حبيب طرابلسي
بدأ السجال التقليدي بين الليبراليين والإسلاميين حول بعض القضايا الاجتماعية، مثل الاختلاط و قيادة المرأة للسيارة، ينتقل إلى المؤسسة الدينية ذاتها في المملكة العربية السعودية التي شهدت في الصيف الماضي جدلاً حادا حول السماح بالعروض السينمائية حسمته وزارة الداخلية بإلغاء المهرجان السينمائي الوحيد في المملكة، موجهة بذلك ضربة لآمال الإصلاحيين في تخفيف سيطرة التيار المحافظ في المجتمع السعودي.
الاختلاط جائز
وكان الدكتور أحمد بن قاسم الغامدي المدير العام لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في منطقة مكة المكرمة، قد أحدث زوبعة في الأوساط السعودية بتصريحات في ديسمبر الماضي لصحيفة "عكاظ"، أجاز فيها الاختلاط بين الرجال والنساء.
فقد قال إن: "مصطلح الاختلاط الذي أثار الجدل بعد تدشين جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية لم يُعرف عند المتقدمين من أهل العلم، لأنه لم يكن موضوع مسألة لحكم شرعي كغيره من مسائل الفقه، بل كان أمرا طبيعيا في حياة الأمة ومجتمعاتها".
واعتبر الغامدي، الذي يعد أحد كبار قياديي جهاز هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أن "الممانعين له يعيشونه واقعا في بيوتهم، التي تمتلئ بالخدم من النساء اللواتي يخدمن فيها، وهي مليئة بالرجال الغرباء، وهذا من التناقض المذموم شرعا"، واصفا القائلين بتحريم الاختلاط بأنهم "قلة لم يتأملوا أدلة جوازه (…) فالاختلاط لم يكن من منهيات التشريع مطلقا، بل كان واقعا في حياة الصحابة".
وقد أثنى العديد من الكتاب الليبراليين على الشيخ الغامدي. واعتبر الكاتب الصحفي حمود أبو طالب هذه التصريحات "تحولا جذريا في قضية الاختلاط التي خلقت أزمة وجدلا مستمرا أضاع الكثير من الوقت". أما الكاتب محمد آل الشيخ فقد بين كيف أن قضية منع الاختلاط "تسببت في كثير من التعطيل وجعلت كفاءات نسائية عالية التأهيل إما لا تعمل أو تعمل بحذر في جو مشحون بالتوجس وألغام الريبة".
في المقابل، انتقد آخرون تصريحات الشيخ الغامدي و فندوا الأدلة التي ساقها في تبيان مشروعية الاختلاط. إذ إعتبرها الشيخ محمد المنجد "مسألة خطيرة وافتراء وتجني على الشريعة"، مستشهدا بأقوال المفتي السابق للمملكة الشيخ عبد الله بن باز. و اعتبر الداعية عبد الرحمن الأطرم, أن توقيتها "غير مناسب نظرا لما تمر به البلاد من أحداث جسام مثل قتال الحوثيين وكارثة جدة".
وامتد الجدل خارج المملكة بإصدار علماء ودعاة كويتيين بيانًا ينتقد فتواه بشدة ويصفها بالشاذة. وأفادت مصادر داخل الرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أن الرئيس العام للهيئة، الشيخ عبدالعزيز بن حمين الحمين، أصدر قرارا بإعفاء احمد الغامدي من منصبه وتعيين الشيخ عبدالرحمن الجهني , رئيس هيئة الطائف , مكانه.
أحمد بن باز يتمرد على والده ويفتي بأحقية المرأة في قيادة السيارة
و يوم الخميس 14 يناير، نشر الشيخ أحمد بن باز، بن المفتي السابق، مقالاً في صحيفة "الوطن" بعنوان "قيادة المرأة السيارة قضية حقوق لا قضية أولوية"،حيث يعتبر أن "قضية القيادة هي قضية حقوقية بالدرجة الأولى تُشبه الكثير من قضايا المرأة لدينا، والحديث فيها ينطلق من حقوق الإنسان التي أعطاه إياها الإسلام كحق التملك وحرية التنقل وهي مبدأ من مبادئ الحرية الأصلية – غير المكتسبة، والحقوق ليست ترفاً ولا تمنح ولا يمكن التصويت عليها". وأضاف الباز: "أما من منع قيادة المرأة السيارة من مشايخنا الفضلاء في السابق فهو لاعتبارات لا أظنها موجودة الآن أو يمكن مناقشتها وإعادة النظر فيها".
و في تصريح لقناة "العربية" مساء الاثنين 18 يناير، قال الباز، وهو باحث في الشؤون الإسلامية، أن فتوى والده القديمة في هذا الأمر "رأي اجتهادي قابل للنقاش لأنها مسألة في دائرة المباحات، ولا دليل شرعي عليها".
و قد أثار المقال المئات من التعليقات والتي جاءت في أغلبها مؤيدة للشيخ الباز ومطالبة بسن "قرار رسمي يعدل هذا الوضع الغريب".
وقالت غادة إبراهيم: "يوجد في السعودية أكثر من مليون سائق أجنبي بحسب إحصائية وزارة العمل. أليس الأولى ترحيل هؤلاء الأجانب وتسليم دفة القيادة للمرأة التي أثبتت جدارتها في الطب والتمريض والتدريس؟".
وتشاطرها الرأي نوف خالد مشيرة إلى "الرقم الفلكي المليوني لجيوش السواق البنغال و الباكستانيون و الفلبينيون، و الذي تبلغ تحويلاتهم النقدية لبلدانهم مليارات الريالات تستنزف من الاقتصاد للوطني، بحجة خصوصية المجتمع السعودي المفرطة و باسم حرمة المرأة و ستر عورتها".
فيجيب أبو ياسر: "القضية واضحة ولا تحتاج لإقناع. عندنا عقول مغلقة لا تقبل التغيير"، مضيفا: "قيادة السيارة لا محالة منها وسيصدر الأمر بها. المسالة مسألة وقت".
"الحرية أثمرت"
وفي مقال نشر بصحيفة "الحياة" يوم الأحد 17 يناير، بعنوان "من الغامدي إلى الباز"، يعتبر داود الشريان، وهو من الكتاب الصحفيين المتمرسين، أن الحرية التي أُتيحت للصحف خلال السنوات الخمس الماضية في تناول مثل هذه القضايا أثمرت، وأدخلت النقاش إلى ساحة المؤسسة الدينية ذاتها".
و يضف الكاتب أنها "المرة الأولى التي يجرى تناولها من أشخاص محسوبين على المؤسسة الدينية. فالشيخ أحمد بن باز هو نجل مفتي السعودية السابق (….) الذي كان له رأي معروف في تحريم قيادة المرأة السيارة. أما الدكتور احمد الغامدي، فهو يعمل في أكثر المؤسسات الدينية تشدداً في البلد، بل إن أساس عملها اليومي هو منع الاختلاط ومحاربة مظاهره بشتى الطرق".
هذا يعني أن النقاش في القضايا الاجتماعية التي تتقاطع مع الدين دخل مرحلة مهمة في السعودية (…) وهو أمر جوهري، وسيكون له تأثير إيجابي على تطور المجتمع".
لكن أحد القراء يجيبه متسائلا: "ما هذه الانتقائية؟ . الاحتفاء بآراء أحمد الغامدي دون غيره من رجال الهيئة، هل يرجع إلى أنه ما يريده الليبراليون" ؟
"معركة السينما" تنذر بفشل "النبضات التنويرية"
ورغم أن التيار الليبرالي، الذي يمثله مثقفون ورجال أعمال وصحفيون، سجل بعض النقاط في حربه ضد المؤسسة الدينية، أحد أعمدة النظام والتي تمثلها أساسا "هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر"، منذ وصول الملك عبد الله إلى سدة الحكم في 2005 و الذي يسهر على تقديم السعودية كدولة متفتحة ومتسامحة، إلا أن التيار المتشدد، المساند من النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء ووزير الداخلية، الأمير نايف بن عبد العزيز، كان له دائما الكلمة الأخيرة.
و قد تجلى ذلك بوضوح في "معركة السينما" التي يقود جزءا منها الأمير الوليد بن طلال، احد أثرى أثرياء العالم وقريب الملك عبد الله. فبعد العرض التاريخي لفيلم "مناحي"، وسط إقبال جماهيري كبير و معارضة شديدة من المتشددين الذين يعتبرون السينما والموسيقى وكل الأشكال الأخرى للتسلية مسيئة للإسلام، حسم الأمير نايف المعركة بإلغائه المهرجان السينمائي الذي كان من المقرر افتتاحه بعد ساعات قليلة في جدة.
وقد فجر القرار سيلا من المديح ل"النائب الثاني" ووابلا من التنديد ب"أصحاب الفكر الضال العلماني" على مواقع مقربة من "التيار الإسلاموي المتشدد"، فيما التزمت الصحف المحسوبة على "التيار التنويري" الصمت وخلت من أي مقال عن أسباب منع تنظيم المهرجان، و لم يجرأ أحد على انتقاد القرار، بعد أن تطرقت للحدث الأبرز طوال أسبوع وأفردت له الزوايا، وتحدثت عن بعض الأسماء المشاركة بإسهاب
http://www.saudiwave.com/index.php?option=com_content&view=article&id=5197:2010-01-20-12-19-32&catid=50:2008-12-02-08-52-24&Itemid=115