بقلم الأديبة : دينا سعيد عاصم
رأيته يجرى وراء الكرة ولا يكاد يلمسها حتى يتعثر ولايدرى مايفعله بها..رفع رأسه فاختفيت وراء الستارة حتى لايشعر بالحرج من مراقبتى له وسط اقرانه…
بعد حوالى نصف الساعة كان يحوم حولى ويتبعنى من مكان لآخر فأيقنت ان هناك "موضوعا ما" يريد مفاتحتى به…
– نعم ما تريد ؟ قال"اريد ان اتمرن كرة قدم.. ولأسعدك سأسجل هدفا " قاومت ابتسامة وسألته "لم كرة القدم بالذات؟ هل انت ماهر فيها لهذا الحد" قال"احاول" قلت" لكنك لا تحبها وتتكلف فى لعبها فقط لتشارك اقرانك" تجاهل تعليقى فعاودت السؤال بشكل آخر "لم لا تتمرن تنس او اسكواش لتقوية عضلات صدرك وساعدك؟
هتف صغيرى بنفاد صبر"هل سمعت عن لاعب تنس او اسكواش يكسب الملايين ويتقاضى عن كل مباراة آلاف الجنيهات حتى لولم يسجل هدف وتكون المنح شقق وسيارات وشهرة وبرامج ووووو
فتحت عيناى لأرى ابنى الذى بالكاد اكمل عامه الحادى عشر يتكلم عن الفلوس والشهرة والسيارات..قلت"لكنك لست موهوبا" قال "ولا احمد ولا كريم ولا شادى" وجميعهم يتمرنون فى الناشئين..قلت"دعنى افكر"…
استغرقنى بالفعل تفكير عميق فقد سألت فعرفت ان ما فعلته يبدو شاذا جدا فغالبا ما يجبر الاباء ابنائهم على الالتحاق بفرق الناشئين طمعا فى نفس الكلام الذى قاله صغيرى..يا الهى!!الاباء ؟؟؟؟صارت غايتهم ان يسجل ابنهم هدفا ثم يخلع "قميصه" ليلقيه للجماهير!!!….وهكذا تم اختصار الحلم واختزاله فى"لعبة"…
اصبحت هى مجال حروبنا وانتصاراتنا وبسببها تخلق عداوات بين الاخوة وتمتلأ الشوارع بالهتاف…تم اختصار الوطن فى "كرة" يركلها الشباب وفتهتف الفضائيات بالاغانى"الوطنية"…لست هنا لأسخف او اقلل من شأن تلك الرياضة التى "كانت" لها اخلاق وعُرْف وجمهور بسيط ومتحضر يحبها ويشجعها دون حماقة….
كان اللاعبون بالماضى خلوقين مهرة مثال للتحضر..اما اليوم فلو شهد لأحدهم التزامه بالصلاة لأصبح "فاكهة" وكأن هذا يدخل من باب الغرائب…
بالامس كان الاهل يرفضون ان يتنازلوا عن مستقبل وتعليم ابنائهم من اجل هوايته ..اما اليوم فهدفهم الوحيد ان يسدد ابنهم"هدفا" بصرف النظر عن حالته الثقافية والعلمية..وتنهال عليه العروض بعد اعتزاله من برامج وفضائيات ليصبح نجما يصب علينا جام جهله ويطلق تصريحاته الهوجاء تصيب من تصيب وتهدم ما بناه زعماء الامة واطول قاماتها…وتصبح كلماته "مسيسة "من السياسة وتلعب بمشاعر الشباب لتلهيهم عن معاركهم وعدوهم الحقيقي..اما معاركهم فهى معارك كلامية منحدرة المستوى..اصبحت كرة القدم كارت من كروت "تغييب الوعى العام"
لدى الشعوب..مثل قضايا الحجاب والنقاب والطلاق والعتاق…..
لم تعدالرياضة تربى الاخلاق انما اصبحت تربى العداوات والبذاءات ويرعاها اعلام مريض فى يد حكومات نخرها السوس..اردت لإبنى ان يبتعد عن كل هذا الخرف..
اى نعم ليس كل اللاعبين هكذا الا انه سوف يصبح كذلك كما ارادت الحكومات للجيل القادم امثال ابنى فيشب مشبعا بكل الخرافات عن المال والشهرة والعدو الذى تربيه الفضائيات منذ الان فضائيات تقوم بغسيل مخ لتفريخ جيل مغيب عن قضايا وطنه..
اما الكارثة الحقيقية فهى ان المواطن من كثرة انهزاماته على كل المستويات وانعدام احساسه بنشوة الفوز والتفوق والمشاركة ولو ببعض النجاح الا فى كرة القدم,,,
مسكينة هى شعوبنا ومساكين هم ابناءنا لو تركناهم لسيطرة الاعلام المريض…ولسوف نحاسب لو فرطنا فى المسئولية..الا هل بلغت..اللهم فاشهد.ِ
دينا سعيد عاصم
شاعرة وكاتبة مصرية