عمليات التهريب وراء انتشارها والشباب ضحاياها.. المخدرات في محافظة ديالى يتعاطاها رجال أمن

 عبر زقاق ضيق في سوق بعقوبة القديم هرع العشرات من المتبضعين وأصحاب المحال لمنع رجل في الأربعينيات من العمر، كان يحمل عصا غليظة ويضرب بها، وبقسوة شديدة، صبيا في الخامسة عشرة، وهو يصيح: «ماذا أفعل يا ناس؟ ولدي يضيع مني، رافق أصدقاء السوء، وجعلوه مدمنا على الحبوب المخدرة». و«سرعان ما انتابت والد الصبي، ويدعى أبو محمود، نوبة حادة من البكاء، وهو يلعن كل من يبيع تلك السموم للصبية والشباب، أما الصبي، ويدعى ستار، فقد كان يهزئ بعبارات غير مفهومة، ولا يدرك ما يدور حوله ولا يستطيع السير بشكل طبيعي».

 
 
ويقول غانم عبد القادر ناجي، 40 سنة، أحد أقرباء أبو محمود، وهو صاحب محل لبيع اللحوم في سوق بعقوبة إن «أبو محمود يعمل ليلا ونهارا في محل صغير لبيع الخضر، لتوفير قوت عائلته الفقيرة، وهو مصاب بعدة أمراض، وكان يأمل أن يساعده ابنه ستار في توفير قوت العائلة».
 
 
ويضيف «لقد حذرنا ستار أكثر من مرة دون جدوى، ويوم أمس طرده والده من المنزل، ليجده صباح اليوم، نائما بجوار محل في السوق في حالة يرثى لها، بعدما تناول عدة أقراص مخدرة أفقدته وعيه وتركيزه وجعلته غير مدرك لما يدور حوله». ويستدرك «وهناك العديد من الصبية والشباب الذين أدمنوا تناول المواد المخدرة، لإهمال ذويهم».
 
 
ويعرّف رئيس جامعة ديالى محمود الجبوري الإدمان بأنه «تعوّد شخص ما على تناول مادة معنية باستمرار، بحيث تصبح تلك المادة مسيطرة على جميع تصرفاته النفسية والعقلية»، و ظاهرة الإدمان باتت تقلق الجميع بانتشارها السريع.
 
 
ومن أهم أسباب إدمان بعض الشباب التفكك الأسري، والعلاقات السيئة بين الوالدين، أو إدمان أحدهما المسكرات، أو تناوله للمواد المخدرة، حيث تنعكس تلك التصرفات على الأطفال والصبية». ويطالب رئيس الجامعة الجهات المختصة بـ «الوقوف بكل حزم تجاه الظاهرة، التي لا تقل خطورة عن الإرهاب»، بحسب قوله.
 
 
نطاق ضيق
 
 
ومن جهته، يؤكد الناشط في منظمات المجتمع المدني عبد الواحد سعد ناصر، إن «ظاهرة الإدمان على المخدرات في المحافظة لا تزال في نطاق ضيق، لكن ذلك لا يعني أنها لا تتسع يوما بعد يوم»، ويلفت إلى «أهمية حماية الشباب والصبية من خطورتها، لأن هناك محاولات لترويجها، وإيجاد أسواق وزبائن لها في بعقوبة وضواحيها».
 
 
واتساع البطالة بشكل كبير، والتأثيرات النفسية الأخرى يوفران بيئة خصبة لإدمان الشباب والصبية على المواد المخدرة، وهذا ما نخشاه»، بحسب تعبيره.
 
 
مستشار محافظ ديالى لشؤون العلاقات العامة دلسوز الجاف أشار إلى إن «بعض الحبوب المخدرة وجدت طريقها، ليس صوب الشباب والصبية فحسب، بل بين أفراد القوى الأمنية، ما يمثل خطرا بالغا»، وقد اعتقلت قوة أمنية قبل عدة أشهر شرطيا بحوزته العشرات من أقراص الحبوب المخدرة، في قضاء المقدادية»، 35 كم شمال شرق بعقوبة.
 
 
من جهته، يعترف القيادي في صحوة منطقة العثمانية، 15كم جنوب غرب بعقوبة، قيس الدليمي بوجود «ظاهرة تعاطي الحبوب المخدرة في صفوف عناصر الصحوات»، إلا أنه يشدد على أنها «ظاهرة محدودة جدا، فضلا عن أن هناك رقابة على هذا الأمر».
 
 
ويلفت الدليمي إلى أن «الضغوط النفسية الشديدة التي مر بها الأفراد إبان المعارك الشرسة مع التنظيمات المسلحة كانت كبيرة جدا وهي وراء تعاطي بعضهم للمخدرات».
 
 
أما الناطق الإعلامي باسم قيادة شرطة محافظة ديالى الرائد غالب عطية فيرى أن «ظاهرة تعاطي الحبوب المخدرة من قبل عناصر الأجهزة الأمنية كانت موجودة إبان فترة التدهور الأمني خلال السنوات الثلاث الماضية بسبب الضغط النفسي الهائل عليهم».
 
 
ضغط نفسي
 
 
ويحلل الأخصائي النفسي في بعقوبة سمير الشمري سبب تعاطي البعض للمخدرات بأن «أغلب الأسباب ترجع إلى وقوع بعض الأفراد تحت ضغط نفسي كبير»، ويرى أن «تعاطيها لا يزال في مراحله الأولى وهي ليست بالظاهرة الكبيرة، لكن الضغوط النفسية على أي شخص تولد لديه ردود فعل معينة، من بينها التصرف بعنف مع الآخرين داخل الأسرة أو خارجها، وهي حالات قليلة نسبيا». وأغلب المرضى النفسيين لا يلجئون إلى الأطباء المختصين، لاعتقادهم أن الأمر معيب من الناحية الاجتماعية، لذا لا توجد لدينا نسب محددة لعدد المرضى، سواء داخل الأجهزة الأمنية أو بين أفراد الصحوات».
 
 
فيما يؤكد مصدر طبي في مدينة بعقوبة أن «العديد من حالات الإدمان بين الشباب على المواد المخدرة تم تسجيلها، وكانت أغلبها على الأقراص، والتي يمكن الحصول عليها في بعض الأسواق الخفية».
 
 
ويبين المصدر أن «اليأس والبطالة والمشاكل الاجتماعية ومحاولة الهروب من تأثيرها دفعت الكثير من الشباب إلى تناول المخدرات، وهذا الأمر له خطورته فيما لو ترك الأمر دون علاج».
 
 
ويكشف مصدر أمني في محافظة ديالى أن «هناك محاولات لجعل المحافظة معبرا لتجارة المخدرات من إيران باتجاه العراق وبقية الدول المحيطة به»، ويشير إلى «وجود محاولات أيضا لزراعة الخشخاش في أرض المحافظة، وقد جرى اكتشاف مزرعة صغيرة قرب إحدى القرى القريبة من ناحية قزانية شمال بعقوبة».
 
 
ويلفت المصدر إلى أن «التنظيمات المسلحة لها دور كبير في ترويج المواد المخدرة، وتوجد أدلة حول سعي تلك الجماعات إلى تبني تجارة المخدرات، لتصبح موردا ماليا لها، وقد عثر على كميات منها بحوزتهم، وأغلبهم من المدمنين عليها»، بحسب قوله.
 
 
وكان وكيل وزارة الداخلية العراقية أيدن خالد قد كشف عن تعاون تقوم به الجماعات «الإرهابية» مع عصابات الجريمة المنظمة والمخدرات من أجل الحصول على التمويل الذي تحتاجه لتغذية أعمال العنف، مؤكدا في الوقت نفسه أن العراق لا يزال نقطة عبور للمخدرات، وليس مستهلكا لها.
 
 
بغداد ـ عراق احمد
Exit mobile version