لم تتوقف مختلف طبقات المجتمع العراقي عن الحديث في إجراءات جديدة تمنع الخمور، والملاهي الليلية، واختلاط الجنسين في المدارس، وإجراءات أخرى يصفها البعض بأنها "ملتزمة دينياً" فيما يصفها آخرون بأنها "محافظة" بل إن كثيرين يتهمونها بالتخلف وبالعودة الى العصور الوسطى. والجميع ينتظر الانتخابات المقبلة التي يقولون إنها ستقرر "نوع الحكومة التي ستقود العراق"!. ويقول إرنستو لوندونو مراسل صحيفة الواشنطن بوست إن منع "الخمور" في العراق هذا الخريف، بدا مشروعاً غامضاً، لفرض لحظة تاريخية محافظة، "تحرم" جزءاً من طقوس كورنيش أبو نؤاس المطل في بغداد على شاطئ دجلة، رمزاً لعودة "حياة الليل" في العاصمة العراقية. وكان الهدوء النسبي خلال الأشهر الأخيرة سبباً لانتعاش الحياة في سائر المناطق المركزية في بغداد. وأوضح المراسل أنّه قرأ شعاراً مكتوباً يقول "اللعنة على كل من يجلس الى مائدة فيها خمر"، مشيراً الى أن حملة مداهمة وإغلاق للملاهي الليلية كانت الشرطة قد نفذتها في منطقة الكرادة، ضمن سعيها للعمل بمعايير أخلاقية واجتماعية إسلامية، فيما هي مشغولة بمحاولة فرض سيطرتها على الوضع الأمني، ومواجهة هجمات كبيرة للقاعدة. أن الغزو الأميركي في آذار 2003، وما تبعه من أعمال عنف، هي التي غيّرت بوصلة الأخلاق الاجتماعية التي تعرَّضت لاهتزاز خطير وواسع النطاق خلال السنوات الست الماضية. ويبدو الآن أن الأمور تأخذ منحى آخر، إذ أن هناك صراعاً على السلطة وسط المجموعات الشيعية التي يعمل في إطارها جيش المهدي، فيما هناك قوى على الجانب الآخر –السُنّة- متهمة بالتعاون مع القاعدة ومع أطراف لمتمردين آخرين. إضافة الى ذلك فإن الهجرات الجماعية الداخلية أثرت في التركيبات الاجتماعية في الكثير من المدن. وفي الأشهر الأخيرة –يؤكد لوندونو- أن بندول البوصلة قد مال كثيراً نحو "المعايير المحافظة". وثمة مسؤولون حكوميون بضمنهم، متنافسون في الانتخابات المقبلة، يطالبون بفرض محددات أكثر صرامة على استهلاك الكحول وعلى المدارس والجامعات المختلطة. وبشكل من الأشكال، فإن العراق الذي سيظهر بعد انتهاء الغزو الأميركي، وهل سيكون محافظاً أو "متسامحاً" أكثر من جيرانه، فإن ذلك سيعتمد بشكل كبير على نوع السياسيين الذين يجرى اختيارهم ضمن الانتخابات البرلمانية التي ستُجرى في السابع من شهر آذار المقبل. ولكن الأمر البعيد جداً عن الوضوح في الوقت الحاضر ما إذا كانت نتائج التنافس الانتخابي، تؤكد التوجهات المحافظة الحالية أو تُلغيها، وتؤسس لتوجهات مختلفة تميل الى العلمانية؟!. لسوء الحظ –يقول مراسل الواشنطن بوست- أن النظام الديمقراطي في العراق، قاد الى ارتفاع أحزاب وحركات سياسية الى الواجهة، لا تؤمن بمفاهيم حقوق الإنسان، والحريات الشخصية، بحسب تأكيد مثال الآلوسي، المشرع السُنّي العلماني الذي يقول محدّداً: ((هذه الأحزاب تحاول أن تترك انطباعاً بين الناس الجهلة وبسطاء العقول، بأنها راعية للدين وللسلوك الصحيح. وبالمقابل، فإن تلك الأحزاب العلمانية، باتت تروّج لاستهلاك المشروبات الكحولية، وافتتاح النوادي، ومثل هذا السلوك غير إسلامي)). ويقول مراسل الصحيفة أن الكحول –نسبياً- صعب الحصول عليه في المحافظات الجنوبية التي يشكل الشيعة الغالبية من سكانها. وهي تميل الى أن تكون محافظة أكثر من غيرها، لكن بغداد تختلف كليا، إذ فيها محال لبيع المشروبات الحكولية التي غالباً ما يديرها عراقيون مسيحيون يملكونها. وهؤلاء لا يخفون خوفهم من ان تقود الحكومة مجموعات محافظة تنهي عملهم أو تحوله الى سوق سوداء. وبهذا الصدد يقول المشرع الشيعي حازم الأعرجي الذي يترأس كتلة الصدريين في البرلمان: إن قرار منع الكحول جاء متأخراً كثيراً، والعملية تهدف الى حماية العوائل التي تعيش في إطار عقائد الإسلام. وأضاف: ((سياستنا بشأن الكحول صارمة..نحن نعارض دائماً السماح بالمشروبات. نحن لا نحتاج الى ممارسات كهذه لكي نربح الأصوات الانتخابية، أو لنترك انطباعاً أننا مسلمون مؤمنون)). ويقول مراسل الواشنطن بوست إن قليلين جداً ممن يرغبون في الحديث عن أهمية هذه الموضوع، مثل كمال سليمان الذي يملك محلاً للمشروبات الكحولية في منطقة أبو نؤاس التي كانت في عهد النظام السابق للرئيس صدام حسين مكاناً حيوياً لانتشار النوادي والبارات وبعض الملاهي الليلية. وكانت حياة الليل تمتد حتى الصباح، ولم يكن أصحاب محال بيع الخمور يواجهون أية مشاكل بشأن الرخص التي يعملون بموجبها. ولكن خلال التسعينيات، وفي محاولة لاسترضاء القبائل المحافظة، لاسيما أن النظام كان بحاجة لدعم اجتماعي، بعد الانتفاضتين الشيعية الكردية في الشمال والجنوب. وهذا ما اضطر صدام حسين الى فرض معايير اجتماعية متشددة. وحسب كمال سليمان، فإن حياة الحفلات والملاهي واجهت في ذلك الوقت الكثير من القسر، لكن محال بيع الخمور ظلت تمارس عملها. إلا أن الأمور تغيرت بالضبط خلال الحرب الطائفية التي بدأت سنة 2006، فالمتمردون استهدفوا محال الخمور، التي اعتبر أصحابها أشراراً آثمين، وقاموا أيضا بإحراق الشاحنات التي تحمل صناديق الخمور. ويقول عزيز الإزيدي، أحد المسؤولين عن محال بيع الخمور: ((خلال سنوات النزاع الطائفي، أغلقنا محالنا لأننا كنا مستهدفين. لقد هددونا، وكانوا يرموننا بالرمانات اليدوية لتدمير محالنا)). وفيما كان الوضع الأمني يتحسن في سنة 2008، والمجموعات الدوغماتية "المتشدّدة، المتعصّبة" صارت تترنّح في بغداد، والمدن الرئيسة، فتح كمال سليمان مخزنه ثانية، وبدأ يستورد من تركيا الواين، والبيرة، والمشروبات الروحية الأخرى.وفي الأسابيع الأخيرة، جرى إخبار سليمان وآخرين من أصحاب محال بيع الخمور في بغداد، أنهم لن يتسلموا تراخيص العمل مرة أخرى، بعد أن تنتهي صلاحيتها في نهاية السنة الماضية. والآراء هنا تختلف –كما يقول مراسل الواشنطن بوست- فسليمان يقول إن المواطنين يطالبون بفتح مخازن بيع الخمور. والشعب العراقي يعيش في بلد علماني مفتوح. لكن الحكومة تحاول أن تتخذ طريقاً محافظاً. لكن راضي حسين الذي يملك مطعماً للسمك على شارع أبي نؤاس أيضاً يقول إنه "مسرور" لرؤية محال الخمور والنوادي الليلية تهاجم. وأوضح إن الأماكن تعمل بدون ترخيص، وقال لديهم راقصات. وحتى الآن –يقول مراسل الواشنطن بوست- فإن الحال الأمنية، هي القضية التي تهيمن على تفكير السياسيين في سباقهم الانتخابي. لكن السياسيين، أخذوا وبشكل متزايد يتحدثون عن قضايا المعايير الأخلاقية والسلوك في المناقشات البرلمانية، وفي مقالات تنشرها الصحف، وفي الحملات الانتخابية. بعضهم يقول إن الحكومة تريد أن تفرض معايير دينية صارمة. وآخرون يقولون إن من حقها حماية المجتمع بالحفاظ على تقاليده وأعرافه ومعاييره الدينية في بعدها الاجتماعي. وحسب محمد الربيعي عضو مجلس محافظة بغداد، فإن المجلس يتلقى شكاوى عديدة من المواطنين حول النوادي الليلية. ويقول إن أعضاء مجلس محافظة بغداد الأكثر علمانية اقترحوا أن يسمح بإعادة فتح هذه "البارات والمحلات والنوادي" في مناطق غير سكنية، لكنّ هذا الرأي لم يحظ إلا باهتمام بسيط داخل المجلس. ويقول الربيعي.. أنا لا أستطيع أن أنسى أن مجلس محافظة بغداد يقوده حزب إسلامي ومعظم أعضائه منتمون الى أحزاب إسلامية. وحصل نقاش مماثل –كما تؤكد الصحيفة الأميركية- في مدينة الصدر، خلال اجتماع عام عقد في إحدى مدارس المدينة وتركز الحوار على ضرورة مراعاة أن المجتمع العراقي مجتمع عشائري ومتدين وأنه لذلك يجب حظر الدراسة المختلطة. ويقول سيف أحمد، الذي يدرس مادة الدين في مدرسة متوسطة لا يمكن قبول المدارس المختلطة. لكن زميلاً له، يدرس اللغة الإنكليزية واسمه، محمد سالم، يقول إن فصل الجنسين يخلق سوء تفاهم بين الجنسين على صعيد البناء الاجتماعي، لهذا فالمدارس المختلطة، حسب رأيه، فكرة أفضل. وقال إن مستواهم في الفهم والمعلومات سيكون أحسن. ويرى مدير المدرسة زيد رحيم محمد أن سياسة الدراسة المختلطة غير مجدية وغير عملية. وأوضح: ((إنهم عندما يتركون المدرسة سيجدون طرقاً للعب معاً))!.