أرشيف - غير مصنف
الموقف المصري.. محاولة للفهم
خالد حسنين
هل هي عمالة وجهالة فقط ما يمكن به تفسير الموقف المصري من الحصار المفروض على قطاع غزة؟ لدرجة أن يشارك الرئيس شخصيا في تلك الحملة، ويضع ثقله فوق الجدار الفولاذي الذي يتم زرعه على تخوم القطاع، أم أن وراء الأكمة ما وراءها؟
لنعد (كثيرا) إلى الوراء عندما كانت مصر هي الحاضنة الأساسية للقضية الفلسطينية، وقادت الجيوش العربية عبر عدة مواجهات مع العدو، وقدّمت آلاف الشهداء، واحتوت قادة النضال الفلسطيني، فكان ياسر عرفات رجل مصر القوي في منظمة التحرير الفلسطينية، لدرجة أن بعض زملائه في الدراسة (أيام اتحاد الطلبة الفلسطينيين في القاهرة) يؤكدون أنه رجل مخابرات مصرية، ويدللون على ذلك بعشرات الحوادث، إذا فمصر كانت تعتبر القضية الفلسطينية ومواجهة العدو الصهيوني جزءا أساسيا من حماية الأمن القومي المصري والعربي.
وصلت النخبة السياسية المصرية بعد سنوات من النضال على كافة الجبهات، وبعد معارك عديدة؛ إلى قناعة أنه لا بد من السلام مع العدو، ووضع السلاح جانبا، ووصل الفلسطينيون كذلك إلى النتيجة نفسها ربما تأثرا بالقرار المصري، ودخلوا جحر الضب نفسه الذي وصفه لهم الرئيس الراحل أنور السادات. ربما نختلف تماما مع الموقف المصري وخيار عرفات السلمي، ونعتقد أن ذلك خيار مرفوض عقديا وشرعيا، إلا أن أحكام السياسة تقتضي منا الحكم على النتائج لا على المقدمات.
تم خداع قيادة الشعب الفلسطيني آنذاك بفخ الاعتراف بحق (اسرائيل) في الوجود، وحتى تكتمل خيوط اللعبة تم إعلان الدولة الفلسطينية على الورق، وتنصيب الراحل عرفات رئيسا، كي يتمكن كرئيس دولة، ورئيس لمنظمة التحرير الفلسطيني (الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني باعتراف العرب والعالم) من إعطاء (اسرائيل) صك الاعتراف بشرعية وجودها، على الرغم من أنها دولة محتلة، ودون أن تنسحب من شبر واحد من الأرض الفلسطينية، وبعد سنوات من المسيرة السلمية وجد الفلسطينيون ومن خلفهم مصر زعيمة العرب أن المسيرة أسفرت عن لا شيء، وهذا ما عزز شرعية حماس، ودفعها إلى الواجهة عبر صناديق الاقتراع.
المشكلة المصرية مع حماس تتمثل في أن الأخيرة ترفض النتائج التي وصل إليها العرب والمسلمون، بالرغم من أنهم وصلوا إليها بعد مراحل طويلة من الصراع والدماء والمعارك والتشريد والمؤامرات الدولية، وكأن حماس في طرحها تريد أن تقول للعرب: لقد فشلتم لأنكم لم تحسنوا إدارة ملفات القضية، وأنكم ارتكبتم أخطاء قاتلة في مسيرتكم السابقة، وأن خيار المقاومة بالصواريخ (العبثية) قادر على أن ينجح من حيث فشلت الدبابات والطائرات العملاقة.
من وجهة نظر مصر ومن معها من عرب ومسلمين فإن حماس تريد أن تحرجهم كدول لديها التزاماتها العالمية، واتفاقياتها الدولية التي لا يجوز المس بها، والتي تتلقى مقابلها دولة كمصر مساعدات أميركية وأوروبية وميزات عالمية تساعدها في سد رمقها أمام أوضاع اقتصادية وتنموية داخلية معقدة، أمام ذلك المنطق الذي تصر حماس على فرضه على شيوخ القبيلة؛ نجد الزعماء العرب (يجاهدون) في إثبات أنهم دول محترمة، تفي بالتزاماتها، بل تبالغ في ذلك الالتزام، وتزاود فيه على دولة العدو، ولا تلتفت كثيرا إلى الطروحات (المعزولة) التي تتبناها حماس.
ثم من هي حماس بالنسبة لمصر حتى تخرق بسببها اتفاقيات دولية بشأن معبر رفح المقدس؟ لو كانت فتح هي المعنية بالأزمة في غزة فإن هناك مبرر لدى مصر لكسر الحصار، ففتح كانت على الدوام حصان مصر الرابح، والذي تراهن عليه دائما، أما وقد كانت المعركة مع حماس، وبعد أن قامت (بانقلابها الدموي) على (الشرعية) الفلسطينية فإنها لا تستحق من مصر أي رحمة، ولا أتوقع أي تغيير في الموقف المصري ضمن المعطيات القائمة.
لقد أفسدت حماس (بمواقفها) الحفلة السلمية التي كانت أوشكت على الانتهاء بجلب الفلسطينيين إلى بيت الطاعة الصهيوني، وقلبت الطاولة في اللحظات الحرجة، وتريد أن تفرض إرادتها على الكبار بدعم من العدو (الفارسي)، وهذا لن يكون بحال، فالقضية قضية شرف وكرامة بالنسبة للعرب، وقضية دفاع عن التاريخ والجغرافيا والشهداء بالنسبة لمصر، وقضية: هل مصر دولة تستطيع أن تفرض إرادتها بالرغم من كل شيء، أم أنها ترتعب بسبب تقرير يظهر على قناة الجزيرة، بذلك يمكنكم تفسير لماذا أعادت مصر قافلة شريان الحياة من العقبة، وكسرت رؤوس المشاركين في العريش، ولماذا تقيم الجدار الفولاذي، وتمنع قادة حماس من دخول مصر، ولماذا تخطط اليوم للمشاركة في الهجوم الجديد على غزة لتحريرها من (الغزاة)، السبب ببساطة: لأن الشرف غالي!!