أرشيف - غير مصنف
محنة الأطباء في العراق: تسليح الاطباء لن يحل معاناتهم!!
د. أيمن الهاشمي
لعل من أبرز المحن التي تعرَّضَ ويتعرّض لها العراقيون في ظل الإحتلالين الأمريكي – الإيراني، هي المساعي المحمومة من أطراف عديدة، لإفراغ العراق من علماءه وأكاديمييه وبالأخص منهم الأطباء، من خلال الاغتيال والتصفيات وتعرّضهم لجرائم الخطف والابتزاز على يد الجماعات المسلحة وعصابات الجريمة المنظمة والمليشيات الطائفية، فضلا عن الإغتيال والقتل والتصفيات
الجسدية، وهو ما أدّى إلى هرب وهجرة عشرات الألوف من العلماء والأكاديميين والخبراء والباحثين وذوي الخبرات والمهارات إلى خارج العراق، وأضطر آخرون إلى البقاء داخل الوطن برغم تعرضهم للجرائم المستمرة والاعتداءات المتكررة، مواصلين تقديم الخدمات الطبية لأبناء شعبهم في ظل أحلك الظروف الأمنية وأقساها، ووسط تقصير حكومي واضح في تأمين الحماية للأطباء وغيرهم من الكفاءات العراقية التي يحتاجها الوطن. وتشير الإحصاءات التقديرية إلى هجرة ما يقارب عشرة آلاف طبيب عراقي من مختلف التخصصات، واغتيال نحو 400 طبيب داخل العراق، كما تعرّض الأطباء
المتبقون في العراق إلى ظاهرة الاعتداء المتكرر عليهم داخل المستشفيات الحكومية من قبل أفراد الحرس الوطني والأجهزة الأمنية الحكومية لمختلف الأسباب، كما برزت ظاهرة، أكدتها نقابة الأطباء، وهي ملاحقة الأطباء عشائريا بدعاوى الفصل العشائري عن حوادث وفيات لمرضى لم يفلح العلاج الطبي معهم، فتتم ملاحقة الطبيب المُعالِج لكي يدفع الفصل العشائري لعشيرة المتوفى!! دون أن تتدخل الحكومة لاتخاذ الإجراءات القانونية بحق المعتدين والمُبتزّين أو توفر الأجواء لعودة من يرغب العودة للوطن.
آخر ما تفتقت عنه ذهنية الحكومة المالكية الجبّارة صاحبة الإدعاءات الفارغة بإنجازات وهمية، هو تقديم مشروع قانون يناقشه مجلس النواب العراقي لحماية الأطباء والكوادر الطبية والذي يجيز لهؤلاء (حمل السلاح) للدفاع عن أنفسهم (!!!).مع تزايد عمليات القتل والاختطاف والسيارات المفخخة وتصفية
الحسابات خلال المدة الأخيرة ولا سيما في العاصمة العراقية وغيرها من مدن العراق الجريح . فقد صرح الناطق الجهبذ باسم حكومة المالكي علي الدباغ بأن (المشروع يعد بادرة لتشجيع الكوادر الطبية المهاجرة للعودة إلى العراق). وقال الدباغ بأن مجلس الوزراء قرر الموافقة على مشروع قانون حماية الأطباء وإحالته إلى مجلس النواب للمصادقة عليه). ووصف الدباغ "القرار بأنه التفاتة من الحكومة العراقية للأطباء والأطباء الاختصاصيين بضرورة حمايتهم من الاعتداءات والمطالبات العشائرية نتيجة أعمالهم الطبية".
من حقنا ان نتساءل ببراءة: هل إن توزيع قطع السلاح على الأطباء المساكين سوف يحميهم من الاعتداءات؟ أم يورطهم في أخطاء وجرائم؟ وهل أن قطع السلاح سوف تغري الأطباء المهاجرين على العودة الى العراق طمعا بقطعة كلاشنكوف او مسدس؟ ولماذا لا تقوم الحكومة عبر حرسها الوطني وأجهزتها الأمنية المليونية ومخابراتها واستخباراتها بتامين الحماية الكافية للأطباء دون الحاجة لتوريطهم بحمل قطع سلاح؟ ومن يضمن
حسن استخدام قطع السلاح من قبل الأطباء؟ ولماذا لم تعلن الجهات الأمنية المسؤولة في حكومة المالكي عن اكتشاف أية جريمة من جرائم الإغتيال والاختطاف التي تعرض لها الأطباء والعلماء العراقيون منذ الغزو ولحد الآن والتي قيدت في سجلات الشرطة (ضد مجهول!!))) وأن يُطمْئِنوا الناس بأن عقاب القضاء العادل قد طال من تطاول على عالم أو طبيب أو أستاذ جامعي؟؟؟؟
إن الإجراءات الغريبة العجيبة التي تضمنها قانون حماية الأطباء والتي نراها معالجة (غريبة ومبتسرة وخطيرة على الطبيب المسكين قبل
غيره!!) وهي إن نفذت حقا ستزيد من هموم ومعاناة الأطباء وتعرضهم للمخاطر أكثر مما تنقذهم من إرهاب القوى الشريرة التي تتقصد تفريغ
العراق من علمائه!!! فهل يمكن أن نعتبر هذا الحل العجيب هو آخر ما توصلت إليه قريحة المسؤولين في حكومة (نصف ردن) منزوعة الصلاحيات لا تعرف سوى الإجراءات الترقيعية؟ وهل يا ترى هكذا تحل الأمور في عراقنا المبتلى؟ وهل يترك أمر حماية الطبيب إلى الطبيب المسكين نفسه برشاشة مستهلكة من مخلفات سوق مريدي؟ أو
مسدس (نصف ردن) قد لا يحسن استخدامهما أو التصويب بهما فتكون النتائج كارثية على الطبيب … وعلى المجتمع؟ لقد صرفت قوات الإحتلال والحكومات المتعاقبة ملايين الدولارات على شركات الحماية الأمنية لتحمي المسؤولين الأميركان وعملائهم من العراقيين… فلماذا لا تحمي الطبيب والعالم والأكاديمي والمهندس العراقي؟