رحماك يــا 2010 !!!

بقلم : محمد ملوك

الرباط   ـ   المغرب
 
من يشوه صورة المغرب الحقوقية ؟؟؟ سؤال طرحته على نفسي وأنا أتمعن في التهم التي حوكم بناء عليها مدون مغربي اسمه " البشير حزام " نشر على مدونته بيانا لطلبة احتجوا على أوضاعهم المزرية بمنطقة تغجيجت جنوب المغرب فمنهم من دخل السجن ومنهم من ينتظر دوره بسبب هذا الاحتجاج ، ليتابع ـ المدون ـ أمام أنظار العدالة بتهم متعددة منها " نشر معلومات مزيّفة من شأنها أن تسيء إلى سمعة المغرب الحقوقية في مجال حقوق الإنسان ، والتحريض على الكراهية والعنصرية والعنف" ، وليحكم عليه بأربعة أشهر سجنا نافذا وغرامة مالية قدرها 500 درهم .
حين تأملت في هذه التهم طرحت السؤال أعلاه وفتشت له بين دفتي عام 2009 عن إجابة تشفي الغليل وتكون واضحة غير مبهمة ولا محاطة بتعابير مجازية ولا متدثرة بحروف مشفرة ، فلم أجد إلا سوادا يخيم على الدفتين ولم ألفي بينهما إلا ضبابا يعتم الرؤية ويجعل من النظر نحو الأفق المستقبلي أمرا مستحيلا ، وبين السواد والضباب وقفت سلطة سطرت بأدواتها فصول ومجريات سنة سنودعها ورسمت بآلياتها أبعاد وخطوط الصورة الحقوقية للمغرب ، فأتت هذه الصورة باهتة وجاء الرسم مشوها من كل الزوايا ، ولأن سوء التخطيط يؤدي إلى تخطيط السوء كان لا بد للمُخطـِّـط الفاشل من مخطَّطٍ ينقذ به ماء وجهه ويرقع به صورته ويلمع به جوانبه ، فأخرج للوجود دون تفكير مسبق في العواقب والنتائج مسرحية مريرة عنوانها العريض استئصال الصحافة المستقلة  من جذورها بتشويه صورتها وتقزيم أدوارها في المجتمع ، وسخر لتحقيق هذا الهدف سلطة قضائية جعلت من المحاكم مقرات جديدة للصحافة المستقلة ، وأرغمت الصحفيين على أخذ دروس خصوصية في القانون تحسبا لأي متابعة قانونية قد تطالهم عاجلا أو آجلا ، وأثقلت كاهل كل واحد منهم بغرامات مالية خيالية وأحكام حبسية نقلتهم من حيز الإعلام الهادف ووضعتهم بين مزدوجتي الإجرام الجارف، وهكذا تفرج العالم معنا على هذه المسرحية وكان تقييمه لها محزنا للغاية فقد جاءت التقارير الدولية منددة بالحرب التي تشنها السلطات على حرية الإعلام في المغرب ، وواضعة هذا الأخير في أسفل سافلين مع الدول والبلدان التي تحارب تشويه صورتها في الخارج بتشويه وتكميم أفواه صحفييها وإعلامييها في الداخل .
ولكي ينجو المخطط بفعلته ، ويمحو كل الآثار السلبية لسياسته قرر إخراس كل من يؤرق مضاجعه ويقلق راحته فوق التراب الوطني ، فاستغل لهذا الغرض خطاب الملك المتعلق بالذكرى الرابعة والثلاثين للمسيرة الخضراء وأخرج للوجود تهمة قديمة جديدة اسمها " خيانة الوطن " ليلوح بها في وجه كل من يشتم فيه رائحة معارضة حقيقية ، وسخر لهذا الإخراج أحزابا ومنظمات وهيآت موالية أنتجت في ظرف وجيز مسرحية هزلية لعبت دور البطولة فيها امرأة تدعى " أميناتو حيدر" ، وكانت نهايتها أمر وأفظع من المسرحية الأولى .
ولأن المدونين هم مرآة أي مجتمع ، ولأن العالم الافتراضي عالم تحكمه السرعة في كل شيئ ، كان لا بد للمخطِط من إرسال رسالة بينة لكل من يتحرك وينشط ضمن هذا العالم الجديد مفادها : " إما أن تكون معي أو تكون ضدي " ، ولكي يوضح بشكل تطبيقي وعملي فحوى الرسالة وشروط المَعِيّة اعتقل في نهاية هذه السنة المدون " البشير حزام " وألقاه خلف غياهب السجون ، وطبعا فشل المخطِط أيضا هاهنا ، فحملة التضامن مع هذا المدون ورفاقه المعتقلين تجاوزت المحلية وتحولت في ساعات معدودات إلى حملة عالمية كبرى تندد بمثل هكذا تعامل مع قبيلة المدونين وعشاق الإنترنت .
هذه بعجالة بعض معالم السنة التي سنودعها ، وجزء من مسرحيات تفرجنا بحسرة مع العالم عليها، معالم ومسرحيات أثبتت بالملموس أن الذي يشوه صورة المغرب الحقوقية في الخارج ويعمل على تلطيخ سمعته في المحافل الدولية ويسعى لزرع الفوضى بين مكونات الشعب وطبقاته ويجتهد لمنع أي طي لسنوات الرصاص ويتفنن في خلق آليات تكذب كل الشعارات والوعود وتفقدها كل مصداقية وفاعلية ، ليس بمدون جعل من مدونته متنفسا للبوح بما يريده ويتمناه لوطنه ونفسه ، وليس بصحفي آمن بحروف الحرية والديموقراطية وسعى في ضوء ذلك إلى تنوير الرأي العام وخلق وطن لا ظالم فيه ولا مظلوم ، وليس بمناضل انخرط في جمعيات ومنظمات حقوقية جعلت من النضال السلمي منهجا لها لاسترداد الحقوق وتمتيعها بمعاني التقدير والاحترام ، وليس بمواطن انتهكت كرامته وأهين في عيشته وبلغ به البؤس مبلغا جعله يُطلـِّق الصمت ويطلق العنان لحنجرته ليصرخ باللاءات المدوية في كل وقفة ومسيرة واحتجاج .
إن من يشوه صورة المغرب الحقوقية في الخارج ، ويجلب له تقارير لا يرتضيها أي مواطن ، ويجعل منه موطن الاحتجاجات المستمرة والمتكررة ، هي سلطات كممت الأفواه ونهجت سياسة القمع الإستباقي واتبعت سنة الطغاة الأولين في انتهاك حقوق المواطنين وعدم تحقيق متطلباتهم ، فكانت النتيجة ما نرى ونسمع كل يوم عن هذا البلد سواء من الداخل أو من الخارج ، ولو أن هذه السلطات فتحت أبواب الحوار الجاد والمسؤول مع مكونات هذا الشعب الزاخر بمؤهلات لا  تعد ولا تحصى ، لكانت الثمار محمودة طيبة ، ولكنا دون ريب  في مصاف الدول المتقدمة .
اليوم ومع بداية العد العكسي لنهاية هذا العام ، نتساءل هل سيستمع إلى آهات هذا الشعب وأنينه المسؤولون المخططون لسوء التخطيط فينتجون لنا سنة حقوقية لطالما انتظرها الشعب بشوق أحر من الجمر ، أم أنهم سيزيدون من حرارة الجمر حتى يصرخ هذا الشعب بملئ فيه : " رحماك يا 2010 " … وهذا ما لا نرجوه أو نرتضيه للمغرب الحبيب .
Exit mobile version