جيمس زغبي
في الأيام التي أعقبت محاولة عمر فاروق عبدالمطلب الفاشلة لقتل نفسه وإسقاط رحلة "نورث-ويست" 253، نحت القصة منحى مألوفا؛ حيث تم الكشف يوميا عما لم تقم به مختلف الوكالات الاستخباراتية والحكومية الأخرى بما كان لديها من معلومات حول سلوك عبدالمطلب وارتباطاته: من جهود والده لإبلاغ وتحذير المسؤولين الأميركيين بشأن التحول الذي ظهر على سلوك وأفكار ابنه، إلى شراء تذكرة سفر ذهابا وإيابا نقداً، وتسجيل نفسه في المطار بدون أمتعة، وهما "إشارتا تحذير" كان يفترض أن تدفعا لتفتيش دقيق في المطار.
وفيما أخذت ملامح الصورة الكاملة تتضح، بات من الواضح الآن أن بعض المشاكل نفسها التي كانت موجودة قبل الحادي عشر من سبتمبر مازالت تبتلي المكونات المختلفة والكثيرة لأجهزة الاستخبارات الأميركية؛ حيث يعاب على هذه الأجهزة والوكالات، بشكل خاص، أنها لم تكن تتواصل مع بعضها بعضا ولم تكن تقتسم معلومات حساسة. وعلى سبيل المثال، فقد تم تسجيل القلق الذي عبر عنه والد عبدالمطلب لموظفي السفارة الأميركية ووكالة الاستخبارات المركزية "سي آي إيه"، وحقيقة أن الشاب ذهب للدراسة في اليمن؛ فكانت نتيجة ذلك أن تم وضع عبدالمطلب ضمن قائمة الأشخاص المثيرين للاهتمام لدى المركز الوطني لمحاربة الإرهاب، وليس ضمن "قائمة مراقبة الإرهاب". كما أن هاتين المعلومتين لم تصلا إلى الحكومة اليمنية أو مكتب التحقيقات الفدرالي "إف بي آي"، مثلما لم تحولا دون حصوله على تأشيرة الولايات المتحدة.
قد يقول قائل إن عملية التحليل والفهم البعدية هذه، فيها بعض الإجحاف بحق أجهزة الأمن والاستخبارات، وذلك على اعتبار أن الأمر يشبه حل لغز الكلمات المتقاطعة بعد الاطلاع على الأجوبة، غير أن مسألة "الفهم والتحليل" هذه كان يفترض أن تحل بواسطة مقتضيات "قانون الوطني" (قانون محاربة الإرهاب) الذي يحث على اقتسام المعلومات الاستخباراتية بين الوكالات، وعلى إنشاء "مديرية الاستخبارات الوطنية" و"المركز الوطني لمحاربة الإرهاب" حتى يكونا بمثابة "مركزي الأعصاب" ومركزين يسهلان مثل هذا التعاون بين الوكالات. والحقيقة أن بعضا من المشاكل نفسها التي كانت تقض مضجع مسؤولي أجهزة الاستخبارات قبل الحادي عشر من سبتمبر، مازالت موجودة اليوم، وذلك بعد ثماني سنوات على الهجمات المميتة، مما ولد مشاعر سخط وغضب بين الأشخاص الذين كانوا منخرطين في جهود الإصلاح ودفعت بالرئيس أوباما، المنزعج بشكل واضح، إلى الإعلان عن أنه ستكون ثمة محاسبة للأشخاص المسؤولين عن الفشل والتقصير.
وإذا كان نسق الكشف التدريجي عما حدث وتوجيه الاتهامات مألوفا، فكذلك الحال بالنسبة لمحاولات البعض تسييس هذه المسألة التي كادت تكون مأساوية؛ حيث ارتفعت أصوات تدعو إلى استقالة وزيرة الأمن الداخلي جانيت نابوليتانو أو إقالتها، وصدرت اتهامات تقول بأن هذه القصة كلها إنما تكشف عن ضعف إدارة أوباما في التعاطي مع مسائل الأمن القومي. وفي هذا السياق، استغل نائب الرئيس السابق تشيني الحادث لتكثيف هجماته الشخصية ضد أوباما، بينما وجد زعماء الحزب الجمهوري في الكونجرس فرصة لمهاجمة مخطط الرئيس لإغلاق معتقل جوانتانامو.
وبغض النظر عما إن كان ذلك عادلا أم لا، أو أنه "مجرد سياسة"، فالأكيد أنه ليس ثمة شك في خطورة ما كان سيحدث في الرحلة 253؛ ذلك أنه لو نجح عبدالمطلب في تنفيذ مهمته الشريرة، لشكل ذلك ضربة قاتلة وتحديا خطيرا لرئاسة أوباما. وعليه، فالحادث يجب أن يؤخذ على محمل الجد، والأرجح أنه سيؤخذ كذلك؛ حيث يتوقع عقد جلسات استماع من قبل لجان الكونجرس، والقيام بمراجعة إدارية شاملة لمعرفة ما حدث وما لم يحدث في هذا الحادث، مع احتمال تغيير بعض المسؤولين.
وفي هذا الإثناء، سيتحمل المسافرون مرة أخرى عمليات تفتيش طويلة ودقيقة. فنحن نعرف جميعا أن أمن المطارات مازال هشا وضعيفا وأن التهديدات الجديدة لا يمكن مواجهتها بشكل كاف بواسطة الإجراءات المتبعة حاليا. كما نعرف أن إصلاحات ما بعد الحادي عشر من سبتمبر لم تطبق بالكامل وأن ثمة نقاط ضعف في تشكيل "القائمة" وفي استعمال هذه القوائم.
وهنا أيضا من المتوقع أن يتبع النقاش نسقا مألوفا؛ حيث كانت ثمة دعوات لاستعمال أكبر لـ"عمليات تسجيل وتحليل سلوك الأشخاص وتصنيفهم على هذا الأساس"، وتوسيع قوائم "الممنوعين من السفر"، وخفض سقف ما يشكل أسبابا كافية لوضع المرء على "قائمة المراقبة"، واستعمال أكبر لأجهزة مسح ضوئي أكثر تطورا يشتكي البعض من أنها تنتهك الخصوصية الشخصية لأنها تخلق صورا افتراضية لـ"تفتيش عبر التجريد من الثياب" للمسافرين. غير أن بعض المقترحات ليست سوى اجترار قديم للأفكار التعصبية التي ظهرت بعد الحادي عشر من سبتمبر. لكنها نُسفت ورُفضت في حينها، ومؤخرا نُسفت ورفضت مرة أخرى من قبل زعماء في الكونجرس.
لكن مما لا شك فيه أنه سيكون ثمة نقاش صحي ومطلوب حول كل هذه الجهود، حيث سيسعى كل من المدافعين عن الحريات المدنية والمشرعون والمسؤولون الأمنيون إلى إيجاد التوازن الصحيح في الحلول اللازمة لتصحيح نقاط الضعف في أمننا. والأرجح أن هذا النقاش، الذي بدأ قبل فترة، سيستغرق حيزا مهما من العام الجديد، وسيكون من المهم متابعته عن كثب لأن نتائجه ستؤثر على حياتنا جميعا لسنوات عدة مقبلة