أرشيف - غير مصنف

خطورة انفصال جنوب السودان على الامن القومي العربى

د.احمد عارف الكفارنة

 
اصيبالنظام الاقليمى العربى بتصدع شديد زلزل كيانه نتيجة لاحتلال احد دوله ,مما اصاب مفهوم الامن القومى فى مقتله, ومن هنا واجه النظام العربى خطرا حقيقيا من الخارج يهدف الى انهاكه ,تفتيته واضعافه, وقد ترسخت  فكرة التمحور حول الذات الى ان استفحلت حتى اصبحت نزعه ذاتية ادت الى تغلبها على المصالح العليا للدولة , حبث اصبح هذا الداء يسري في شريان الدوله الواحده نظرا لضعف وعجز النظام الاقليمى العربى فى مواجهة اعدائة0
وقد كنا كنظام اقليمي عربي نعاني التهديدات الاقليميه الاتيه من دول الجوار للنظام العربى سواء من ايران ,تركيا ,اثيوبيا ,كينيا او دول كبرى مثل الولايات المتحده او بريطانيا,  الى ان استفقنا على حركات التمرد والعصيان والانفصال التي  انتشرت هنا وهناك فى ربوع الوطن العربى  الهدف هو تمزيق الدوله الواحده الى عدة دويلات وذلك لافراغ النظام الاقليمي العربي من مضمونه الاستراتيحي وتغييبه  وهذا بسبب  تجميد معاهدة الدفاع العربي المشترك وعجز اليات النظام العربى عن  مواجهة مثل هذه القوى المتكالبة عليه لاجهاضه من اجل سيادة النزعة القطرية, مما جعل الدول المحيطه بالنظام الاقليمي العربي وبالتعاون مع بعض الدول الكبرى تفكر جديا باعادة تفكيك بعض دول النظام  العربى واعادة تركيبها بما يتلائم و يخدم مصالحها الاستراتيجيه والاقتصاديه. مثل العراق ,الصومال ,اليمن والسودان والتي هي محور حديثننا 0
وبدايه لابد من التأكيد على ان ظاهرة حركات التمرد الانفصاليه وخصوصا المسلحه منها  هي ظاهرة ساهم فيها كلا من الانظمة السلطوية العربيه ,و دولة الكيان الاسرائيلى  وبعض الدول الغربيه ذات المطامع الاقتصاديه او ذات الحنين الى عهد الاستعمار,   ومن هنا يمكن القول ان مشكله جنوب السودان هي نمودج للقاره الافريقيه المضطربه الغارقه بالمشاكل والتي لم تهدأ منذ خروج الاستعمار من دولها , فالجنوب في السودان مثلا في طريقه للانفصال بعد عام واحد من الان على الارجح . لقد استنزفت الحرب مع حركة الجنوب المتمرده قدرات وخيرات وشباب السودان وانهكته حتى بات مترنحا من الضربات المؤلمة التى وجهت اليه بايدى اهله انفسهم , هذه الحركات  يتم دعمها من دول لا يهمها استقرار السودان او حتى الوطن العربى , وذلك لان موارد السودان وموقعه الاستراتيجي ومواقفه اتجاه قضايا النظام الاقليمي العربي  والاسلامى هي التي وضعته في دائرة الضوء والاستهداف.
فأسرائيل على سبيل المثال عملت منذ فتره ليست بالقصيرة على استمالة زعماء التمرد في الجنوب ودعمهم وتسليحهم وتدريب العصابات التى يتزعمونها, كما عملت ايضا  جاهده على استماله حركات التمرد والانفصال في دارفور, وللتذكير بذلك  فان كلمة رئيس وزراء اسرائيل المنصرف ارائيل شارون في اجتماع حكومته عام  2003 هى خير دليل على ما نقول  حين  قال" لقد  حان الوقت للتدخل في غرب السودان وبنفس الاليه والوسائل وبنفس اهداف تدخلنا في الجنوب من اجل عدم  تحول السودان الى دوله اقليميه داعمه للدول العربيه المعاديه لأسرائيل" و تأسيسا على ذلك يمكن القول ان اغتيال فكرة الدوله وتفريغها من مضمونها هو صناعة لقوى  اجنبيه متقنه من قبل  اعداء الامة العربيه التى وجدت فى مثل هذه الحركات  ضالتهم المنشودة كأدوات لتنفيذ مخططاتهم وماّربهم ,هذه الحركات التي احتكمت للسلاح ورفعته فى جه ابناء الوطن الواحد  مطالبة بالانسلاخ عنه نتيجة لضعف الانتماء والولاء للوطن وارتهانها للاجنبي .
ان اخطر ما يواجهه النظام العربي اليوم هو مسألة تفكيك اواصر الدوله الواحدة والتي تعد كارثه بكل المقاييس على الامن القومي العربي  فمن محاولات تفكيك الصومال ,لبنان العراق , والسودان  الى محاولات زعزعة الوحدة الوطنية فى دول كاليمن, مصروالجزائر فلن يهداء بال هذه القوى حتى يصبح الامن القومى لقمة مستساغة وحمى مستباح لها .
لقد جّرت كلا من  الحكومه المركزيه في السودان والمتمردين في الجنوب البلاد الى الفوضى  ونهاية هذه الفوضى هى تمزيق الوطن الواحد ,فالحكومه المركزيه حتى الان لم تتمكن من التحول الحقيقي الى الديمقراطيه ولم تتمكن حتى الان  من استيعاب الجنوب المتعدد الاثنيات والاديان  من الانصهار ضمن بوثقة المجتمع السوداني الواحد , رغم حصول السودان على الاستقلال منذ فتره طويله ,ولم يتم تطبيق مفهوم  المواطنه لاغلاق الطريق امام مدعّي الانفصال والتمرد فى الجنوب  بل تم تقديم اخوة الدين على الهوية الوطنيه وهذا بحد ذاتة اثار  حفيظة الكثيرين من المرتزقة و الجمعيات الضالعة فى التبشير فى الجنوب ناهيك عن قوى اليسار والتى تجد نفسها فى تقاطع مع التيارات الدينية , ومن هنا جاء التدخل الاجنبى  المحموم على وجه الخصوص ضد فرض  وتطبيق اطار الحكم  الدينى للدولة من قبل الحزب الحاكم  فى السودان  والمتهم صراحة من قبل هذه القوى ان حزب البشير الحاكم فى السودان يصدر الاصولية الاسلامية, ومن هنا التقت كل القوى التى لاتريد الخير لا للسودان او النظام العربى فى دعم لا محدود لحركة التمرد فى الجنوب  ,لذلك لم تنجح اتفاقية نيفاشا التي وقعت عام 2005في مد جسور الثقه بين طرفي النزاع والتمكن من ازالة رواسب الماضى وخزاناته الطائفية التى تكون جاهزة للانفجار فى اى لحظة  بين ابناء البلد الواحد. ولم تتمكن من  محاولة مساعدة الجنوب الذي تدعي قيادته بأنه مهمّش ويعاني التمييز وذلك من خلال التركيز على مشاريع التحديث والتنميه وتقوية اواصر الوحده الوطنيه.كما ان الحكومه المركزيه تتحمل المسؤوليه عن هذة الاتفاقيه التي اعطت حق تقرير المصيرللجنوبين في تكوين دولتهم فى حالة موافقتهم على الانفصال فى الاستفتاء المقرر العام القادم , وهذا هو الهدف النهائي لهذه الحركات المسلحه المدعومه من الخارج  تقسيم السودان وتمزيقة وخصوصا بعد اكتشاف البترول فية بكميات تجارية  ذلك البلد الذى يعتبر سلة الغذاء للوطن العربى , اذ من غير المعقول ان الحكومه السودانية الرسمية  لا زالت تتعامل رسميا حتى الان  تطلق على حركة متمرده اسم "الحركه الشعبيه لتحرير السودان" وهي شريك لها في الحكم.اما هذه الحركه فلا زال  مطروحا على طاولتها كما نرى من سياق الاحداث مسالة الحرب اذا لم يحصل الانفصال, فلقد كشفت تقارير الدوائر الغربيه مؤحرا  ان سنوات الهدنه الخمس الماضيه تم استغلالها بشكل ملفت للانتباه في تسليح الجنوب وتأهيل ما يسمى الجيش الجنوبى والذى لم بدمج حتى الان فى الجبش المركزى للدولة حيث  وصل الامر الى انشاء قوات جويه وبحريه وبريه  وقواعد عسكرية بلغت تكاليفها بحدود   2,5 مليار بدعوى تحديث قوات الجنوب , ناهيك عن مساعدة دول الجوار الافريقى . فى الدعم العسكرى للمتمردين  مثل اثيوبيا  واوغندا وغيرها  من خلال سفن  الاسلحه المحمله للمتردين في جنوب السودان والتي تم اختطافها قيالة  السواحل الصوماليه 0
كما ان تقاسم اموال النفط حسب اتفاقية نيفاشا بين الشمال والجنوب  اتاح لحكومة فيما يسمى جنوب السودان  مبلغا شهريا يتراوح بين 160-240 مليون دولار من نصيبها في بيع النفط السوداني  وهذا كله ينفق على الاستعدادات العسكرية والتسليح ولا ينفق منه شئى على التنمية او تحديث البنية التحتية .بالاضافة الى  ان الولايات المتحده الامريكيه تقدم دعما تبلغ قيمته مليار دولار سنويا  للحركة الانفصالية هذه بحجة صرفها  على انشاء البنيه التحتيه كمساعده انسانية , وفى الواقع ان هذه  المشاريع هى تأهليه لانفصال الجنوب عن الشمال ,كما ان قيام ما يسمى بالحركة الشعبيه لتحرير السودان  بفتح قنصليات لها في العديد من دول العالم وعلى رأسها الولايات المتحده الامريكيه رغم وجود سفاره للدولة السودانيه هو مؤشر على الخطوات التدريجية  التي يخطوها قادة الحركة نحو الانفصال ,  وربما تكون كلمة  سلفا كير زعيم  الحركة والتي القاها في كنيسة جوبا عاصمة الجنوب بمناسية عيد راس السنة الميلادية مؤشرا واضحا على النوايا الدفينه والمبيته للانفصال  حيث قال" ان بقاء الجنوب مع شمال السودان سوف يجعلنا مواطنين من الدرجة الثانيه في السودان لذلك على الجميع التصويت للانفصال عند الاستفتاء المقرر العام المقبل" 0 ان جذور الخلافات بين الشمال والجنوب  باتت عميقه وان عملية بناء الثقه اصبحت معدومه بين الطرفين لا بل تفاقمت اذ ان الشمال والجنوب يتحدثون الان عن مفردات الانفصال وكانه اصبح امرا محتوما  ولا احد يتحدث عن تعزيز الوحدة الوطنية او مخاطرالانفصال وتمزيق الشعب الواحد والدولة الواحدة  او ماذا يحدث اذا تم الانفصال من حيث المناطق الحدوديه والعشائر المتنقله او مناطق نزاع كما حدث فى منطقة ايبى او نشوب نزاعات مسلحة بين القبائل فى المناطق المتداخلة  .حتى ان الاصوات التي في الجنوب والتي طالبت بالوحده والحرص على عدم تفتيت السودان مثل لام كول وزير خارجيه حكومة الجنوب تم عزله وحضر حزبه. ولا بد من الاعتراف ايضا ان خطوات الانفصال عززتها القوانين التي اجازتها مؤخرا الحكومه المركزيه وبمباركة اعضاء الحركة فى برلمان الخرطوم هي فى الواقع قوانين  تمهد للانفصال القانوني والسلمي للشمال عن الجنوب . اننا نتألم لما يجري لهذا البلد العزيز من تفتيت لوحدته ووطنه, اليوم انفصال الحنوب وغدا دارفور وبعد غد لا نعلم ماذا يرسم لهذا البلد من مخططات .  اننا نأمل ونطالب الجميع بالعض على الجراح رغم الالم ومحاولة بناء الثقة من خلال مصالحة وطنيه حقيقيه تراعي فيها مكونات السودان الواحد الدينيه والعرفيه والثقافيه ومحاولة طى الحساسيات والذاكرة التاريخيه المؤلمه  رغم كل شئى   وان يراعى مبدأ علمانية الدوله وتقديم الهويه الوطنيه على الدينيه , ذلك هو  الطريق الصحيح اذا ارادت الاحزاب السودانيه وحده وطنيه تحفظ ارض السودان من التمزق والتفتت ومحاولات تفكيك الدوله الواحدة فالسودان ملكا للجمبع  ولا يمكن اختزاله فالشمال ليس ملكا لحزب سياسي دينى فرض نفسه بانقلاب عسكري او انتخابات مبهمه  والجنوب ليس ملكا لحركة تمرد تحتكم للسلاح وتتاجر بالوطن  وتعمل لانفصاله باجندة خارجية وبدعم من دول لا يهمها سوى تقويض الامن للنظام الاقليمى العربى,نامل ان يكون هنالك ائتلاف حزبى شمالى جنوبى مشترك ذو اجندة اصلاحية وحدوية وطنية تحافظ على دولة متماسكة قويه اسمها السودان  يخوض الانتخابات كى ينقذ السودان من الخطر المحدق والمتربص فيه.

زر الذهاب إلى الأعلى