أسامة عبد الرحيم
إن لكل شئ مقدمة ومؤخرة، التاريخ له مقدمة تصطف خلفها الأمم التى تكره مذاق الذل وتحتفظ بمصائرها بيدها وحدها، ومؤخرة تنحشر خلفها نُخالة الأمم التى رضيت بتعيتها لغيرها وأطلقت على الذل مسميات خادعة تراوغ بها وعي شعوبها النازف من ثقوب الذاكرة.
ويقف الجسد العربي منزوع الكرامة حائراً بين دفع ثمن المقدمة وإباحة تنازلات المؤخرة، راقصاً في الوقت نفسه من فرط آلام الذبح تحت زخات الرصاص وإرهاب قوادة العالم الحرّ أمريكا، التى تعاني من أطماع الشبق المحرم.
وحتى لا نغبن عروبتنا الحديثة حقها نؤكد أننا بنينا تاريخ حافل داخل حضارتهم اللقيطة، فنحن نعشق فن الرقص بالمؤخرات ولكننا نجهل كيفية صناعة الصواريخ العابرة للقارات، في حين برعت شعوب أقصر منا قامة في صنع صواريخ متوسطة وبعيدة المدى برؤؤس نووية وموجهة رغم الحصار، ونحن مازلنا نأمل في عدالة ما يسمى بـ"المجتمع الدولي" ونخزن القات في اليمن ونشرب الويسكي في القاهرة ونتعاطى الماريجونا في الخليج، وبينما لا تتعدى طموحاتنا (size) بكيني هيفاء وهبي، تمرح قطعان المارينز مثل الجراد تمتص بترولنا وتحتل أرضنا وفوق ذلك تتلذذ بضرب مؤخراتنا.
وأعادت إدارة الرئيس الهجين أوباما مسألة المؤخرة إلى المشهد السياسي، لتخرجنا من حالة أزمتنا التاريخية والأنثربولوجّية المعقدة ، وتتشبث بالجسد العربي في حالة جديدة من الذل الذى يقابله الرضى والخضوع.
الحدث المثير للسخرية والذى تناقلته وكالات الأنباء أن واشنطن سلمت مؤخراً أصحاب السمو والأفخاذ والفخامة العرب قائمة جديدة من المحظورات، التي يتحتم تطبيقها على رعاياهم الراغبين في السفر جواً الى جنة الخصيان وسدرة العولمة.
وتقضي الفرامانات الأمريكية الجديدة التى لا تقبل مجرد النقاش في آدميتها تفتيش مؤخرة المسافرين العرب، ولن يسلم أحد لا الرجال ولا النساء من هذه الفرامانات، وهو ما أكده خبراء المؤخرات من أن الموضوع يبتعد عن جدالية المؤنث أو المذكر، حيث أن الجسد العربي في مفهوم الإدارة الأمريكية كله مؤخّرة، والمؤخرة في هذه الحالة الهامشية والمحرجة كلّها الجسد العربي.
واستشهد خبراء المؤخرات بما قاله الشاعر الجاهلي ذو الرمة :"ورملٌ كأوراك العذارى قطعته" ، وساق الخبراء شاهداً آخر على خطورة تخطي المؤخرة العربية وإعفائها من التفتيش بما غنّاه أحد المطربين العرب "آكلك منين يا بطَّة" ، وذلك قياساً على ما جاء في قصة إغراق المدمرة الصهيونية "إيلات" التى أصبح يوم إغراقها عيدا للبحرية المصرية، حيث تضمن نص العملية شفرة أحد المطربين "بين شطين وميا"..!
كما شكلت مؤخرة الطفل "حنظلة" نجل الثائر الفلسطيني ناجي العلي وهو يديرها مراراً وتكراراً لجدار العار الفولاذى المصري ضاغطاً كبيراً على صانع القرار الأمريكي، يضاف إليه إحراج إدارة أوباما الكبير من الصمود الأسطوري للمقاومين في غزة ، أمام قنابل الفسفور الأبيض التى تسلمت دفعاتها طائرات تل أبيب، قبل أن تغمرها فوق رؤوس الرجال والنساء والأطفال والعجزة ومباني الأنروا والمستشفيات والمدارس والمساجد والكنائس.
غير أن مصادر أمريكية واشية أكدت أن اهتمام نخبة القرار العربية الدائرة في الفلك الصهيوني بمؤخرة شاكيرا المصقولة المتفجرة تحت بنطال جلد بخصر خفيض وهي تستدير أمام جمهور المساطيل وتصدر مؤخّرتها في ديباجة قرارات الجامعة العربية، وصولاً إلى تهتّك جموع الزعامات في فضاء الوهم العربي، بأوراك مرتخية في رقصة ذل وخضوع وإذعان مشترك يشبه حالة هيجان جماعي، شكل ذلك كله تهديداً للحلم الأمريكي الصهيوني الذى يخشي استيقاظ الجسد العربي المنفي كرامته فجأة تحت سياط "القاعدة" في العراق وافغانستان.
ووجد صانع القرار الأمريكي ضالته وهو يبرر قراره المثير هذا بما قالته العرب في دواوينها، قبل إن يحرقها المارينز في مكتبة بغداد ويغرقها في قاع الفرات :"المؤخرة خير الوجهين..فالوجوه الحسان كثيرة..أما المؤخرات الجميلة فقليلة"، في إشارة واضحة لعمليات التفجير الناجحة ضد آليات جيش الاحتلال الأمريكي، والتى تعتقد واشنطن أن المقاومة قد تلجأ إلى تفخيخ مؤخرة الحرائر المكتنزة ، كما نجحت في تفخيخ الشجر والحجر تحت عجلات دبابات العدوان.
واستثنت سلطات الطيران المدني الأمريكية من فرامانها بالطبع مؤخرات أصحاب السمو والأفخاذ والفخامة، حيث نجح عفاريت الـCIA في تركيب مجسات مراقبة حساسة متناهية الصغر في الجزء الغائر من تلك المؤخرات، وذلك رغم السمعة الطيبة لأجهزة الإستخبارات العربية خصوصاً في علمية "خوست" الأخيرة التى قادها الشهيد الأردني همام البلوي، فضلاً أنه يتم تفتيشهم مؤخراتهم الرئاسية بصفة دورية قبل إستدعائهم للمثول في البيت الأبيض.
فرمان التفتيش شمل مبدئياً مؤخرات مواطني الجزائر ولبنان وليبيا والعراق و نيجيريا وباكستان والسعودية والسودان ونيجيريا وافغانستان والصومال وسوريا واليمن وايران، على أن يتم تفتيش بقية مؤخرات الدول العربية والإسلامية تباعاً دون الإشارة إليها لحساسية أنظمتها ضد التفتيش ،ومنعاً لإحراج مؤخرات أصحاب السمو والأفخاذ والفخامة في هذه الدول أمام شعوبهم، وذراً للرماد في العيون ونفياً لشبهة العنصرية عن الفرمان، تم ضم مؤخرات مواطني كوبا إلى قائمة التفتيش واستبعاد مواطني هاييتي التي ضرب مؤخرتها الزلزال .
ويشكل الفرمان الأمريكي عودة بالمؤخرة العربية لتتصدر مقدمة المشهد السياسي بالكامل، وذلك بعد ان ظلت عقوداً طويلة سجينة بين جدران الشعر العربي الجاهلي القديم، فلم تكن قصيدة غزليّة لتخلو من التفنّن في تشبيه المؤخرات ووصفها، لكن مع ذهاب إدارة قائد الحملة الصليبية الأمريكية بوش الإبن، بعد نجاحه في نزع العراق من محيطه السني ووضعه تحت الوصاية الإيرانية وتسلم درع حذاء الزيدي تتويجاً لجهوده، جاءت إدارة الرئيس الهجين باراك أوباما وسياسته الناعمة في الطبطبة على "المؤخرة" ، بوصفها جزءاً من هامشية الكل ودلالة على جهوزية الجسد العربي للحظات الغواية الأخيرة قبل هدم الأقصى.
وتشمل الفرامانات الأمريكية الجديدة منع أصحاب المؤخرات العربية من دخول دورات المياه تحت أي ظرف قبل ساعة من وصول الرحلة الى أي من المطارات الأمريكية، مع منعهم من تغطية مؤخراتهم بالبطانيات خلال الرحلة مهما كانت برودة الطقس ولو تحنطت مؤخراتهم بفعل الصقيع.
وتقضي الفرمانات بضرورة خضوع أصحاب المؤخرات العربية لعمليات التفتيش العشوائي اليدوي الذي يشمل أدق تفاصيل ومنحنيات وتلافيف المؤخرة، وكذلك تفتيش باقي ملحقات المؤخرة الحساسة إن وجدت.
كما تحظر الفرامانات الأمريكية الجديدة على قائدي الطائرات بابلاغ أصحاب المؤخرات العربية عن معالم المدن الأمريكية أو تحديد موقع الطائرة او تحديد اتجاه قبلة الصلاة، مع مراقبة أي مؤخرة عربية تذهب الى دورة المياه خلال فترة الاقلاع أكثر من مرة، ومنع دخول عسل النحل والينسون والنعناع والزنجبيل والسحلب بشكل مطلق الى الطائرة ، وكذلك سائر المشروبات ذات النكهة العربية المميزة مثل القرفة والعرقسوس والسوبيا والتمر هندي.
وتتضمن فرامانات التفتيش استخدام أجهزة اشعاعية تظهر صاحب المؤخرة العربية عاريا مع ظهور معالم مؤخرته بوضوح على الشاشة تماماً، كما تم اضافة مراقبين أمنيين الى صالات الطيران لمراقبة تحركات المؤخرات العربية، ومراقبة "قواعد" دورات المياه التى تجلس عليها المؤخرات العربية وتقضي حاجاتها.
وثمّة تبادل أدوار بين الإدارة الأمريكية بقيادة بوش الذى هز مؤخرته وهو يرقص بالسيف رقصة "العرصة" مع أصحاب السمو والأفخاذ والفخامة إبتهاجاً بنجاحه في حملته العسكرية على العراق، وبين إدارة أوباما التى افتعلت حادثة محاولة تفجير طائرة على يد طالب نيجيري مقرونة بتسجيل لشبح "بن لادن" الذى لا يظهر إلا حينما تستدعيه الـCIA على شبكة الإنترنت فقط وفي الوقت الذى تحدده وحدها، وسوف تعلن نبأ وفاته لكن بعد استنفاذ الغرض من تسجيلاته قبل وبعد كل حادثة تخدم المصالح الأمريكية.
حيث تشكل المؤخرة عند إدارة اوباما مجالا لتوسيع شعبيته المهيضة بعد تراجعه عن وعده بإغلاق جونتانامو وتسريح الأسرى المسلمين، وفي الوقت نفسه تشكل المؤخرة لصقور الكونجرس مجالاً للشك والريبة، لا سيما لو كانت عربية مربربة تميل ذات اليمين وذات الشمال، أو ترتج صعوداً ونزولاًَ ولا تعرف السكون، حيث يعد الخبراء الأمريكان ذلك إنذاراً "لحمياً" بغواية المؤخرة المفخخة يعقبه الانفجار..!
وبينما تهتم إدارة أوباما باذلال العرب – معتدلين وغير معتدلين- من خلال استباحة مؤخراتهم، نجد أن أصحاب السمو والأفخاذ والفخامة يمارسون نفس الشئ ولكن على النقيض تماماً، فبدلاً من التفكير في المؤخرة الصهيونية المدسوسة بوعد بلفور ونسفها من المنطقة، يجد هؤلاء متعتهم في بناء جدران فولاذية تحمي مؤخراتهم من حجارة الصبية الغاضبين من تعقيد مرور قوافل الإغاثة إلى عوائلهم الجائعة والمحاصرة في غزة.
ولسان حال أصحاب السمو والأفخاذ والفخامة يلخصه شاعر العهر والشذوذ "أبو نواس" وكأنه شاهد عيان على تحولات سياسة مؤخراتهم في المنطقة، إذ يقول:
والبر لست له سالكاً لي فيه .. ولا في البـحر منـهاج.
لست بـولاج على "جارتي" .. لكن على ابن الجار ولّاج.