بقلم : أوس داوود يعقوب *
*كاتب وباحث فلسطيني
يعد الشهيد جلال كعوش أول شهيد للثورة الفلسطينية المسلحة فوق الأرض اللبنانية ، حيث استشهد في (9/1/1966)، بعد عام واحد من انطلاقة الثورة الفلسطينية المعاصرة، (التي حولتنا من لاجئين مشردين ، إلى ثائرين مقاتلين)، كما كان يردد دوماً ، والدي الأديب والإعلامي الراحل داوود يعقوب .
ونحن إذ نتذكر اليوم الشهيد البطل جلال كعوش بفخر واعتزاز في الذكرى الثالثة والأربعين لرحيله ، فإننا نسجل بكل أسف ومرارة ، أن أول شهيدٍ للمقاومة الفلسطينية فوق تراب الوطن اللبناني، الغالي على قلوبنا، سقط بأيدي قوى الأمن اللبناني ـ (المكتب الثاني اللبناني ، آنذاك) ـ وليس بأيدٍ صهيونية !!.
ولد الشهيد جلال كعوش سنة 1924، في قرية ميرون ـ قضاء مدينة صفد ـ وتلقى دراستها الابتدائية في قريته ، وفي سنة 1948 هُجِّر مع عائلته إلى لبنان، وأقام في مخيم عين الحلوة للاجئين في مدينة صيدا ، ومنها انتقل إلى مخيم اليرموك في دمشق.
ومنذ مطالع شبابه أنخرط في العمل الفلسطيني المسلح ، وكانت البداية ضمن تشكيل فدائي حمل اسم (الكتيبة 68)، ومما يذكره الباحث الفلسطيني الأستاذ علي بدوان في كتابه القيم ( صفحات من تاريخ الكفاح الفلسطيني ـ التكوينات السياسية والفدائية المعاصرة: النشأة والمصائر ـ الصادر سنة 2008، عن دار صفحات للدراسات والنشر/ دمشق)، حول هذه الكتيبة ، والدور البطولي الذي لعبه الشهيد جلال كعوش مع رفاق السلاح في هذه التشكيلة الفدائية الطليعية :
( الكتيبة 68 في الجيش العربي السوري، كتيبة للاستطلاع الخارجي والعمل الفدائي في فلسطين على امتداد سنوات الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، ولدت من نواة وحدة الفدائيين الفلسطينيين في جهاز الاستطلاع السوري التي تشكلت عام 1949 برئاسة النقيبين في المكتب الثاني السوري برهان أدهم، وبرهان بولص للعمل في فلسطين، وأعيد إنشاؤها بقرار من العقيد عبد الحميد السراج مسؤول المكتب الثاني أثناء الوحدة المصرية السورية تحت اسم الكتيبة 68، حيث شكل اللاجئون الفلسطينيون في سوريا ولبنان قوامها الأساس بالتواصل مع أعضاء مقيمين في الجليل شمال فلسطين (حسن عبد الحميد حسين، يوسف كنعان، حسن جربوني، محمود ياسين، أحمد ياسين، إبراهيم فهماوي، محمد فاضل، عبد الحميد خن …) بقيادة العقيد السوري أكرم الصفدي، والمقدم الهيثم الأيوبي، والعقيد أحمد حجو الموجود حالياً في قطاع غزة، واتخذت الكتيبة من بساتين بلدة حرستا، بضواحي دمشق مقرا ًلها، إضافة إلى مقرات ومواقع ميدانية على جبهة الجولان وجنوب لبنان، وكلفت الكتيبة بإدارة وتنفيذ عمليات الاستطلاع وغيرها شمال فلسطين (كعملية نسف باص عسكري إسرائيلي ومقتل عدد من ركابه على طريق صفد ـ عكا نفذها علي الخربوش، وجلال كعوش) .
وحسب مصادر العدو الصهيوني فإن هذه العملية (جرى تنفيذها على يد اثنين من اللاجئين الفلسطينيين من مخيم اليرموك هما جلال كعوش (من ميرون قضاء صفد)، وعلي الخربوش (من عرابة البطوف) ، وهما من الوحدة الفدائية الفلسطينية في الجيش العربي السوري. ووقعت عام 1955 على طريق عكا ـ صفد وقتل فيها خمسة إسرائيليين وجرح أربعون).
وقد فر أكثر من أربعين عنصراً من (الكتيبة 68) إلى مصر عبر لبنان، بعد أن أدانتهم المحكمة الميدانية العسكرية السورية برئاسة العميد صلاح الضلي بالمشاركة في الحركة الانقلابية الفاشلة التي قادها العقيد جاسم علوان، وهدفت إلى إعادة الوحدة مع مصر بقيادة جمال عبد الناصر.
وأعدم اثنا عشر فرداً من أعضائها رمياً بالرصاص في سجن المزة العسكري في دمشق يوم 18/7/1963 (أحمد منصور، لطفي قادرية، سليمان حمادي الشاويش، عيسى محمود عيسى، أحمد ياسين مفلح، محمود الهندي، مصطفى إبراهيم حميد، يوسف محمد عطا الله، صالح شعبان محمود، علي أبو عيسى، محمد عبد الهادي عبد الكريم، عبد الله الأخضر)
ومن أبرز أعضاء (الكتيبة 68) الذين انضموا إلى حركة فتح : الشهيد جلال كعوش، الشهيد الرائد الشرعان (أبو جمال الشوف)، الشهيد الرائد روبين أبو العلا، الشهيد يوسف أحمد عوض (أبو فالح)… وعضو قيادة جبهة التحرير العربية كمال كعوش … ومن الجبهة الشعبية الشهيد رفيق عساف، المقدم الهيثم الأيوبي، ومن (الجبهة الشعبية / القيادة العامة) الشهيد أبوعلي الأخضر بطل معركة عين يهيف، والشهيد خالد الأمين) .
عين على ميرون
في لبنان وقبل انطلاقة ثورة الـ (65) واصل شهيدنا دربه النضالي ، وعينه على الوطن المغتصب، مع إدراكه أن الطريق إلى قرية ميرون مليئاً بالأشواك، ويحتاج إلى تقديم الكثير من التضحيات، غير أنه ككل الطليعة الثورية الفلسطينية المخلصة، كان مستعداً في سبيل تحرير فلسطين أن يبذل الغالي والرخيص، فحمل روحه على كفه، مؤمناً بقول شاعرنا الشهيد عبد الرحيم محمود (1913-1948) :
سأحمل روحي على راحتي واُلقي بها في مهاوي الردّي
فإما حياة تسر الصديق وإما ممات يغيظ العدى
ونفس الشريف لها غايتان ورود المنايا ونيل المنى
لعمرك أني أرى مصرعي ولكن أغذ إليه الخطى
أرى مقتلي دون حقي السليب ودون بلادي هو المبتغى
وتذكر الموسوعة الفلسطينية، أن إحدى المحاكم اللبنانية قضت عام 1957 ، بسجن جلال كعوش (خمس عشرة عاماً، لإقدامه على نسف السفارة الفرنسية ببيروت ، وتوجه إلى سرية، ومنها عاد مع بعض المسلحين، وانضموا جميعا إلى الثوار في منطقة صيدا. وغدا جلال كعوش القائد العسكري لهذه المنطقة).
وفي هذا السياق أشير أنه وبعد الرجوع إلى العديد من المراجع والوثائق الفلسطينية، لم أعثر على أية تفاصيل عن هذه الحادثة، المذكورة في الموسوعة الفلسطينية (القسم الأول ـ حرف الجيم)، لمعرفة الأسباب التي دفعت بالشهيد جلال كعوش إلى استهداف السفارة الفرنسية، وهل تم فعلاً نسف مقر السفارة ؟ وكيف نجا من قبضة السجان اللبناني؟ أسئلة عديدة أرجو أن يتصدى لها أحد الذين عايشوا تلك الفترة من العمل الفدائي في لبنان.
ضحية تخاذل النظام الرسمي العربي
مع انطلاقة الثورة الفلسطينية المسلحة وحركة التحرر الوطني الفلسطيني (فتح) على وجه التحديد في 1/1/1965 ، انضم الشهيد جلال كعوش إلى الحركة ، يوم كان قادتها وكوادرها ومقاتليها يؤمنون أن الكفاح المسلح هو الطريق الوحيدة والموصلة لتحرير فلسطين من البحر إلى النهر.
ولقد آمن الشهيد جلال أن الكفاح المسلح كأسلوب، وطريق للتحرير، والعمل الفدائي الفلسطيني، ضمن الإطار العربي، في مقدوره أن يحرر فلسطين، غير أن تخاذل وضعف النظام الرسمي العربي عموماً، واللبناني على وجه الخصوص، خذل المقاتل، فما أن وصل جنوب لبنان في شهر كانون الأول/ديسمبر 1965، عائداً من منطقة الجليل شمال فلسطين المحتلة بعد تنفيذ عملية فدائية ، قام عناصر المخابرات من (المكتب الثاني اللبناني)، باعتقاله في يوم 23/12/1965 ، ثم ما لبثوا أن أطلقوا سراحه، ليعيدوا اعتقاله بعد خمسة أيام.
وفي 9/1/1966 سلم عناصر من (المكتب الثاني اللبناني) بلاغاً حول مقتله اعترفت فيه باعتقاله من ( مخيم عين الحلوة، الواقع ضمن المنطقة العسكرية. للتحقيق معه بقضية تتعلق بسلامة القوى العسكرية ) ، وانه (أثناء التحقيق معه، غافل المحققين و قفز من غرفة التحقيق في طابق علوي، محاولاً الفرار، فأصيب بجراح و رضوض) انتهت بوفاته بعد ثلاثة أيام.
إلا أن الكشف الطبي أشار أن الشهيد جلال كعوش تعرض لكدمات عنيفة كانت السبب في نزيف حاد عجز الأطباء عن السيطرة عليه، مما تسبب في وفاته.
ومما يذكره بدوان عن حادثة مقتل الشهيد جلال كعوش:( تم اعتقال عضوين من مجموعتين من قوات العاصفة لدى عودتهما إلى جنوب لبنان من عمليتين فدائيتين شمال فلسطين المحتلة في منطقة الجليل، فخضع الشهيد جلال كعوش من مخيم اليرموك، لعملية تعذيب قاسية، استشهد جراءها داخل أقبية مخابرات المكتب الثاني اللبناني في منطقة الليرزة حيث مقر وزارة الدفاع اللبنانية، فكان شهيد فلسطين وقوات العاصفة الأول فوق الأرض اللبنانية بتاريخ 9/1/1966، واستشهد بالطريقة نفسها رفيقه عطا أحمد الدحابرة، من مخيم عين الحلوة، بتاريخ 14/5/1967، وأحمد الأطرش، وعبد الرحيم أبويحيى).
وفي 10 / 1 / 1966 شُيع جلال كعوش الشهيد الفلسطيني الأول في لبنان جلال كعوش في موكب مهيب في مدينة صيدا، و دفن في مقبرتها.