انقلاب عسكري في العراق!!!
د . ايمن الهاشمي
يوم الثلاثاء الماضي فوجئ اهل بغداد بإنذار شديد أدى إلى إرباك أمور الناس، وفوضى شاملة في الشارع، نتيجة إشاعة مفادها أن "إنقلابا عسكرياً وشيكاً لإسقاط حكومة "دولة القانون"، أو "دولة الفافون" كما يسميها العراقيون!، وهذا يعبر عن "هزال الدولة" إن وجدت حقا "دولة"، وصاحبت الوضع المرتبك إشاعات أخرى، لايعرف مصدرها، والحكومة ليست مبرأة منها، أنّ هناك (35) عجلة مفخخة بالمتفجرات تتجول في شوارع العاصمة بإتجاه أهدافها!!..مما زاد من إرباك الناس! واقترنت الاشاعات بحملة مداهمات شعواء وعشوائية من اجهزة السلطة الامنية انتهت باعتقال المئات في مناطق الجامعة والدورة والخضراء والعامرية والسيدية والاعظمية والمنصور والعدل، وهي مناطق سنية بالطبع!! والسبب ان المالكي وحكومته العتيدة متخوفون من بعبع (عودة البعثيين الى الحكم)!!! كما كانت ثمة تسريبات من داخل أروقة حزب الدعوة، أنّ المالكي متخوف من "إنقلاب برلماني"!!، تقف وراءه دول عربية معينة معادية للنموذج الديمقراطي في العراق الجديد!!!، للتأثير على نتائج الأنتخابات القادمة، وهذا ماأكده علي الأديب الناطق بإسم حزب المالكي بأن "عناصر بعثية صدامية عقدت مؤخرا إجتماعات في عواصم عربية مجاورة للعراق"!!..
والحديث عن "الأنقلاب العسكري لتصحيح الأوضاع في العراق" ليس وليد اليوم، بل هو حديث قديم جديد، وكانت بداياته من داخل أروقة الإدارتين الأمريكية والبريطانية وصحفيين على صلة بهما، ولا شك أن هذا الكلام هو محاولة لمصادرة المطلوب قبل أوانه، بعد أن أدركت أمريكا أن الحكم الحالي ميؤوس منه وغير قادر على اصلاح الاوضاع. كما ان الحديث عن "انقلاب عسكري وشيك" مزعوم!! إنما يعبر عن حالة الشعور لدى حكومة المالكي بالإحباط واليأس والخوف من الغد المجهول!! خاصة وأن العراقيين اليوم يشعرون بالإحباط تجاه الشكل السياسي العام الذي أنتجته العملية السياسية العرجاء، كما أنه يعبر عن إستياء الإدارة الأمريكية مما يجعلها قد تغض الطرف عن انقلاب لن يغير بالآليات، بل يغير بالشخوص فقط، أو الخارطة السياسية، ويرى بعض المحللين السياسيين العراقيين أن هذه التخوفات تكاد تكون محصورة بالسياسيين دون سواهم، لإحساسهم بان "العسكر" باتوا يأخذون دورهم في حل القضايا السياسية والأمنية المعقدة، مما ولد لديهم حذرا وتوجساً يتعلق بالعودة إلى "عسكرة المجتمع" خاصة وأنهم يعتقدون بان المجتمع العراقي مازال يؤمن بالقوة حلا مثاليا لجميع المشاكل لاسيما السياسية منه.
وكان أول من تحدث عن خطة أمريكية لإعادة "تحرير بغداد" هي جريدة الصاندي تايمز البريطانية يوم 16/4/2006 حين كتبت بأن القوات الأميركية تخطط لإعادة تحرير بغداد من خلال الأستعانة بالجيش العراقي الجديد، في مسعى لإعادة إحلال الأمن والنظام في العاصمة التي تتسم بالفوضى، وقيل وقتها أن " أن قادة أميركيين سياسيين وعسكريين أصبحوا يميلون مع التقارير العسكرية السلبية حول وضع القوات في العراق إلى فكرة مساندة إنقلاب عسكري لأحد جنرالات الجيش العراقي السابق، حيث يبدي جنرالات سابقون (معتدلون) في الجيش العراقي رغبتهم في الإتصال سياسيًا مع الولايات المتحدة الأميركية لبلوغ تفاهمات عسكرية في حال ساندت واشنطن الإنقلاب العسكري. ووفقًا للدبلوماسي الأميركي فإنه لدى الجنرالات العراقيين، خطط أمنية على مستوى أمني عالي ومهاري لطرد شبكات وخلايا القاعدة ووقف وشل القدرات الإستخبارية للخلايا الأمنية التي تعمل بأوامر مباشرة من أجهزة استخبارات تابعة لدول في الجوار العراقي (المقصود إيران)،
واليوم يتداول العراقيون معلومات تتحدث عنها علنا أوساط سياسية مختلفة، تشير إلى استعداد أميركي للقبول بحل "الانقلاب العسكري". وثمة في هذا الإطار معلومات دقيقة عن خطة طوارئ أميركية تسمح بوقوع "انقلاب" – على غرار إنقلاب (مشرف) الباكستان أو إنقلاب (عسكر موريتانيا)- ولكن من دون تدخل قوات الاحتلال المباشر. وتتسرب معلومات تشير إلى أن الأميركيين ناقشوا بجدية هذا الخيار قبل بضعة أشهر، في الواقع ما من أحد، من الذين يتداولون هذه الأنباء لديه تأكيد قاطع بموعد الانقلاب أو شكله وطريقة تنفيذه. ومع ذلك فإن معظم من يشاع أنهم قادته يعيشون داخل العراق، باستثناء عدد قليل تم استدعاؤه مؤخرا من بلد عربي مجاور حيث يقيمون هناك منذ فترة طويلة. كما أن الكلام يدور عن خطة لتصفية وحل الميليشيات المسلحة بالقوة، والتخلص من عدد من الشخصيات السياسية التي لاتحظى برضا الناس، وتسفيرهم إلى حيث أتوا، وسيكون شعار الإنقلاب "ضبط الأمن"، بغية الحصول على تعاطف شعبي مع الانقلابيين، وربما على "التفاف جماهيري" يسمح لقوى سياسية بعينها أن ترحب علنا "بالانقلاب الأبيض" وأن تحرث الطريق أمام انسحابهم. الأنقلابيون يريدون مناغاة هواجس العراقيين الذين ضاقوا ذرعاً بالفوضى الامنية وتردي الخدمات وانتشار الفساد وباللصوص الكبار، مما يجعلهم يتقبلون في النهاية إنقلابا عسكريا (في ظل الاحتلال) يأتي بحكومة إنقاذ وطني. إنه إنقلاب عجيب غريب، لا أحد يدري إن كان سيشكل (وصفة لعلاج) أمراض الغزاة الذين وعدونا قبل 7 سنوات أنهم جاؤوا ليحرروا العراقيين من (دكتاتورية العسكر)، فإذا بهم يداووا جراح العراقيين بانقلاب عسكري بنمط حديث وصناعة أمريكية.