أرشيف - غير مصنف
الضاحية الجنوبية… وقنبلة هيروشيما
د.مدين حمية
العقيدة الارهابية لها إستراتجية محددة الأهداف، وهي توضع ضمن أُطر خاصة وضيقة، والمُنظر لها يضعها قيد التداول وهو يعلم مسبقاً أنها لن تحقق سوى إحداث شرذمة محدودة.
إن أي مهتم بتحليل الوضع الإجتماعي ومؤثرات التفرقة الإرهابية وسط مجتمعاتنا، يعي جيداً خطورة تفشي الإرهاب فيحزم الشكيمة على وأد الفتنة وتلافي تبعات إعلامها. وهناك من يهتم بترويجها بألوان وأشكال متعددة وخبيثة حتى يكون وقعها أكثر تأثيراً وبشاعة من قنبلة هيروشيما
وللإستراتجية الارهابية عدة جوانب، منها الجانب السياسي الذي يستهدف زعزعة الإستقرار السياسي في بلد معين وإحداث الفوضى العارمة في داخله وتعميق الشروخ بين مكونات نسيجه الإجتماعي.
وهناك الجانب الفني الذي يدرس بعناية مدى إستعداد المجموعات الداخلية في أي بلد لحصول تغيير في اهداف الرؤى من خلال القدرة الفنية العالية في الهندسة العسكرية وخصوصاً سلاح العبوات المرعب.
وهناك أيضاً الجانب العسكري الذي يصب مباشرة في تغيير الواقع العسكري الموجود عند الآخر بحيث يُنشد إنشاء واقع عسكري بواسطة القوة والسطوة.
إنطلاقا من هذا التعريف لجوانب استراتيجية الارهاب، يمكن لنا تفسير الضوضاء التي حصلت بعد إنفجار العبوة التي استهدفت مكتب حركة حماس في الضاحية الجنوبية وخلفية ما تضمره الأبواق التي استخدمت هذا التفجير بما ينسجم مع مضامين الإستراتجية الارهابية..
وعليه يمكن تناول الأسئلة التي طرحت: هل هي محاولة إغتيال، أم أن "حماس" تتدرب على تصنيع العبوات الناسفة داخل الاحياء الآهلة بالسكان، أم أن هنالك لغزٌ ما؟!
وبرغم أن حزب الله لم يصرح بشيء، وحماس اعلنت عن محاولة إغتيال، وبالرغم من ذلك لم تسترح الأبواق من الضخ المريب، وكأنها تريد بالزمن أن يعود إلى الوراء حتى يقتل آلاف من المدنيين والمقاومين من حماس وحزب الله
اما في موضوعة الروايات عن الانفجار، فقد تعددت وتنوعت وكلها تصب في خانة واحدة. ولذلك لا بد من توضيح التالي:
إن الرواية عن التدرب على صنع العبوات الناسفة، أمر يستحيل أن تقوم به "حماس" داخل الاحياء السكنية، فالفكر التدريبي العسكري الذي تعتمده "حماس" دقيق جداً، وهو فكر يتطور وهذا التطور يحتمل أخطاء ما، لذلك فهي لا تقوم بمثل هذه التدريبات في أحياء سكنية، حتى تبقي أماكن تصنيع العبوات خاضعة للسرية التامة.
اما بالنسبة للرواية الأخرى، فمفادها انه عندما داهم الجيش اللبناني مؤخراً خلية إرهابية في البقاع اللبناني وألقى القبض على عناصرها وعثر بحوزتها على عبوات ناسفة، لم يتمكن من إلقاء القبض على المهندس الكميائي "القائد"، إذا أنه تمكن من الفرار مع عبوة خاصة معّدة للتفجير، وربطت هذه الرواية بين هرب هذا المهندس وبين إستعدادات حزب الله لإحياء يوم العاشر بمسيرة ضخمة في الضاحية الجنوبية.
وكما هو معلوم، فإن حزب الله وقبل ايام من يوم العاشر من محرم يكون قد مسح أمنياً جميع الطرقات المؤدية للمسيرة وكل الثغور الأمنية المتبقية وتأكد من خلوها من العبوات الناسفة. لكن الرواية تقول أن ثمة سيارة دخلت الى قبو المبنى الذي تقطنه حماس وتخلصت من المسح الأمني الذي نفذه حزب الله على السيارات المركونة على جوانب الطرق، وأن السيارة المفخخة كانت تنتظر اليوم الثاني لتخرج الى طريق المسيرة وتنفجر بالتجمع البشري الحاشد!.
هنا يُطرح السؤال.. كيف سيسمح أمن حزب الله بدخول السيارة؟
من المعروف، أن المبنى الذي وضعت فيه السيارة قبل إغلاق الطرقات يقع ضمن المحيط الممسوح أمنياً وذاك يعني بان ما هو موجود في الداخل سيبقى وما هو في الخارج سيبقى مكانه أيضاً، وحتى لو تجول داخل المحيط الأمني فرجال حماية االمسيرة سيظنون بانه ممن لديه رخصة دخول بالسيارة ولذلك لن يوقفها فالذين يمنعون دخول السيارات هم على المدخل الرئيسي البعيد عن المبنى خمسمائة متر، ولكن هذا لا يمنع الشكوك بوجود أي خرق امني، سواء داخل المبنى الذي يقطنه مسؤول حماس أو في أي مبنى آخر.
معنى ذلك، أن الرواية الآنفة الذكر، لا قيمة لها، وكذلك، الرواية التي قالت بأن حزب الله وحماس لم يصرحا عن حقيقة ما حصل حتى لا تحدث ترددات اقوى من ترددات العبوة الناسفة بألاف المرات.
بإختصار، لقد سقطت الإستراتجية الإرهابية الفتنوية في مرآب المبنى نفسه، لكن ابواق المتكالبين لم تسكت بعد، وهذا يذكرنا بمقولة الأمين العام لحزب الله في عام 2006 في مقابلة مع تلفزيون الجديد عندما سألته السيدة مريم البسام (لو كنت تعلم؟) فاجابها لو كنت اعلم لما فعلت. وهي الاجابة التي استخدمها البعض في غير موضعها وفي غير محلها. فالأمين العام لحزب الله كان يدرك أن "إسرائيل" ستقوم بعمل ما رداً على عملية خطف الجنود الصهاينة، وهو الذي صرح قبل العدوان بان إسرائيل تحضر لهجوم، كما أن الجهاز الاستخباري لحزب الله يعلم بنوايا الإسرائيلين وبانهم سيهاجمون دون اي حجة تذكر، والجهاز الإستخباري لحزب الله يدرك جيداً ما يدور في داخل الكيان وتاريخه يشهد على ذلك.
فما قصده الأمين العام هو أنه لو كان يعلم بأن الغدر والخيانة كانت ستحصل بهذا الكم والصفاقة من الداخل لما فعل، وذلك حفاظاً على الوحدة ثم الوحدة في الماضي والحاضر والمستقبل.
د.مدين حمية