بقلم محمد رياض لم يعد خافياَ أن الشارع العربي في عمومه يتحرك بعفويه شديدة وفي أوقات الأزمات الكبرى فقط مما يعكس عجز حركات المعارضة العربية عن توجيه بوصلة الحراك الشعبي العام في مجمل الأقطار العربية. وبإستثناء بعض الحالات الخاصة التي تتحول فيها الأحزاب العربية إلى واجهات عصرية تمثل مصالح قبلية عشائرية كما هي الحال في اليمن مثلاَ أو مصالح طائفية ضيقة كما هو واقع الحال في لبنان على سبيل المثال أو عندما ترتبط ببرنامج مقاومة لإحتلال مباشر كحركات المقاومة الفلسطينية، فإن البقية الباقية من الأحزاب الأيديولوجية العربية باتت تشكل في نظر الجماهير ترفاَ فكرياَ خاصاَ ببعض المتقاعدين من المثقفين الباحثين عن نشاطات لملء الفراغ وثلة من أساتذة الجامعات وقلة قليلة جداَ من الشباب المتحمس. وبإختصار تحولت معظم الأحزاب العربية الى منتديات نخبوية مغلقة في حالات أو إلى صالونات سياسية شللية مغلقة في حالات أخرى. وهذا ينطبق على واقع الحركات الإسلامية السياسية أو حركات الإسلام السياسي كما يحلو للبعض تسميتها والتي باتت هي الأخرى تفقد إمتدادها الجماهيري التنظيمي لصالح قوى متدينة غير سياسية، فإخوان الأردن ومصر مثلاَ فقدوا منذ مطلع القرن الحالي اكثر من نصف قواعدهم الجماهيرية لصالح التيار السلفي الذي ينأى بنفسه وأتباعه عن الإنغماس في العمل السياسي العام، أما في سوريا فإن جماهير المتدينين تتجه بشكل متزايد نحو الإنخراط في طرق صوفيه تقليدية والتي يعاد إنتاجها الاّن بدعم حكومي بهدف سحب البساط من تحت أقدام حركات الأسلام السياسي المعارضة وكذلك لمجابهة المد السلفي الخليجي. وهكذا فأن مجمل االحركات العربية السياسية المعاصرة سواءاَ الاسلامية منها أو القومية أو اليسارية تعاني من عملية إنكماش مستمر وهي حتماَ في طريقها الى الإضمحلال الكلي، والسبب الرئيسي في ذلك هو عدم قدرة هذه التنظيمات على تبني برنامج بهوية طبقية واضحة المعالم والإنحياز من خلاله إلى تمثيل مصالح الطبقة الكادحة العربية في مقابل الاحزاب العربية الحاكمة والتي تمثل بمجملها المصالح الطبقية للفئات الغنية المترفة المستفيدة من إستمرار النظام القائم والمرتبطة وجودياَ بدوام إستقراره. أما الطبقة الوسطى التي تراهن عليها وتنشط فيها معظم التنظيمات السياسية العربية المعاصرة فلا فائدة تعول من المراهنة عليها في إحداث أية تغيير لعدم نضوج وعيها الطبقي بحكم تأرجحها بين طبقتين يصل التناقض الطبقي بينهما إلى ذروته. ولهذا فلا يمكن التعويل على الطبقة الوسطى لإحداث إنقلاب تغيري مجتمعي لأن أفراد هذه الطبقة مرتبطون بإمتيازات إقتصادية وإجتماعية معينة وبدرجات متفاوته ليس من السهل المغامرة بمفقدانها على الأقل عند أغلبيتهم. ولكن يمكن للوسطى ان تنتج قيادات التغيير من النخبة المثقفة الواعية ذاتياَ وأيديولوجياَ، ثم يكون بمقدور هذه القيادات التحكم بدفة التغيير المنشود عبر توجيه جماهير الطبقة الكادحة في صراعها لتحقيق العدالة الإجتماعية والتوزيع العادل للثروة القومية. ولا مجال هنا للحياد أو للتذبذب والتأرجح في قضية حساسة كهذه، فتحديد الإتجاه واجب ديني ووطني وأخلاقي لأننا لا نتكلم عن أفراد ومناطق فحسب بل عن مفاهيم ومبادئ لا تقبل القسمة على إثنين، فإما العدل وإما الظلم وإما حكم الأغلبية الكادحة التي لا تعرف غير الوطن أو حكم الأقلية المترفة التي لا يعني الوطن لها أكثر من مكان لقضاء الإجازة وإبرام بعض الصفقات. ولكي لا يتحول هذا الكلام أيضاَ إلى خطاب نخبوي إنعزالي اّخر فلا بد من إعادة صياغته بلغة دينية تفهما الجماهير الكادحة ويلهب فيها الحماس ويدفعها نحو التحرك والتضحية، ولنا في خطابات أبي ذر وثورة الحسين وبرنامج حكم عمر بن عبد العزيز ومنهج نور الدين زنكي التغيري أسوة حسنة.