ملوك الريادة وسلاطين الفشل

وليد الشيخ

لا يحتاج الأمر لعبقرية فذة ، فالأمر أقرب أن يستنبطه الإنسان العادي البسيط ، فمن المؤكد أن الفشل من نصيبنا نحن العرب ، أو بالأحرى سلاطيننا فهم المسؤولون أولا وأخيراً عن هذا الفشل على مدي عقود مضت وعقود قادمة -إلا أن يقدر الله واقعاً آخر- أما ملوك الريادة فهم رؤساء ووزراء وجنرالات كيان إسرائيل السرطاني .
فارق كبير بين رئيس دولة شغوف "بالنانو تكنولوجي" -التي أكاد أجزم أن القادة العرب أجمعين لم يعرفوا معناها- وآخر متيم بلعبة "البولز" وهي شبيهه للعبة البولينغ ولكن في صورتها البرية ، مثال واحد كفيل بتأكيد الفرق الشاسع بين طبيعة فكر القادة في النموذجان ، ففي إسرائيل حتى عندما يرغب القائد في الترفيه عن نفسه يبحث عن هواية تفيد بلاده ومستقبلها ، فعلى سبيل المثال من أكثر هوايات رئيس الموساد الجنرال مئير داغان لذةً في حياته هو فصل رؤوس الفلسطينيون الأسري عن أجسادهم بيديه، أليست هواية هادفة لخدمه بلاده ؟ ، ولك أن تعرف عزيزي القارئ أن أول ما تفاخر به هذا الصهيوني في حفل تكريمه بجائزة رجل العام 2009 لدى إسرائيل ، هي هدايا الزعماء والقادة العرب !!! 
حين نقارن بين إسرائيل والعرب من حيث معدلات التنمية ودرجات العلم والتكنولوجيا والنمو الإقتصادي والثقافي والحياة الاجتماعية ومستوي المعيشة ، فلا سبيل للمقارنة ، إلا بقول واحد " تتذيل الدول العربية أية قائمة خاصة بالتطور والتقدم ، وتتصدر أي قائمة خاصة بالقمع وانتهاك حقوق الإنسان ".
شتان بين كيان إسرائيل الأوحد المهيمن على السلاح النووي في الشرق الأوسط بأكثر من مائتي رأس نووية ، واثنتين وعشرون دولة عربية فشلت أي منهم في بناء محطة كهرباء محلية الصنع . فكانت مصر على سبيل المثال أول دولة عربية دخلت هذا المضمار حيث تشكلت فيها أول لجنة للطاقة الذرية سنة 1955 (بعد بدء البرنامج النووي الإسرائيلي بسبع سنوات)، وأكثر الدول امتلاكًا للعقول والخبرات العلمية في المجال النووي كما أنها قطعت شوطًا لا بأس به في مجال حيازة الطاقة النووية (حيث تمتلك مفاعلين للأبحاث الأول تأسس في أنشاص سنة 1961، والثاني المفاعل الأرجنتيني الذي تأسس سنة 1998)، والمحصلة تساوي صفر .و الآن لا تتوان الدول العربية في تبديد مقدرات وثروات شعوبها في استيراد أسلحة درجة ثالثة أكلها الصدأ بمليارات الدولارات سنوياً لتكدس في المخازن ولنتصدر بها أولى دول العالم في استيراد السلاح الذي لا نجيد استعماله على حساب رغيف الخبز ، والمثير للسخرية هو أن هذه الأسلحة يتم استيراد بعضها من إسرائيل وبالتأكيد يشوب الكثير من هذه الصفقات جرائم مثل التربح ، فسوق السلاح أسرع طريق للثراء في العالم وعالمنا العربي على وجه الخصوص ، ولذلك تفرض شروط قاسية على مثل هذه الصفقات تفرض الآتي :" لا يجرؤ أي قائد عربي على تحريك طائرة عسكرية أو نصب صاروخ على منصة الإطلاق بدون ضوء أخضر من أمريكا وإسرائيل ".
حين تم زرع كيان إسرائيل في منطقة الشرق الأوسط وعلى أرض فلسطين العربية بمساعدة وتسهيلات بعض الدول العربية ، عمل قادتها على التوسع الجغرافي ويكفيك أن تقارن بين الخرائط لتري المعجزة التي حققها بنو صهيون في وقت قياسي (ستون عاماً)، ناهيك عن التوسع البشري ، ففي هذا العام ارتفع معدل هجرة يهود العالم إلى وطنهم الأم إسرائيل إلى معدلات قياسية ، فيما تم تهجير ملايين الفلسطينيون من بلادهم منذ عشرات السنين تحت مرأى ومسمع سلاطيننا العظماء ، ولم العجب فالشعوب العربية جمعاء هم أكثر شعوب العالم سعياً للهجرة هرباً من جحيم الحياة في بلدانهم ، تحت مسمي الهجرة الغير شرعية ، وهي في الواقع هجرات ممنهجة يفرضها الفقر والقمع والبطالة .
ومن المثير للدهشة هو عمل الحكومات الإسرائيلية المتتالية على تكوين حكومة وطنية تجمع سائر التيارات والأحزاب السياسية ، وهذا دليل واضح على الديمقراطية والوحدة في وجه فرقة العرب وغياب القومية العربية في ظل غياب الديمقراطية وتعددية الأحزاب وغلبة لغة الأنا وتفشي ظاهرة الخلاف العربي – العربي ، ولا سبيل للعروبة والتآخي إلا فيما يهدد وجود هذه الأنظمة ، في هذه الحالة فقط تجدهم يداً واحدة في وجه عنصر التهديد ، وفى هذه الجزئية أطرح سؤالاً لماذا وضد من يجتمع وزراء داخلية الدول العربية كل عام ؟ ، وسمائنا ومياهنا وأراضينا تعج بها القواعد الأمريكية والأسلحة الإسرائيلية؟
وعن نماذج الفرقة في العالم العربي ، حدث ولا حرج ، فتجد مصر أكبر الدول العربية في خلاف مع سوريا وقطر ومؤخراً الجزائر ، وتجد سوريا في خلاف مع السعودية ولبنان ، وتجد السعودية في خلاف مع قطر والإمارات ، والجزائر في خلاف مع المغرب ، وهكذا حتى تكتشف في نهاية الأمر أن مبدأ الفوضى الخلاقة الذي ابتدعته أمريكا هي في غني عنه ، فهي أمام أمة مفتتة ، أقصي أمنية لشعوبها هي توفير رغيف الخبز .
عندما نقارن بين رجال دين السلطة هنا وهناك ، نجد أن رجالنا يصنعوا فتواهم لخدمة أنظمتهم الحاكمة على حساب الدين الحقيقي والشعب ، أما عند الصهاينة ، تجد دائما فتوى الحاخام تصب في مصلحه وطنه ومستقبل شعبه .
تستقطب إسرائيل الكفاءات من شتي بلدان العالم للعمل جنبا إلى جنب مع كفاءاتها الوطنية للمساهمة في صنع نهضتها ودفعها للأمام ، ولا تدخر جهدا في صرف مئات آلاف الدولارات لصنع عالم من ذويها في مجال ما ، فيما يتفنن سلاطيننا في تهجير وتهميش وتحقير وإهدار أي كفاءة وطنية جدت واجتهدت ، فتجد التوريث يهيمن حتى في الوظائف العامة وإدارة الشركات وليس رئاسة الدول فقط ، وهذا المثال لا ينطبق فقط على الدول الملكية وإنما الجمهوريات أيضا التي أقامها الثوار ليرثها البلداء .
في إسرائيل أكبر مثال على تطبيق القانون والشفافية هي محاكمة رؤساء ورؤساء وزراء ، ولي سؤال آخر كم عدد ضباط الشرطة اللذين حوكموا بتهم التعذيب في أي من الدول العربية؟
يكفينا خزياً وعاراً أن نعرف أن إسرائيل تكافئ وتصفق وتهلل لمن يقتل عربيا ، فيما أصبحت ثقافة المقاومة في عهود سلاطيننا إثم لا يغتفر .
النماذج كثيرة وكثيرة ولا تتسع مئات المقالات لسرد الفوارق بين ما صنعه ملوك الريادة في إسرائيل في كيانهم الغاشم وبين ما خلفه سلاطين الفشل في الدول العربية من تخلف عن ركب الحضارة وتوقف الزمن العربي القومي عقود إن لم تكن قرون .
فهلا يكف القادة العرب عن كيل الاتهامات لبعضهم البعض ، تحت أسماء واهية من قوي المصالحة إلى قوي الممانعة ، وهم جميعاً في واقع الأمر "قوي المصالح الشخصية ".
فهلا يكف القادة العرب عن تعليق أسباب فشلهم الذريع على شماعة تعنت إسرائيل وجهل الشعوب وضيق الحال .
 
Exit mobile version