فتن القرضاوي.. مواطنة عمر

محمد طعيمة

 
إلى "أحباب الله" من أقباطنا، إلى مينا رأفت بسطا، الذي احتفل بعيد الميلاد.. خائفاً. لعله يطمئن على مستقبله في وطنه.
 
لسنا، أنا وأخوك عمر طعيمة وملايين مثلنا.. منهم، نحن من ستحيا معهم وبينهم. نحن أبناء إسلام "فرض" على ابن الحاكم أن ينحني لـ"قبطي" ليقتص منه.. قبل 1400 عام. و"هم" أبناء فتاوى كراهية تُفكك مجتمعنا. نحن أبناء إسلام الفاروق عمر، وهم أبناء إسلام القرضاوي وإخوانه.. وفتاوى لونت "عيدك" بالدماء. نحن أبناء إسلام زرع بذرة "المواطنة" بمقولته الخالدة: "متى استعبدتم الناس وقد خلقتهم أمهاتهم أحراراً". قالها الفاروق دفاعاً عن حقوق إنسانية لقبطي. وهي تقريباً، كما نبهنا الحقوقي نجاد البرعي، افتتاحية الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.. الشجرة التي خرجت بذرتها من فم عمر، الفاروق.. بين الحق والباطل.
 
وبين الحق والباطل تتلون فتاوى، ولمثل "توظيف" القرضاوي و"إخوانه" للإسلام، احتاط الفاروق ورفض الصلاة داخل كنيسة القيامة، احتراماً لقدسيتها.. ولأنه "لو صليتُ داخلها أخذها المسلمون بعدي، وقالوا: هنا صلى عمر".
 
تلون فتاوى، معه تتفجر أسئلة حول "أهداف" القرضاوي وغيره من مُوظفي الإسلام، فليس صحيحاً تنزيه البعض له ولهم عن الهوى، فتوظيفهم له ضد اًخوة الوطن المختلفين عنهم دينياً معروف. "هو" نفسه روى بمذكراته كيف كتب تقريرا عن "إخوانه" بقطر، وذهب ليقدمه لأمن الدولة، اللواء فيما بعد أحمد راسخ، ليفاجأ بالأخير قد نسي أمر طلب التقرير منه. إنه سياق "علاقاته"، ففي المذكرات وعد مماثل لصلاح نصر بالتعاون مع وسيط المخابرات في الدوحة، أيضاً، "الإخواني" نجيب جويفل. فعلها مع "إخوانه" بالجماعة.. فماذا قد يفعل مع من يُنكر، عملياً، "أخوتهم" في الوطن.
 
يتعرى "الباطل". تعاون مع أجهزة.. وقرب من سلاطين الجزائر والسودان وغيرهما، وتحذير من غزو شيعي للبلاد "السُنية"، رغم فتواه لإخوان العراق بالتحالف مع الشيعة.. ومع "المسيحي الأمريكي" بريمر، والعمل تحت قيادته.. ضد تعهداتهم لهيئة علماء المسلمين برفض مشروع الدستور، لـ"يُشرع" انقلاب "إخوانه" على"كل" السنة، الذين تجاهلوا نداءاته عبر (الجزيرة) لدعم دستور بريمر، ويتدنى التصويت بين 3 ـ 7% في المحافظات الثلاث ذات الأغلبية السنية، ويصطنع بريمر "تخريجة" تمنح "إخوانه" أغلبية التمثيل السُني.
 
تحالف مع المُحتل.. وتبعية لبلاط شيخة وأمير ترعاه أكبر قاعدة عسكرية أمريكية، وفتوى تدعم غزو العراق، و"تُبيح" للمسلم الأمريكي قتل المسلم العراقي، ما دامت القيادة للأمريكي.. المسيحي، متجاهلاً أن دستور واشنطن نفسه يعفي من القتال إذا تناقض مع العقيدة. هنا يدعم، وهنا يُجدد فتاوى الكراهية ضد المصري.. المسيحي، ويُحرم.. مجرد التهنئة بعيده، ليُهدر عمداً، في حالتي "المسيحي".. أمريكي ومصري، النص القرآني: "لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم". و"البر" لغة وفقهاً هو أرقى مظاهر التعامل الإنساني.
 
يرفض القرضاوي أدنى درجات "البر" بمن أوصت بهم، خاصة، أحاديث نبينا خيراً. لكن إسلام الفاروق تمسك بقدوة رسوله، حين قال: "من آذى ذمياً فأنا خصمه، ومَن كنتُ خصمه خصمتُه يوم القيامة".
 
ماذا عن الدنيا؟، يجيبنا عمير بن سعد مُستعفياً من الفاروق عن ولاية حمص لإساءته لذمي: "لا عملت لك، ولا لأحد بعدك، قلت لنصراني: أخزاك اللّه، هذا ما عرضتني له يا عمر، إن أشقى أيامي يوم أُستخلفت معك". وفي تاريخ دمشق أنه أضاف: "فما يؤمنني أن يكون محمدا خصمي يوم القيامة". كانت سياسة دولة، فعمر يُوصي عامله بالشام أبي عبيدة: وامنع المسلمين من ظلمهم والإضرار بهم، وأكل أموالهم إلا بحلها، وأوف بشرطهم الذي شرطت لهم في جميع ما أعطيتهم. ولما دنا الأجل مدّ وصيته لعامة المسلمين: رعاية أهل الذمة من بعدي، وأن يُوفي لهم بعهدهم، وأن يقاتلوا من ورائهم، وألا يكلفوا فوق طاقتهم.
 
قاعدة فقهية حاسمة، ترجمها عملياً في "عُهدته" الشهيرة لأهل القدس. هي ليست استثناء، فلأهل (الرقة) و(اللد) و(الرها) مثلها، ولأهل (عانات): "أن يضربوا نواقيسهم في أي ساعة شاءوا ليلاً أو نهاراً، إلا في أوقات الصلاة، وأن يخرجوا الصلبان في أيام عيدهم".
 
لم تكن "شطحات" من الفاروق، فمع "بذرة".. متى استعبدتم الناس، سنجد "بذورا" أصبحت أشجاراً راسخة مع التطور الإنساني. هو مسئول عن تعثر عنزة بالعراق.. لما لم يُعبد طريقها. يتساءل عن "كم من الزمن تصبر المرأة على غياب زوجها؟".. ويضبط إيقاع جيوشه على "حقها الجنسي". يولي امرأة/ (الشفاء) القضاء.. وفي السوق. ومعاش ليهودي من بيت المال.. مع استنكار "ما أنصفناه إذ أخذنا منه الجزية شاباً ثم نخذله هرماً". وحماية الحرية الشخصية وتحريم التجسس عليها.. واقعة شرب أبي يحيي الثقفي للخمر مع أصحابه. ومصادرة أراض منحها الرسول لبلال.. لأنه لا يزرعها. واجتهاد "مع وجود النص".. لإلغاء سهم المؤلفة قلوبهم.. وأحياناً الجزية. ورفض لحروب الردة.. إلا حماية لحقوق الدولة.
 
بذور دولة مواطنة، في ظرفها التاريخي، أرساها الفاروق. عنه كـ"مؤسس" يحدثنا الفقيه القانوني د.سليمان الطماوي، شارك في وضع دستور 1971.. المدني، في كتابه عن "إدارته". روى لنا الطماوي، ونحن طلبة، كيف تلاعب (السادات) بما حاولوا ترسيخه دستورياً، وعايش جيلنا كيف أجهض الدولة "المدنية" بصفقة علنية مع الإخوان، ليتفرغ للتوجه غرباً.. أمريكياً، ويتفرغوا "هم" لضرب القوى والحياة المدنية، وتدريجياً يختفي أحد عنصري الأمة من العمل العام.. من مجالس النقابات كما فرق كرة القدم، وتتفشى الكراهية بين المختلفين دينياً.. وتتآكل الدولة.
 
هدفهم. فمع دولة قوية وعادلة يتعرى الباطل ويتآكل.. إلى حجمه الطبيعي.
 
 
 
m.taima.64@gmail.com
 
العربي
 
الأحد 10 يناير2010م
Exit mobile version