في مشهد افتراضي على الانترنت، تتصاعد ألسنة اللهب لتلتهم آية الله علي السيستاني؛ "الفلم الأكثر انتشاراً" يدخل ضمن التطاحن بين متشددين من السنة والشيعة والذي ساهم الداعية السعودي محمد العريفي في تأجيجه بخطبة، مطلع يناير/كانون الثاني، نعت خلالها الشيعة بـ"المجوس" والمرجع الديني الكبير بـ"الزنديق" و"الفاجر" وأثارت عاصفة من الاحتجاجات المحلية والدولية وكذلك سيلاً من التحذيرات من نار الطائفية في المملكة التي تسعى إلى ترسيخ "الحوار الوطني" وتدعو إلى "حوار الأديان".
الأطماع الفارسية
وبث الفيلم "حقيقة السيستاني" الجمعة على موقع "لجينيات" "يفضح المخطط الرافضي ضد الدين الإسلامي الحنيف وضد صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحربه على السنة، من خلال تطبيق الخطة الخمسينية في تصدير الثورة الحسينية بهدف زلزلة الحكومات التي يسكنها شيعة وزرع الشقاق والفتنة في الدول السنية ويكشف الأطماع الفارسية في المنطقة" ويتهم السيستاني بـ"مساندة الغزو الأميركي للعراق والتحريض على قتل أهل السنة في العراق".
وينتهي الفيلم بحرق افتراضي لآية الله السيستاني، "الإيراني الذي يسكن في النجف".
وتساهم مواقع إلكترونية سنية مثل "لجينيات" و"الساحة" في تأجيج الاحتقان الطائفي، بمقالات "مذهبية" تصب الزيت على النار.
وحتى الزعيم الشيعي السعودي المعتدل، الشيخ حسن الصفار، لم يسلم من حملات التخوين والتشكيك في ولائه للوطن.
إذ وصفه الشيخ عبد الرحمن بن محمد الهرفي بأنه "أحد وكلاء السيستاني" في المملكة "يستمد وجوده وشرعيته ومكانته الاجتماعية من خلال ارتباطه به، وخضوعه لأمره" وفي المقابل، يقبض "ملايين الريالات سنويا".
وكان الشيخ العريفي، إلى جانب تهجمه على السيستاني ودعوته لهدم الكنائس المسيحية في الدول الإسلامية، قد انتقد شيعة السعودية قائلاً "أنه لولا يقظة الأجهزة الأمنية، لرأى الناس من أفعالهم عجباً".
الحوار الوطني في خطر
إلا أن المستشار الخاص للملك عبد الله، الشيخ عبد المحسن العبيكان، أكد أن "السعودية دولة اعتدال ولها دورها القيادي في التقريب بين المسلمين، وإن رأي العريفي لا يمثل بأي حال من الأحوال رأي الملك أو الحكومة السعودية"، بعد أن صدرت بيانات وتصريحات من شخصيات إسلامية سنية وشيعية تستنكر تلك الآراء.
وكانت الحكومة السعودية قد دشنت في عام 2003 لقاءات فكرية للحوار الوطني شارك فيها شخصيات من جميع الأطياف والتيارات الدينية والليبرالية، من بينها شخصيات دينية شيعية، لترسيخ ثقافة الحوار بين المواطنين السعوديين وتقوية اللحمة الوطنية.
كما أن الملك عبد الله سعى من خلال رعايته للمؤتمرات العالمية ـ منها "المؤتمر الدولي حول الحوار بين الأديان" باسبانيا و"مؤتمر حوار الأديان" بمدينة نيويورك ـ إلى المصالحة بين الأديان السماوية الكبرى وردم الفوارق ونبذ الخلاف بين أتباعها.
وردا على إساءة المتشدد الشيخ محمد العريفي للشيعة والإمام السيستاني، طالب أحد رجال الدين الشيعة في السعودية، منير الخباز، بمقاطعة الحوارات الوطنية ما لم تسن الحكومة قانوناً يعاقب من يهدد الوحدة الوطنية، ودعا نظرائه من رجال الدين إلى اتخاذ ما وصفها بـ"خطوات عملية فاعلة وعدم الاكتفاء باستنكار تصريحات العريفي"، كما ورد في بيان نشره على موقعه الالكتروني.
وتجنباً لمزيد من التأجيج الطائفي، تم في منتصف يناير/كانون الثاني إلغاء ندوة معادية للشيعة، بعنوان "الشيعة وعقائدهم الباطلة"، كانت قد دعت إليها هيئة دينية تابعة لوزارة الشؤون الإسلامية في مدينة جيزان الجنوبية بعد موجة غضب محلية ضد عقدها.
حتى لا تحدث محرقة في المملكة
ولا تزال الصحف المحلية تنشر عشرات المقالات لكتاب من السنة والشيعة مستنكرة تصريحات العريفي وتحذيرات من نار الطائفية.
فكتب تركي الدخيل في "الوطن" تحت عنوان "والشيعة سعوديون أيضاً!" الأحد "نعيش هذه الأيام أجواء مسممة بالطائفية! (…) من دون أن نعي حجم المصيبة التي ستحل بنا في حال استسلمنا للمد الطائفي المغرض المدعوم من قبل قوى إقليمية تعيش بالأساس على تغذية العرقية والإثنية والطائفية".
ويعتقد الدخيل أن "أن التنابز الطائفي النشط داخلياً وخارجياً، لم يكن لينجح لولا الاستجابات النفسية عند الطرفين"، محذراً من أنه لو لم "يتدخل حكماء الطائفتين لإخماد هذه النار المضطرمة، التي لو وصلت إلى خيمة الوطن بذات قوتها المحرقة في العراق، فإننا سنشهد خيمتنا وقد أكلتها ألسنة نار الطائفية التي لا ترحم".
ومن جانبه، كتب علي سعد الموسى في الصحيفة نفسها، تحت عنوان "رؤية باردة لقنابل العريفي الملتهبة": "إن في بعض الخطب الكلامية ما هو أخطر من قنبلة (…) فتنة القدح المذهبي لعب بالنار لا يمكن إطفاؤها بقربة"، قبل أن يتساءل: "هل أطفأت هذه الخطب السياسية الملتهبة جذوة القتل الأعمى بالعشرات اليومية في شوارع بغداد وإسلام أباد؟ (…) وهل تستطيع هذه القنابل أن تمسح من الوجود مذهباً أو عرقاً بشهادة كل سنين التاريخ؟ (…) وهل الهدف أن تصبح بغداد أو طهران أو إسلام أباد أنموذجاً للرياض أو الإحساء أو أبها أو المدينة المنورة؟".
ابحث عن الداء في المؤسسة الحكومية
أما نذير الماجد، فيرى أن الشيخ العريفي "المتشدد" قد "كشف القناع عن نزق طائفي وإقصائي متجذر ومستكن في اللاوعي".
ويطرح الماجد جملة من التساؤلات في مقال في "راصد" بعنوان "ما وراء كلمات العريفي": "فقد أستعيد السؤال مجددا فيما إذا كان العريفي يمثل نفسه فقط أم هو نتيجة طبيعية للبنية السياسية والاجتماعية؟ ألا يتماهى ما قاله الداعية الصحوجي مع اتجاه ديني مهيمن على مؤسسات حكومية كالتعليم والقضاء؟ ألا يمثل تعبيرا صادقا عن الفكر والأيديولوجية التي تتبناها الدولة بدليل التأكيدات التي تتردد مراراً على لسان أكثر من مسؤول من أن منهج الدولة هو سلفي والتفكير السلفي هو وحده المرجعية التي تمنح الشرعية للسلطة؟".
ويضيف: "التكفير عند العريفي كما التفسيق عند البراك، يتسق تماماً مع ما قاله قبلهما الشيخ اللحيدان حين أفتى بقتل ملاك القنوات الفضائية العربية. يشكل الثلاثة عينة من خطاب تكفيري يراد له أن يكون بعبعاً وشماعة لتعليق كل المشاريع الإصلاحية المزمعة، بذريعة أن الواقع ليس مهيأً للتغير".
و يختتم الماجد مقاله قائلاً "وحتى لو توفرت الإرادة السياسية الجادة في لجم نزعات التكفير فستظل ناقصة وغير فعالة ما دام التكفير والتعليم الطائفي يجد له حضورا مكثفا في المناهج الدراسية ومؤسسات التعليم".
أما أحمد شهاب، فيطالب بـ"ضرورة نشر ثقافة التسامح بين صفوف المجتمع، من الإعلام الرسمي، إلى القاعات المدرسية، إلى المؤسسات الدينية والمدنية".
ففي مقال في صحيفة "أوان" الالكترونية بعنوان "سرقة مشروع الاعتدال"، يقول "أم وسائل الإعلام، فإنها تكاد تنحو منحى طائفياً عبر عرض وجهة نظر مدرسة فقهية واحدة، والإعراض عن الآخرين".
saudiwave.com