفلسطينية ودماء الشعب الفلسطيني ، ودول الظل والحمق السياسي في المنطقة المتجهزة للدفع بحماس للعب دورها المنوط بها ، والذي أملوا نجاحها به ، إخلاصا منهم للضمير الغائب وللعدو المستتر بحب ليلى ، وخوفا من هراوة طابع الدولار أن تحل نقمته عليهم ، بعد أن صوروا لها أنّ مذبحة غزة التي حدد الإسرائيلي أهدافها بقتل أكبر عدد من الفلسطينيين وقد حدث ، وبوقف إطلاق الصواريح على معسكرات جيشه ومستوطناته وقد حصل ، على أنها انتصار لللحركة ما دامت لم تحدد من الإهداف إلا قتل ما أمكن من أبناء فتح وقد حدث ، ومنع المقاومين من إطلاق الصواريخ وقد حصل ، وما دامت قياداتها التي فرت من ساحة الوغى قد سلمت ، فرأس الواحد منهم عندها بعشرة آلاف أو أكثر من شعب غزة المسكين ، مع الموافقة على تنفيذ انقلابها على الشرعية الفلسطينية ، كتجربة لمخطط حركة الإخوان السياسي الوجودي الذي انبعثت من أجله منذ أواسط العشرينات من القرن الماضي ، أخلاصا منها لقلب الفِرنجَة الرحيم الذي أنشأها بأمر منه ووسيلتها للوصول لغاياته وغاياتها التحضير للانقلاب على كثير من الأنظمة العربية الشرعية والدستورية ، مستقوية ببعض الرأي العام العربي الذي ما زال يعيش فترة الجاهلية والقرون الوسطى البغيضة ، الذي خدعته بالافتراءات والأكاذيب والمتاجرة بالدين ، لبراعة قادتها وأكثر كوادرها بلغة التخاطب الديني ، كما ونجاحها بمصادرة سمعه ولسانه ، والشخبطة على بصره ، ومحاولة إلغاء بصيرته ، لتهيئته أو مساعدتها بالسياط أو بالفطرة للسيطرة بعد الانقلاب على النظم العربية الشرعية ، بهدف التسلط على رقاب الشعوب المتمترسة خلفها وتركيعها .
فبعد نجاح تجربة حماس بالسيطرة على غزة تنفيذا منها لقرار الولادة والدّاية والمزغردات ، بقوة السلاح المرسل لهم فقط من أجل تحقيق هذه الغاية ، ولإسالة الدماء الفلسطينية الغالية الثمينة دون رحمة وخوف من مانع قتل المسلم إلا بحقه ، والتي هيئت لها الظروف الدولية وظروف الإقليم وظروف فلسطين الاقتصادية الاستمرارية بذات الخط الدموي لضمان السلامة والأمن الوجدي لقادتها الملهّمين والمعصومين ، لاستقوائها بأذرع الشر ورؤوسه من صهيونية نالت من فلسطين وحاولت تحقيق حلم ( حدودك يا إسرائيل من الفرات إلى النيل ) ، وصليبية نالت من الإرادة الوطنية والقومية العربية وحاولت بعث الردة في نفوس المؤمنين ، ومن صفوية تحاول استنساخ عهد القرامطة اللذين عاثوا في فلسطين وكل أرض العرب فسادا وإفسادا ، وعصر السلات الصفوية الظلامية السابقة التي حاولت النيل من الدين والإرادة والذات العربية وكل فلسطين ، تتجهز جميعها متضامنة في هذه الأثناء لإحداث مثله في فلسطين الشرقية ، بدعم وتأييد وتبادل أدوار بين أعداء الشعب الفلسطيني وإشارات بقرب حدوثه من المخابرات والاستخبارات الإسرائيلية وقوى الصهيونية الحالمة والآمرة بذلك .
فقد بدأ برنامج قوى الشر التدميري الانقلابي الذي تبادلت الأدوار به إسرائيل مع حركة حماس ضد حركة فتح والشرعية الفلسطينية ، بمحاولة الإساءة للأجهزة الأمنية ثم التحضير للتخلص منها ، من خلال الإيحاء أنها أجهزة عميلة وجدت للحفاظ على أمن إسرائيل ، متناسية تاريخها الوطني الناصع وحاضرها النضالي المشرف ، معتمدة على ماكنة إعلامية كبيرة ألسنتها باللهجات العربية وغيرها ، لا شرف عندها ولا ضمير ، وأذرعها الورقية والإلكترونية والفضائية الذاتية والمأجورة التي تبث من قلب فلسطين ومن الداخل العربي وجواره، وعلى خطباء منابر برعوا بفن الخطابة والتدليس من أجل الدين لخدمة السياسة ، لا من أجل السياسة لخدمة الدين ، المجّير لصالح الفرد الهمام الذي بقدرة الشيطان وخداعه أزاح فراسة الفاروق وحل مكانه ، ولصالح الحركة الرشيدة التي بإرادة الصفويين أزاحت الراشدين ونسفت إنجازاتهم ، وأعتقدت مع المخدوعين أنّ التاريخ الإسلامي الراشد بدأ بعد نشوء حماس ، ومن غزة لا من مكة ، بعد أن نسوا بفعل قلوبهم التي لا تعقل ، والتي بها النقطة السوداء بقعة ، وأنسوا بفعل المال الذي حشر بجيوبهم الآبار من غير قرار ، أو تناسوا بفعل الشيطان وإضلاله ، أنّ السيوف تشحذ وتصنع لقتال المعتدي الإسرائيلي ، لا للإساءة للدين وللشرعية الفلسطينية ولسمعة مناضلين وتاريخ حركة تحرر وطني فلسطينية ، بهدف انهاء مسيرة جهاد ونضال طويلة ، لتتلقى كل هذه الأبواق الرخيصة المعلومات المفبركة من أجل بقائها أرقاما في سلة الإعلام الدولية ، خدمة للعُزى الإسرائيلية واللات الفارسية ، من الإعلام الصهيوني القائمة إستراتيجيته على تزييف الوقائع والحقائق ضد الشعب الفلسطيني ، وتقبض المال السياسي الربوي المقدم لها بالمليارات من قرني الشيطان ، اليهودي بثوب الناسك مقدم الحقيقة العالمي ، الذي باتت أكاذيبه وجرائدة صادقة مصّدقة ، والفارسي بثوب الفدائي المقاوم وعلى أنه حامي حمى الإسلام والمسلمين ، ومن حاضنة مكتب رعاية المصالح التجارية الإسرائيلية في الخليج العربي ، التي لم ترسل قرشا واحدا لمنع تهويد القدس والمقدسيين ، بل أرسلته لغزة للسيطرة على الشعب الغزي الفقير الجائع ولغسل فكره وأفكاره .
وبعد نجاح حربهم وفجورهم ضد الأجهزة الأمنية الفلسطينية وقادتها اللذين على عهدهم كانت شوارع غزة تخلوا من المهربين والمدمنين ومروجي المخدرات والقتلة ، وباتت اليوم بعد إخراج صناديد فتح منها على حين غفلة منهم ومن أهلها مسرحا لهم وللقتلة المأجورين ، ولتجار البورصة الربوية الزائفة ، ولشركات النصب القابضة التي سلبت مال شعب غزة ، وتركته فقيرا معدما مأسور الإرادة ومصادر القرار ، كما ومرتعا خصبا لعملاء الموساد الذين انضموا لجوقة حماس الرافضة للحلم الفلسطيني بعد أن دُُّعموا بهوية وطنية منها .
وللتقدم سريعا للأمام على جسد الحكاية الفلسطينية ، تجهزت قواهم التي جمعت تحت اسم القوة التنفيذية لتنفيذ مهماتها الآتية لها من قبل أعداء الشعب الفلسطيني ، كأوامر أقوى من الأوامر الإلهية التي تمنع المسلم من قتل أخيه المسلم الذي كله عليه حرام ، دمه وماله وعرضه ، غير ممتثلين لقول رسول الإسلام والبشرية محمد صلى الله عليه وسلم ( كل المسلم على المسلم حرام ، دمه وماله وعرضه ) ، والتي لم تجمع باديء ذي بدء تحت اسم القوة التحريرية ، لأنه ما كان يسمح لها أن تُجمع وتتجمع وتتدرب لتدمير إسرائيل وتحرير فلسطين من المستوطنين ، بل لتنفيذ أمر البدء الصادر لها من قرني الشيطان ، لتحرير الضفة الغربية بعد غزة من مقاتليها الفتحاويين وغيرهم من أخوة وشركاء الدم والنضال المحتلين لها حسب زعمهم وغِيهم ، الأمل الذي أفصح عنه أكابر مجرميها ، وصرح به كل ناطقيها اللذين تخالهم ناطقين باسم الخارجية الإسرائيلية ، لإصرارهم على تزييف الحقائق وقولهم فلستين بدل فلسطين وأفتى بضروراته مفتيها الأساطيل ، اللذين يعيدون الذاكرة لعهود البابوات الدمويين أيام الكنيسة التسلطية الصليبية وعصر الإقطاع ، لعلمها وعلم كل البغاة أعداء الشعب الفلسطيني ، أنّ أبناء حركة فتح هم المقاومين الحقيقيين الذين يشكلون الخطر الحقيقي على دولة إسرائيل ، وأنّ الحركة هي صيرورة الشعب وديمومة الثورة ، وصمام أمان القضية الفلسطينية .
وبعد نجاح تجربتها الانقلابية الدموية في غزة ، وظنها أنّ حركة فتح باتت عاجزة وضعيفة وفاقدة لشعبيتها ، زادت حركة حماس من عدائيتها ضد كل شيء اسمه فتح ، حتى كادت تمنع الفكر والولاء لفتح والانتماء لفلسطين ، ففُتحت شهيتها وباتت تتجهز للسيطرة على الضفة بمباركة الشيطان وأولياؤه ، وبمساعدة الجيش الإسرائيلي الذي يفتك يوميا بالضفة الغربية وأهلها ، وتوحي ومن ورائها إسرائيل للرأي العام العربي والعالمي على أنها وأهلها بخير ، ونجحتا باختزال المشكلة الفلسطينية وكأنها فقط في غزة ، بمساعدة الإعلام الصهيوني الفاجر الكاذب الذي أصبح بين عشية وضحاها أمل ومرجعية الحركة بالحكم على الوطنيين وحقوقهم الفلسطينية ، وارتكزت عليه في هذه الأثناء لتشويه صورهم ، وصورة حركة فتح ، وصورة الرئيس الفلسطيني رمز الشرعية الفلسطينية محمود عباس ( أبو مازن ) ، بهدف خلق حالة من الكفران الوطني لدى الشعب الفلسطيني للوصول به لأبعد من الشتات والتوطين .
أهداف ومراحل مفصلية كانت خطتها بعد دراسة مستفيضة أجهزة المخابرات الإسرائيلية ، منذ قيام دولة إسرائيل الكيان الداعمة لمجمع إمارة غزة الذي انطلقت منه حماس ، تمهيدا للدفع بالشعب الفلسطيني للقبول بدولة لا سيادة ولا لون ولا طعم لها ذات حدودها مؤقتة ، وبهدنة طويلة الأجل تنتهي بنهايتها القضية والثوابت ، بعد أن تُهود القدس ، وتبتلع المستوطنات الأرض ، وتضيع الحقوق ويضيع الشعب ، ولا يهمها من يديرها مع تفضيلها لحركة حماس التي ضبطت الأمن على حدود غزة ونجحت مئة بالمئة بلجم قوى المقاومة الصادقة ، بعد أن قتلت أعدادا كثيرة من المقاومين واعتقلت وسجنت آخرين ، وصادرت سلاح البقية الصامتة أو الخائفة ، فبات المستوطن الإسرائيلي القابع جوارغزة يشعر بالأمن والأمان ، ويُحضر لزميله الآخر المستوطن في الضفة الغربية وجوارها أن يعيش كمثله هانئا بعيشه آمنا بسربه ، لا ينغص على حياته وتحركاته لا حركة فتح ولا كتائب الأقصى ولا غيرها من الفصائل الوطنية المناضلة ، إن تمكنت حماس من السيطرة عليها كما يخطط أعداء الشعب الفلسطيني الصهاينة والمتصهينين ومن خلفهم الصفويين ، بعد أن تأكد هذه الأطراف جميعها أن حركة فتح لن تقبل إلا بدولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة وعاصمتها القدس الشريف ، قضى قائدها وقائد الشعب الفلسطيني شهيدا شهيدا شهيدا على يد الصهيونية لإصراره على مطالبته بها ، وأنها مصرة وتحت كل الضغوط على رفض المشروع الصهيوني بالدولة ذات الحدود المؤقتة ، التي قبلت بها حماس حتى دون القدس عاصمة لها ، ما دامت الإمارة الخضراء القزم والأمل التي وعدوا بها ستتسع فقط لأبناء حماس بعد قتلهم وفتكهم بكل القوى التى تحلم بفلسطين حرة مستقلة ، وإن قبلت جميع لأطراف المعادية وختمت لها بالموافقة ( وعلى عينك يا تاجر ) أن تبقى القدس فقط أثرا بعد عين في أشعار وأغاني حماس والجماعة ، في احتفالاتهما بيوم القدس وأسبوع القدس التي تنتهي بعزف الموسيقى وقرع طبول الرقص ، لا طبول الحرب التي لم تقرع لا للدفاع عن شعب جنوب لبنان ولا عن شعب غزة ولا لتحرير الجولان ، وخلال مهرجاناتهما الداعية لإسقاط حركة النضال والتحدي الفلسطيني ، أو لإسقاط الحلم الوطني القومي العربي بالوحدة والحرية ، أو لإسقاط الدول العربية التي تشكل عائقا حقيقيا أمام الأطماع والنيران الإسرائيلية .
قال تعالى ( وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ (8) يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يشعرون( 9 ) ( سورة البقرة )
Alqaisi_jothor2000@yahoo.com