يكتبها ابو احمد الغلبان
لضحايا هيتي العالم، أما أطفال غزه فلا بواكي لهم
استيقظ العالم في صباح احد أيام يناير 2010 ليتابع احداث الكارثه التي حلت باحدى افقر دول العالم حينما هز زلزال قوته 7.5 درجه على مقياس رختر البلد الذي يبلغ تعداد سكانه زهاء 9 ملايين نسمه. و منذ صباح ذاك الثلاثاء الأسود في هيتي، سارعت وكالات الأعلام نقل تداعي الأحداث المؤلمه التي أودت بحيات مئات الألأف من الأرواح، و شردت الملايين. ثم أفرغت محطات التلفزه حول العالم ساعات من البث المتواصل لتنقل لحظه بلحظه وصول المساعدات من شتى بقاع الأرض الى هيتي، و لنقل صور الموتى و الجرحى، و أؤلئك الذين حاصرتهم السقوف المنهاره، و غيرهم الذين يشكون الى وسائل الأعلام قلة الحيله و عدم توفر الماء و الغذاء او الدواء. و شكى المنكوبين تباطىء دول العالم في ايصال الأساسيات اللازمه حتى لا يرتفع عدد الضحايا لهذا الشعب الذي لم يرتكب جرما ليلقى هذا المصير. على اثر ذلك، تنادت الحكومات حول العالم لتقديم كل ما يمكن لهذا الشعب الذي ابكى القاصي و الداني و الذي يستحق المساعده العاجله دون ادنى شك، حتى ان الرئيس الأمريكي أوباما تعهد بتخصيص كل الأمكانات المتاحه للمساعده بالاضافة الى رصد 100 مليون دولار لأغاثة الملهوفين في بلد يعد زهاء 70% من شعبه تحت خط الفقر. و أجرى أوباما اتصالات التنسيق حتى انه طلب من الرئيس الأمريكي الاسبق بوش الأبن العوده الى الأضواء و التضامن معه و مع الرئيس كلينتون لجمع التبرعات لأهل هيتي. لا بد هنا من ذكر أن الدول العربيه سارعت هي الأخرى بأرسال المساعدات و فرق النجاه حتى يسجل العالم هذه المشاركات في السجل الأبيض المتعلق بتقديمها العون للقريب و الغريب على حد السرعه.
أتوقف هنا لأعيد و أؤكد أن كل شعب منكوب يستحق العون العاجل بناء على كل المنطلقات الانسانيه و الدينيه و الدستوريه. لكن و قبل أن التقط أنفاسي، أتابع صور البيوت المهدمه على رؤؤس اصحابها في هيتي، و تهتز المشاعر لما أرى و يعتصرني الألم لرؤية هؤلأء الثكالى و الأطفال الباكيه النازفة دماؤها، ثم فجأة أستشعر و كأن تلك المناظر قد مرت بي من قبل، فأجد نفسي أعود بالذاكره الى صبيحة أيام عديده ألتصق فيها كل أصحاب الضمائر الحيه بشاشات التلفاز تماما عام مضى في يناير 2009 عندما تابع العالم مأساه أنسانيه حلت بشعب اخر في جهة أخرى من العالم أسمه شعب غزه.
أن قارنا بين المأساتين، نجد الكثير من أوجه الشبه و كذلك بعض أوجه الاختلاف بينهما. في كلا الحالتين لم تختلف صور البيوت المنهاره، و لا مناظر الدماء و الأشلاء المنتشره في كل مكان حتى أمتلأت الطرقات برائحة الموت و عويل الاهالي، لم يختلف الحال في نقص المعونات الطبيه و الأنسانيه. خلفت المأساتين الكثير من المشردين و الأرامل و الأيتام، دمرت البنيه التحتيه و أضحى الأقتصاد في خبر كان. رافقت الدموع الخدود في الشوارع و ذرف الملايين حول العالم الدموع حزنا على ما حل بهذه الشعوب الأمنه.
أما اوجه الاختلاف بين المأساتين فهي بحد ذاتها مأساه تجدد الألام و تختلج لها القلوب، و مع اقرارنا بتباين أعداد الضحايا،في الوقت الذي بات العالم اليوم يجيش كل أمكانته لرفع الألم و كسر قيود النكبة عن أهل هيتي، حتى أن أمريكا قررت أيفاد مستشفى كومفورت العائم و على متنه ما يجاوز 800 طبيب و ممرض لتقديم العلاج اللازم للمنكوبين ، و أزدحمت مطارات و موانىء هيتي بالبواخر و الطائرات التي وصلت من الدول الخيره حول العالم تحمل المساعدات ، وقف أهل غزه يراقبون هذه الأحداث و الحيرة تنتابهم عن أين كانت وسائل الأعلام عن نكبتهم، و أين كان أصحاب الضمائر الحية غائبين حينما توقفت ساعات الزمان و غلقت الحدود لتتم عمليات التطهير العرقي (بحسب تقارير منظمات حقوق الأنسان العالميه) عن طريق البر و البحر و الجو. يتسأل ثكالى غزه عما منع وكالات الأعلام العالميه نقل أخباراعدام عائلات بأكملها تحت مرأى و مسمع دول العالم. يتساؤلون أين كانت القلوب الرحيمه حينما منعت سيارات الأسعاف من اغاثة الجرحى بل واستهدفت نفسها من قبل الطائرات، فكانت طواقم الأسعاف محدودة العدة و التعداد شبه عاجزه عن انتشال الاشلاء من ناحيه و حماية أنفسها من قنابل الفسفور الأبيض من جهة اخرى. فما كان لغزه الا أن تراقب تساقط فلذات الأكباد واحد تلو الأخر تحت الأنظار كأوراق الشجر. و من اوجه التباين بين مأساة هيتي و تلك في غزه أن صبر أهل هيتي على ايصال المساعدات قد نفذ بعد أقل من أسبوع على الكارثه فأنتشرت عصابات النهب و البلطجه لسرقة المساعدات حتى تعذر أيصال الأساسيات الى الأهالي الا بمرافقة قوات جيش على أهبة الأستعداد لقتال تلك العصابات. اما في غزه، فأنعكس رباط جاش أهلها بضمان سلامة الأهالي و سلامة كل كسرة خبز وصلتهم بشق الأنفس بعد مرور عام على الدمار وسنوات من الحرمان و الحصار .
عذرا أهل غزه فمأساتكم لم تكتمل
يتسأل أهل غزه أن من يقرر مصائر الشعوب؟ هل هي الحكومات أم النظام العالمي، أم مصالح الجيوب؟ راقب العالم مأساة غزه فتكتفت الأيدي و شكى العالم قلة الحيله، و دفن رأسه في التراب، ثم راقب العالم زلزال هيتي، فثار البركان، و أستيقظ الديناصور من نومه و أنتفض العالم لأنقاذ المستضعفين. ثم بدأت النداءات تنبعث بعد 3 أيام من الزلزال لعقد مؤتمر دولي لأعادة بناء هيتي، و غزه تنتظر بناء و لو بيت واحد بعد مرور 3 سنوات من الحصار و الدمار، حتى أن الأمم المتحده لم تجد بديلا فشرعت و لأنعدام مواد البناء الى تشييد بيوت من الطين لأيواء المشردين على طراز أول بنيان أقيم بالأسلام قبل حوالي 1500 عام. ليس هذا و حسب، بل يتوج هذا كله بمكافأة المغتصب في أحتفاله مرورعام على مجزرة غزه (كما وصفها تقرير غولدستون) ببناء الجدار الفولاذي بين غزه و سيناء، وهوالجدار الذي جزم بل و أقسم أحد المسؤلين المصريين بأولاده (عبر قناة الجزيره) أصلا بعدم وجوده، و في الوقت ذاته باركه سماحة مفتي الازهر(لا فض فمه) بل و اكد ضرورته، بينما تلعثم سماحته في اصدار الفتاوى الضروريه المتعلقه بانتشار الأمراض الأجتماعية في المجتمع المصري المترهل كالبطالة و الفساد و الادمان و انتشار الخلع و الدعارة و الرشوة و الامية وغلاء الاسعار.عذرا غزه فناصر مات بعدما رفع الأمة بتشيد السد العالي و ما ترك لك بعده الا من يشيد جدار عار واطي.
في الوقت ذاته احتفل احرار العالم حينما تعلقت القلوب الحيه بالأنتصارالذي حققه عضو البرلمان البريطاني جورج غالاوي الذي عانى الامرين ليكسر حصار غزه و يوصل المعونات عن طريق حملة شريان الحياه لشعب غلقت عليه الأبواب و قيل للمغتصب "هيت لك". و من المثير للضحك أن غالاوي رحل من مصر بعدما وضع تاريخ الأشراف على صدره وسام الشرف، و أعتبرته مصر شخص غير مرغوب فيه، الا أنه صار بطل مرغوب به في قلوب ملايين الأحرار، بل و يحترم ملايين المرات أكثر من مفتي الأزهر.
و أخيرا أهل غزه، لن ندعكم تتفكرون كثيرا في هذه المفارقات و ربما لسان حالكم الذي تعبر عنه الأية القرآنية "و اذا المؤودة سئلت بأي ذنب قتلت"، و نقول لكم أن مأساتكم هي مأساة الأمه، فربما تدفعون ثمن انحطاط الأمة اليوم ولا ندري أي شعب مسلم يدفعها غدا، و ان تراكمت الظلمات اليوم، فلعلكم تستذكرون أن الفراعنة و الأباطرة قد أستبدوا ثم بادوا و لم يبقى لهم الا لعنات الزمان. عذرا أختاه في غزه فرجولة أبنائك و خنوست نسائك و صريخ أطفالك ما لامس نخوة النظام العربي الجديد، و صدق شاعر الاقصى رحمه الله يوسف العظم حينما قال:
رب وا معتصماه انطلقت ملأ أفواه الصبايا اليتم
لامست أسماعهم لكنها لم تلامس نخوة المعتصم
فأطلقي يا غزة هاشم، يا مرتع الشافعي صريخا بأعلى صوتك و نادي نخوة جورج و أردوغان النابضه لتصافح نخوة ماتت دفنتها معاهدات السلام فدوام الحال من المستحال، و أنتظار الفرج عباده. ابعثي رسائل، كما شدت فيروز، سطرها أطفالك بالدمع الحزين، حروفها ربما "ضايعيين"،أو ربما "محاها الشتاء" قبل أن يحملها الحمام الزاجل الى من عليه أن يجب النداء. يا مرتع عزة لا يعرف ذنب له (غير أنها ليست مباراة كرة قدم لتستثيرحمية أبطال الفيسبوك) فيسدد حسابه بادارة الأظهر له، و تجاهل معاناته و قتل حلمه أن يكون لأطفاله مستقبلا قدر له النظام العالمي اليوم الأ يولد.
فلك يا غزة الله و الدعاء و الدموع و أحرار العالم، و لهيتي المعونات و المدد و الأموال و العالم بأسره.