بحسرة وألم يتباكى كل من يتذكر الأناشيد العربية الخالدة مثل "الوطن الأكبر" و"الحلم العربي" على ما آلت إليه أحوال الأغنية الوطنية هذه الأيام، حيث باتت محشوة بتوابل الفن الرخيص من ملابس عارية تخطف العيون وأنغام صاخبة تسد الآذان، وذلك بدلا من الكلمات المزلزلة والألحان التي تحفز جميع المشاعر على الاستنفار.
فضمن صيحة "النيولوك" التي اكتسحت عالمنا اليوم سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وفنيا وأخلاقيا، أصبح للأغنية الوطنية أيضا نيولوك بحجة إبعادها عن المباشرة والنمطية والجمود، حيث دخلت عليها تجديدات من حيث الموضوع والملابس وطريقة الأداء وتبدل حالها على يد المطربة العراقية شذى حسون ومخرجها اللبناني يحيا سعادة.
فتظهر شذى حسون في كليب "وعد عرقوب" بمظهر غير لائق لطبيعة الأغنية الوطنية، حيث ترتدي فستانا قصيرا مكشوف الصدر وعليه جاكت الاحتلال الأمريكي المعلق عليه وردة كبيرة الحجم، وقد سبب مظهر شذى شبه العاري صدمة للمشاهد العراقي خاصة والعربي عامة.
وتقوم شذى بطرد حبيبها الأمريكي، الذي تركها بداية، بعد أن أصبح "وعده عرقوب" – أي وعد كاذب- ولا مانع بعد ذلك من الرقص في "الكليب الوطني"، ثم تظهر المطربة في مشهد آخر على سرير مرتدية ملابس شبه عارية بمواجهة حبيبها الأمريكي ومؤدية بجسدها حركات مثيرة .. وحتى هذه اللحظة لم يظهر ما هو "وطني" على الإطلاق.
ولعل ما يمت للوطنية بصلة في الكليب فكان ما عرضته المغنية، وهي على السرير، من خلال "الريموت كنترول" وانتقالها بين قنوات التليفزيون لتستعرض لقطات لقصف أرض العراق من جانب دبابات وطائرات أمريكية، أيضا ذلك الوجه الباكي للطفل الصغير الذي يظهر خلف الأسلاك الشائكة في نهاية الكليب.
شذى تغني (على السرير)
والملفت للنظر أن الدعاية السابقة لظهور هذا الكليب جعلته خبرا مهما على صفحات الصحف والمجلات باعتباره سيكون كليبا وطنيا، حيث روج مخرجه اللبناني يحيا سعادة إلى أن "وعد عرقوب" يجسد وعد قد باعوه من خلال السياسة العالمية للشعب العراقي باسم الديمقراطية وفي النهاية خاب أمل الشعب بهم، كما شرحت المطربة العراقية شذى وجهه نظرها في الكليب الذي قالت إنه سخر فكرة منتظر الزيدي الذي ضرب الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش بالحذاء.
وقد فسر المخرج يحيا سعادة مشهد الأحذية المتراكمة على الأرض في نهاية الكليب، والتي قد لا يلاحظه أحد، بأنه يذكر بطرد بوش من العراق وضربه بالحذاء، والذي يقابله في الكليب ترك شذا الحدود بعد تعرفها على شاب أمريكي، والذي طردته بدورها بعد خروج أمريكا من العراق وتترك مكانها تاركة خلفها هذه الأحذية التي تذكرنا بالمشهد الشهير، يذكر أن الكليب يظهرها تترك حبيبها بعد تركه لها وتخليه عنها أولا.
ويرى الأغلبية كما رأت جريدة "القدس العربي" التي وصفت المطربة شذى حسون بأنها تشوه صورة المرأة العراقية، وصورت الكليب بالصدمة حيث رُوج له بأنه سيكون كليبا وطنيا ولكن ما أن ظهر حتى تفاجأ الجمهور بظهور شذى وهي تمثل المرأة العراقية في عربة عسكرية أمريكية مع حبيبها الأمريكي مع أداء حركات غريبة لم يستطع جمهورها تقبلها فهي حركات امرأة رخيصة على سرير في عربة عسكرية أمريكية والأمريكي يتركها فتضطر هي لتركه.
وأضافت الجريدة أن شذى استغلت معاناة العراق واستجدت عطفهم وفازت، واليوم تعود لتستغل معاناة العراق بكليب لا يمت للوطن بصلة من حيث الكلام والتصوير .والحركات المنبوذة التي لا تمثل المرأة العراقية بكرامتها وعنفوانها وحشمتها.
مباشرة ساذجة
وعلى جانب آخر .. يشيد البعض بالكليب "الوطني" معللين ما أحدثه من ضجة إلى أن غالبية الجمهور العربي تعود على المباشرة الساذجة التي تسود معظم الأعمال الفنية (خصوصاً الفيديو كليبات العربية)، وكليب "وعد عرقوب" لا يجسد قصة واضحة أو ملحمة قتالية بطولية كان يتوقعها أو ينتظرها يتم فيها طرد المحتل بالحذاء، وربما يعتبر هؤلاء العلاقة العاطفية بين امرأة عربية وجندي محتل "إساءة للشرف العربي الرفيع".
وتشرح فئة المؤيدين لكليب "وعد عرقوب" فكر مخرج الكليب يحيا سعادة وأسلوبه الإخراجي "المتفرد" في تضمين رسائله السياسية أو الاجتماعية، والأيديولوجيات التي يؤمن بها في مشاهد تمر ظاهرياً عادية، لكنها تخلف لدى المشاهد شعوراً إما بعدم الارتياح أو الحيرة، وتدفعه للتفكير والتساؤل، وقد ينجح في فك الرموز بعض الأحيان، وربما يحتاج لمن يفسر له ما يريد يحيا إيصاله في أغلب الأحيان.
ويشرح مؤيدو سعادة منهجه في التعامل مع المرأة حيث يظهرها دائما في أعماله المصورة متفجرة الأنوثة، جريئة، متمردة، وثائرة، وتعبر عن رمز لفكرة أو شيء ما، وفي كليب شذى حسون فهي رمز لدول العالم المستضعفة والتي تقع ضحية وعود "القوى العسكرية العظمى" بتحقيق الحرية، والرفاهية، والتقدم الاجتماعي، فتكون النتيجة في الواقع، نهب للثروات، يرافقه التشريد والفوضى، والمزيد من الفقر، وانعدام الأمان.
ويكمل مؤيدو سعادة أن المشاهد العادي سيرى فتاة عربية مثيرة على سرير في غرفة نوم مع جندي غريب، والسرير في الواقع ليس سرير غرام في غرفة مغلقة، وإنما هو سرير لاجئة في مخيم، ويكتشف المتابع ذلك في نهاية الكليب عندما تبتعد الصورة فيظهر السرير على متن شاحنة عسكرية، عكس ما يوحي به المشهد في البداية. كما سيرى المشاهد العادي أيضاً امرأة تقوم بحركات قد تفسر على أنها مثيرة، لكنها في الواقع حوارية إيمائية.
مخرج وقح
جاد شويري
يُذكر أن المخرج اللبناني يحيا سعادة شخصية مثيرة للجدل لاقى كليبه funky arab الذي أخرجه لجاد شويري اعتراضات كثيرة ففيه كم من العري والمجون والخلاعة ما يشبه الكليبات الغربية المثيرة.
كما أثار سعادة غضب المسيحيين وهاجمته عدد من الصحف ومعه هيفاء وهبي واتهمتهما بالإساءة إلى الدين المسيحي بسبب ظهور صليب ضخم على الحائط في عدد من مشاهد الكليب "مش قادرة أستنى".
وكرد فعل أعرب المخرج اللبناني يحيا سعادة عن اعتذاره الشديد لكل المسيحيين، مؤكدا أن ظهور الصليب في الكليب جاء بشكل غير مقصودة، مشيرا إلي أنه علي أتم الاستعداد لحذف هذه المشاهد من العمل.
كما تعرض سعادة لهجوم عنيف من قبل بسبب كليب أغنية "بياع الورد" للمغنية أمل حجازي، والذي تسبب باتهامها بالشذوذ الجنسي، بعد ارتدائها "تي شيرت" يحمل رمز شركة متخصصة في بيع ملابس "المثليين"، في أحد المشاهد.
وكان سعادة قد أكد في حوار لـ"الجريدة الكويتية" أنه لا ينزعج ممن يصفه بالوقاحة ويرى أن الوقاحة لم تعد إهانة في الوقت الراهن، وقال :"أفضل أن أكون وقحاً من خلال تجسيد الواقع على أن أعيش عالماً مثالياً في الظاهر في حين أنه في الحقيقة قائم على الأكاذيب والخرافات".