أرشيف - غير مصنف
الاجتثات…مهزلة
شامل عبد القادر
كاتب عراقي
للتطهير الوظيفي والمعاشي والجسدي في العراق تاريخ عريق ولثقافة العنف في بلاد الرافدين جذور ممتدة الى اعماق التاريخ السحيق وما نحن عليه الان من ثقافات عنف واقصاء وتهميش امتداد لذلك الماضي العراقي (الذهبي!!) للاسف الشديد لم نتخلص منها مهما تغير الحال الى حال اخر ومهما بدلنا من جلودنا وازيائنا العقائدية والايمانية والايديولوجية نبقى اسرى ارث العنف!
قبل (60) سنة اخترع نوري السعيد قانون التطهير الحكومي للتخلص من اعداء النظام ومعارضيه ومخالفيه باسم الشيوعية تارة والنازية تارة اخرى وحرم آلاف العوائل العراقية من مصادر رزقها تحت عنوان تطهير دوائر الحكومة من المرتشين والفاسدين بينما كان السعيد يسعى من وراء تطبيق هذا القانون السيئ الذكر التخلص من الوطنيين والقوميين والشيوعيين وهم اكثر الموظفين في الحكومة نزاهة وصدقا وشرفا واخلاصا!
وبعد انتصار امريكا وبريطانيا على المانيا بعد الحرب العالمية الثانية طبق قانون التطهير الحكومي هذه المرة ضد المعجبين بالنازية وهتلر من موظفي الحكومة!!
وخسرت العوائل العراقية اعدادا هائلة اخرى من اربابها وعاشت ضنك العيش وشحة الرزق والبطالة من جراء تطبيق القانون الظالم تارة ضد (النازيين) العراقيين وتارة اخرى ضد ( الشيوعيين) العراقيين واعتقد ان هذا الظلم الذي لحق بموظفي العراق وعوائلهم من جراء التعسف في استعمال الحق وطردهم من وظائفهم واعمالهم باسم التطهير الحكومي هو الذي يفسر لنا سلوك العراقيين يومي 15 تموز من عام 1958عندما سحلت جثة (الباشا!!) نوري السعيد وقطعت اربا اربا على ايدي عوائل المفصولين والمجتثين!!
ان قوانين التطهير الحكومي هي التي اسهمت وسرعت في القضاء على الحكم الملكي ورموزه!
بعد 17 تموز من عام 1968 قرر البعثيون الذين تسلموا السلطة اطلاق سراح جميع المعتقلين والمسجونين السياسيين وجلهم من الشيوعيين واليساريين والقوميين واعادتهم الى وظائفهم كما صدرت في عام 1974 قرارات تعيين جميع العاطلين عن العمل وكانوا قرابة مليون عاطل من خريجي الكليات والمعاهد في وظائف جديدة من دون التوقف ازاء انتماءاتهم القومية والدينية والطائفية واعتقد شخصيا ان هذا القرار لوحده هوالذي مكن البعثيين من كسب الالاف الى صفوفه وتقوية اركان الحكم!
واليوم تقطع اعناق سياسية بمقصلة (هيئة اجتثاث البعث) التي تحولت الى (هيئة المساءلة والعدالة) وان حجب (15) شخصية وكيانا سياسيا له نفوذ شعبي قوي على طريقة (الباشا!!) الجديد بتهمة البعث والتبعيث تؤكد لنا من جديد ان مقصلة الامس لم تتوقف عن حز رقاب خصومها منذ عام 1963!!
فسر عراب الاجتثاث في العراق الذي نقل الينا بعد الاحتلال تجربة امريكا في اجتثاث النازية والنازيين من المانيا المهزومة في الحرب العالمية الثانية انه اراد بتاسيس هذه الهيئة ان يمنع وقوع مجازر دموية ضد البعثيين!
ربما في كلام الرجل بعض الصحة اذ بوجود تمترس متين لثقافة العنف التي لم يتخلص منها رموز الحكم الجديد من الاحتمال جدا ان نشهد في كل يوم سقوط راس بمقصلة علي اللامي!
ان التفسير الوحيد لاختيار هذا الظرف (احتلال القوات الايرانية للفكة وزيارة متكي للعراق وجيشه المعتدي مازال ممسكاً بارض عراقية!!) بالتخلص من (15) كيانا سياسيًا هو تمهيد الطريق للدولة الديكتاتورية الطائفية الجديدة والعودة بالشعب العراقي المغلوب على امره الى المربع الاول!!
لا اعتقد ان احدًا بعد اليوم قادر على انجاح او تمرير (مشروع الدولة الديكتاتورية الطائفية الجديدة) في العراق واعتقد انه ان الاوان للتخلص من اساليب الاقصاء والتهميش والشيطنة وتشويه السمعة السياسية وترسيخ الاحقاد الفكرية بين العراقيين ولنتعلم جميعًا على الاقل درسًا واحدًا فقط من دروس سنوات ما بعد الاحتلال..
وليكف الجميع عن التشبث بالقوانين والاجراءات التي لا تقل الما عن ذبح امرئ بسكين او قامة او مقصلة او مدية.. انهم الان استبدلوا ضرب العراقي بالطائرة والعبوة والناسفة واللاصقة .. بقوانين اكثر قسوة وظلما من الطائرات والمدافع.. قوانين تنطق بكلمة حق .. يراد منها باطل!